حين يتحوّل الفن إلي خنجر مسموم في خاصرة الاسلام .. ويُستبدل نور الرسالة بظلمة الاسرائيليات

ما بين صفحات التاريخ وأضواء الدراما يمتد خيط رفيع .. إن لم يُمسك بعناية انقلب الحاضر على الماضي .. وتحوّلت القيم إلى أشباحٍ مشوهة .. و .. و من هنا تنبع خطورة ما جاء في مسلسل ” معاوية ” .. الذي ما كان مجرد عمل فني عابر.. بل بدا وكأنه طعنة جديدة تُسدَّد إلى قلب الإسلام .. وتشويه لـ ملامحه النقية لا من خصومه بل من أولئك الذين يزعمون تمثيله وإحياءه .
- حين يصبح الصمت خيانة
فحين يتحوّل الفن إلى خنجرٍ في خاصرة الحقيقة .. ثم .. ثم يُستبدل نور الرسالة بظلمة الاسرائيليات والروايات .. يصبح الصمت خيانة والتهاون جريمة .. لأننا لسنا أمام مجرد مسلسل أو دراما تاريخية .. بل نحن أمام طمسٌ مقصود لمعالم النور .. وتزييفٌ للوعي باسم الفن .. وترويجٌ للزيفٍ بوجه الحقيقة .. وهنا يبدأ الخطر .. و هنا ينبغي أن يُرفع الصوت .
وفي هذا الاطار يرتفع صوت المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي .. بمقال جرئ يحمل عنوان : ” مسلسل معاوية وتشويه الاسلام ” .. يؤكد خلاله علي أن معاوية لا يمكن أن يكون وجهًا من وجوه رسالة الإسلام .. تلك الرسالة التي نزل بها الوحي رحمةً للعالمين .. وعدلاً بين الناس .. وسلاماً بين المختلفين .. لا حربًا على القيم ولا تزييفًا للحقائق وللواقع والتاريخ .
- تزوير التاريخ وتشويش علي وعي الأمة
و هنا يبرز السؤال الحي : أين هي ملامح الإسلام في سيرة رجلٍ أسّس لملكية متوارثة بلبوس الخلافة ؟ .. كيف يُسوَّق لمرحلة امتلأت بالمؤامرات واقتتال المسلمين والتكالب على الدنيا .. وتصويرها وكأنها امتدادٌ لرسالة السماء ؟ .. إن تصوير هذا النموذج كما جاء في المسلسل ليس تجميلًا للتاريخ .. بل تزويراً للمقاصد .. وتشويشاً على الوعي الجمعي للأمة .
- الاسلام ليس طقوس فارغة
فالإسلام الذي أنزله الله على قلب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم .. لم يكن دين طقوس فارغة ولا شعائر معزولة عن السلوك .. بل هو مشروع حضاري متكامل .. أساسه الرحمة وعماده العدل ومبتغاه صلاح الإنسان والمجتمع .. لكن يبدو أن صنّاع المسلسل من مؤلفه إلي مخرجه إلى كل من أيد وشارك في طرحه وصناعته .. لا يرون من الإسلام إلا أركانه الخمسة .. وقد عميت قلوبهم عن جوهر الرسالة العظيم الذي يتمثل في قوله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله : “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ” .. صدق الله العظيم .
- انسلاخ عن أهداف الرسالة الإلهية
إن تصوير معاوية باعتباره رمزًا للدهاء السياسي .. أو بطلاً لتوازنات السلطة .. هو انسلاخ عن أهداف الرسالة الإلهية التي جاءت لتُطهّر النفوس .. وتبني مجتمعًا يسوده الأمن والسلام .. لقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من مغبة الإعراض عن منهج الله .. ومن استبدال شرعه بالهوى .. ومن تحويل الدين إلى مظلة لتبرير الاستبداد والفتن .
فكيف إذاً نغضّ الطرف عن انقلاب القيم .. ونتعامى عن تلك اللحظة التي تحولت فيها الخلافة إلى ملكٍ عضوض ؟ .. كيف نُمجّد من أرسى قواعد التوريث السياسي .. وأطلق يد الإعلام المأجور .. واشترى الذمم .. وسفك الدماء .. وقتل الصحابة .. ونكّل بالمخالفين ؟ .
- أمة تبرر الظلم وتلهث وراء السلطة
إن كل ذلك كما يراه علي الشرفاء الحمادي يتعارض جوهريًا مع الإسلام الذي جاء ليصنع أمة مؤمنة بالحق .. لا أمة تلهث وراء السلطة .. ولا تبرر الظلم .
ويصف علي الشرفاء في مقاله المجتمع الإسلامي الحقيقي .. بالمجتمع الذي يعزف لحنًا موحدًا من الرحمة والإحسان .. مجتمع لا يعرف الاستعلاء .. ولا يعترف بالكراهية .. ولا يسير خلف شهوات الانتقام والتسلط .. فالمسلمون يوم كانوا على بيعة الله ورسوله .. أدركوا أن الطاعة ليست لأشخاص بل للحق المنزل .. وأن الشهادة بأن لا إله إلا الله هي عهدٌ بالعدل .. وإيمانٌ بالمسؤولية .. وليست مجرد قولٍ يُرفع بلا عمل .
- مسلسل خبيث يستهدف العقل العربي
أين معاوية من كل هذا ؟ .. بل أين مسلسله من تلك المقامات العالية التي وصف الله بها عباده المؤمنين في سورة فصلت ؟ .. عندما قال سبحانه وتعالي : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا …. ” .. هؤلاء هم الصفوة الذين تجلّى الإيمان في وجوههم .. وارتقت نفوسهم .. فلم يركنوا إلى الدنيا .. ولم ينحنوا لسلطان .. ولم يخونوا أمانة .. ولم يتاجروا بالدين .
مسلسل ” معاوية ” لا يُعدو كونه حلقة أخرى في مسلسل أطول .. مسلسل خبيث يستهدف العقل العربي .. ويعيد تشكيل مفاهيمه بما يخدم ثقافة التغرير والطغيان .. لا يخدم ابداً رسالة الاسلام والتوحيد .
- إعادة قراءة التاريخ بنور القرآن
لذا كانت وستكون دعوة الشرفاء الحمادي دعوة حية الي اصحاب الضمير اليقظ .. دعوة إلى إعادة قراءة التاريخ بنور القرآن الكريم .. لا بسواد من دسوا فينا الاسرائيليات والروايات .. دعوة إلى أن نُعيد الحق إلى نصابه فلا نُلبس الظالمين عباءة الإسلام .. ولا نُجمّل القتلة بألوان الدراما .. فالإسلام أعظم من أن يُحصر في سردية مزيفة .. وأجلّ من أن يُنسب إلى من نكّل برسالته السمحة وحرّف مقاصده الشريفة .
- معركة بين النور وسواد التحريف
فالقضية ليست في مسلسل عابر .. بل في معركة وعي مستمرة بين نور الرسالة وسواد التحريف .. فإما أن نعيد للتاريخ قدسيته من مشكاة القرآن الكريم . أو نتركه يُباع في سوق الدراما بثمنٍ بخس .
صرخة علي الشرفاء ليست رأياً .. بل نداءٌ للأمة أن تستفيق قبل أن يُطمس النور ويعلو الزيف .. اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد .