علي الشرفاء الحمادي يكتب: المواجهة أم الموعظة الحسنة

دعوة الله الناس بدخولهم للإسلام حيث كُلّف الرسول الأمين بحمل رسالة الإسلام ليبلغها للناس ويدعوهم للدخول في دين الإسلام، بما أمره سبحانه باتباع أسلوب السلام في دعوته، كما خاطب رسوله بقوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَأَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .. [النحل: 125]
ثم أكد الله لرسوله، تمشيًا مع أهداف رسالة الإسلام، أن يبلّغها للناس بالحسنى، دون إكراه أو صدام أو قتال، حيث خاطب رسوله بقوله: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ[يونس: 99]
ثم كلف الله الرسول الأمين بأن يبلغ الناس حكمه في دخولهم الإسلام، وحقهم في حرية الاختيار، إذا اطمأنت قلوبهم وأدركوا مقاصد الخير والسكينة في آيات القرآن الكريم، فقال له سبحانه : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ .. [الكهف: 29]
ثم بيّن للرسول مهمته في خطاب التكليف الإلهي بتبليغ رسالته للناس، في قوله سبحانه مخاطبًا: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) [الإسراء: 54]
وبالإشارة إلى الآيات المذكورة أعلاه، شرع الله دعوته للناس بواسطة رسله وأنبيائه بدعوتهم بالحسنى، ومن لم يقتنع بدعوة الدخول في الإسلام فلا يترتب على الممتنع أية عداوة أو كراهية، أو التهديد بمختلف الوسائل العدوانية ليدخل الإسلام عنوة؛ ذلك مما يخالف شرع الله.
ويصبح من يتجاوز شرع الله، فيما ذكرته الآيات أعلاه، فقد استكبر على آيات الله وشرعته ومنهاجه، وأصبح من الآثمين. إضافة إلى كل من حرّض على الاعتداء على الذين لم يدخلوا الإسلام، فذلك أمر يعتبر تحدّيًا لشرع الله وتدخلًا في صلاحيات رب العالمين، الذي حدد حقه في الحكم على الناس منفردًا واختصاصًا أصيلًا له وحده.
٢- لقد منح الله سبحانه للإنسان الحرية المطلقة في اختيار الدين الذي يقتنع به ويطمئن له قلبه، ويدرك مقاصد آيات الذكر الحكيم لما يحقق أمنه النفسي وسعادته ويمنحه السكينة، فليس من حق الرسل والأنبياء إكراه الناس على الدخول في الإسلام.
٣- لقد أراد الله سبحانه أن يبين للناس مهمة الرسل والأنبياء وحتى الداعين للإسلام بأنهم ليسوا وكلاء على الناس نيابة عن الله الذي خلقهم، ولم يكلفهم الله برقابة الناس على شعائرهم الدينية ومحاسبتهم، ويعتبر ذلك اختصاصًا لله وحده.
وكل من تجاوز حق الله يعتبر معتديًا على حق أصيل لله، وسوف يُحاسب عليه يوم القيامة حسابًا عسيرًا. وإن ما يحدث من مواقف المسلمين المتناقضة حين تتبنى كل فئة منهم موقفًا متحيزًا لفهم خاطئ عن رسالة الإسلام، ويبدأ كل طرف تأكيد نظرته وفهمه للإسلام، ليس في سبيل الله، بل في سبيل الأنانية الشخصية، لم يراعوا فيها حق الله، واستباحوا آياته مستندين لروايات الشياطين المزورة على الله ورسوله.
وتمسك الأطراف المتنازعة جعل الجماعات الموالية لشيخ دين أو إمام مذهب معين أحزابًا متناحرة متصارعة، وكلٌ منهم يدعي بأنه صاحب الحق وغيره يتبع الباطل. فتسببوا في تفرّق المسلمين، وعصوا أمر الله في كتابه المبين الذي أمرهم بقوله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) [آل عمران: 103]
فهل استجاب المسلمون وأطاعوا أمر الله؟كلا، والله، لقد خالفوا وعصوا ربهم بكل تحدٍ. فماذا فعلوا؟ تفرّقوا طوائفًا وأحزابًا وشيعًا وجماعات، تقاتل بعضها بعضًا، باللسان وبالسنان وبالمدافع والصواريخ، ليقتل الإنسان أخاه الإنسان، وجريمة المعتدى عليه بالحديد والنار جريمته الوحيدة أنه خالفهم في فهمهم، متبعًا إيمانه بالله، ومطمئنًا لقلبه الذي اتبع الطريق المستقيم.
فماذا شبّه الله سبحانه أولئك المعتدين الذين اغتصبوا حق الله، وجعلوا من أنفسهم حكامًا على الناس، يكفّرون فلانًا، ويكذّبون فلانًا، ويقدّسون روايات البهتان؟ لقد وصفهم ربهم بقوله سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ • مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم: 31-32]
حتى وصلوا إلى مرحلة من الكفر بكتاب الله، ويتهمون المؤمنين بآياته بأنهم “قرآنيون”! من يتصور أن يصل السفه والإساءة والجهل والشرك إلى هذا الحد؟ حيث أصبحت آيات القرآن تهمة، يُحاسب عليها الإنسان من قبل الجهلة والأميين والدهماء الذين تعطلت عقولهم، وغاب عنها الإدراك، حتى أصبحوا كأنعام، بل أضل سبيلاً، يسوقهم الشيطان وأتباعه إلى عذاب الله.
لقد خسروا الدنيا والآخرة، ونسوا أنهم سيموتون، وأنهم راجعون إلى الله، يوم يقفون أذلاء أمام قاضي الأرض والسماء، ويسمعون الملائكة تسألهم: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْآيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ .. [الزمر: 71]
إذًا، فالله سبحانه لم يطلب من الناس الدخول في مواجهة لدعوتهم للإسلام، بل أمر رسوله بدعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة. وكل من يتطوع للدعوة إلى الإسلام، عليه أن يتبع الرسول الأمين في دعوته للناس كما أمره الله، بالموعظة الحسنة، دون عدوان أو كراهية أو صدام.
تبقى العلاقات الإنسانية طيبة، يحكمها التسامح والعفو والحسنى. فلا تتغير العلاقات الطيبة بين الناس وفق اختلاف الأديان، فالدين لله، والأوطان للناس. فلا عداء بين الأديان التي مصدرها من رب العالمين، يدعوهم للتعاون على البر وتحريم العدوان والآثام بينهم.
فكل البشر خلقوا من نفسٍ واحدة، وكل إنسان سيُحاسب على عمله يوم الحساب ، وليس من حق أحد أن ينتزع اختصاص الله بالحكم على القلوب أو يفرض على الناس دينًا بالإكراه أو العدوان.
ومن أراد أن يدعو إلى الله، فليكن على خُلق نبيّ الله، وليتسلّح بالحكمة والموعظة الحسنة، لا بسلاح التهديد والتكفير والعداء .