اخر الاخبار

هل سقطت التشكيلات المسلحة بطرابلس في اختبار «الشرعنة»؟

طرحت الاشتباكات الدامية التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس، منتصف الأسبوع الماضي، تساؤلات كثيرة حول مدى نجاح «شرعنة» الميليشيات المسلحة، ومصير الجهود التي تبذلها الأطراف العسكرية في ليبيا برعاية أممية، لدمجها في مؤسسات الدولة الأمنية والمدنية.

ووفقاً لشخصيات أمنية وسياسية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» فإن الاشتباكات، التي وقعت بين «اللواء 444 قتال» وجهاز «قوة الردع الخاصة»، برهنت على «فشل» سياسات الحكومات المتعاقبة في دمج هذه التشكيلات في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، مشيرين إلى «استمرار اصطباغ سلوكيات عناصرها بالطابع الميليشياوي، البعيد عن الالتزام بتعليمات السلطة، والميل للعنف والانتقام والتشفي من الخصوم».

ووصف وزير الداخلية الليبي الأسبق، عاشور شوايل، الاشتباكات بين التشكيلين بكونها «استعراضاً لقوة وحجم ما يملكه كل تشكيل من أسلحة، والتعامل بمنطق البقاء للأقوى في عودة مباشرة لقانون الغابة»، معتبراً أن هذا الأداء «يجهض أي حديث عن انضباط سلوكيات عناصرهما، بالرغم من الصبغة الرسمية الممنوحة لهما».

حرائق ودمار تعرضت له طرابلس خلال الاشتباكات الأخيرة بين قوات «اللواء 444 قتال» وعناصر جهاز «قوة الردع الخاصة» (رويترز)

وعبّر شوايل عن أسفه لمنح الشرعية لجزء كبير من تلك التشكيلات المسلحة، «من خلال التعاطي معها بوصفها كيانات أمنية تابعة للحكومة في طرابلس أو للمجلس الرئاسي»، وقال بهذا الخصوص: «لقد بات عناصر هذه التشكيلات وقياداتها يتلقون رواتب ومزايا من خزينة الدولة، وهذا أدى لازدياد أعدادها ونفوذها، وبالتبعية، زيادة الصراعات فيما بينها».

وتوافق شويل مع بعض الآراء التي رأت أن الأحداث الأخيرة «تشكك بقوة في جدوى حصول عناصر بعض هذه التشكيلات على دورات تدريبية داخل وخارج البلاد».

وبالرغم من تأكيد جل المراقبين أن معالجة قضية التشكيلات في مسار التفاوض يضمن تفكيك الجزء الأكبر من تعقيدات ملف الأزمة الليبية، يرى شوايل أن الحكومات المتعاقبة «تجاهلت ذلك، وبات قادتها يستخدمونها كوسيلة لتأمين بقائهم في السلطة، ومواجهة خصومهم».

محمود حمزة قائد «اللواء 444 قتال» بعد الإفراج عنه من قبل جهاز «قوة الردع الخاصة» (رويترز)

وتسيطر «قوات الردع الخاصة» منذ تأسيسها ما بين عامي 2013 و2014 على قاعدة معيتيقة العسكرية بشرق طرابلس، وتحتجز داخلها عدداً من رموز النظام السابق. وفي عام 2018 تحول اسمها من «كتيبة الردع» إلى جهاز «قوة الردع»، طبقاً لقرار المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق الوطني» السابقة، الذي ضمها له، ومنحها صلاحيات أمنية واسعة.

ومن جهته، رأى وزير الدفاع الأسبق، محمد البرغثي، أن عدد القتلى والجرحى الذين خلفتهم الاشتباكات الأخيرة يعد دليلاً «على عدم وجود ضوابط تحكم تحركات عناصر التشكيلات في ساحة أي قتال أو اشتباك، بالرغم من كونها كيانات تابعة للدولة، ويفترض أنها تتحلى بقدر من النظام والانضباط».

وقال البرغثي إن منتسبي المؤسسات العسكرية والأمنية النظامية «لا يطلقون النار من دون تعليمات من قيادتها، وفقاً للتراتبية الموجودة بها، كما أن التعامل مع الأهداف يجري وفقاً لإحداثيات محددة سلفاً، وهذا يقلل حجم الخسائر البشرية والمادية».

الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها طرابلس بين التشكيلات المسلحة تطرح وسط الليبيين قضية دمجها في المؤسسات الليبية (أ.ب)

وأضاف البرغثي موضحاً أن ما رصد في جولات الاقتتال المتكررة بين التشكيلات «هو إطلاق للنار بشكل عشوائي، وتشفي وانتقام بعض أعضائها ممن يقع في قبضتهم من الخصوم، والأخطر من ذلك هو عدم تفادي اندلاع القتال بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان، والاستهانة بأرواحهم».

كما شدد البرغثي على أن الاشتباكات «أثبتت صحة التحذيرات التي أطلقت من شخصيات سياسية وعسكرية منذ سنوات حول الآثار السلبية لدمج هذه التشكيلات في مؤسسات الدولة، أو ما يعرف بشرعنتها، والتي برزت بوضوح خلال عهد حكومة «الوفاق»، خصوصاً أن هذا الدمج جرى بشكل جماعي، والأخطر أنه كان بلا خطة هيكلية لتستفيد منه المؤسسة الأمنية، كما أنه جاء دون تحديد واضح لصلاحيات ومهام التشكيلات التي جرى دمجها، وكمية التسليح الخاصة بها».

وبدوره، وصف رئيس الهيئة العليا لـ«تحالف القوى الوطنية»، توفيق الشهيبي، الاشتباكات الأخيرة بأنها «جني ثمار سياسات السلطة القائمة بطرابلس في إكساب الميليشيات صبغة شرعية، عبر منح قياداتها من أمراء الحرب مناصب عليا بالأجهزة الأمنية، وتعود تسكين صراعاتها بالمال».

وقال الشهيبي إن هذه الاشتباكات «جددت قناعة الليبيين بسقوط تلك التشكيلات في امتحان الشرعية التي منحت لها»، لافتاً إلى أنها لم تنصع لما صدر من أوامر ودعوات بوقف القتال. وأضاف موضحاً: «تبين للجميع أن تلك العناصر ليس لديها ولاء، ولا تلتزم إلا لتعليمات قادتها، وتلك هي العقيدة المسيطرة عليها».