غزة بين واشنطن ونتنياهو: هل تغيّر الإدارة الأميركية قواعد “اليوم التالي”؟ مصطفى إبراهيم

ما نشرته صحيفة هآرتس اليوم، الأربعاء، يعكس توجهاً متقدماً داخل الإدارة الأميركية نحو الدفع لإقامة حكم فلسطيني في قطاع غزة قبل الشروع في تشكيل قوة استقرار دولية. هذا التوجّه، وفق الصحيفة، لا يأتي من فراغ، بل نتيجة قناعة متزايدة في واشنطن بأن ترسيخ سلطة فلسطينية محلية هو شرط أساسي لأي استقرار مستدام في القطاع، وأن البدء بقوة دولية من دون بنية حكم واضحة سيؤدي إلى الفشل.
وبحسب هآرتس، تضغط قطر على الولايات المتحدة للإسراع في إعلان هذا الإطار، ويفضَّل أن يتم ذلك قبل زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المرتقبة إلى الولايات المتحدة. وتربط الدوحة هذه الخطوة بإدخال آلاف من عناصر الشرطة المرتبطين بالسلطة الفلسطينية، والمدرَّبين في مصر والأردن، باعتبارها إجراءً فورياً لمنع انهيار وقف إطلاق النار.
الدلالة السياسية الأبرز، كما تورد الصحيفة، تتمثل في بيان المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، الذي شدد على ضرورة إقامة هيئة حكم فلسطينية في غزة “تحت سلطة غزّية موحّدة”، من دون أن يذكر “قوة الاستقرار الدولية”. هذا الغياب، إلى جانب تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو التي أوضحت أن قوة الاستقرار ستُنشأ فقط في مرحلة لاحقة، يشير إلى ترتيب أولويات مختلف عمّا سعت إسرائيل إلى فرضه منذ بداية الحرب.
في السياق ذاته، أشار البيان التركي الموازي إلى أن اللقاءات مع الأميركيين ناقشت ترتيبات “تضمن أن تُدار غزة بأيدٍ غزّية”. ورغم أن واشنطن لا تستخدم هذا التعبير صراحة، إلا أن هآرتس تنقل فهماً أميركياً متزايداً بأن أي حل لغزة لا يمكن أن ينجح من دون مشاركة فلسطينية مباشرة وواسعة في الحكم.
ومن منظور قطر، وبما يتقاطع مع موقفي مصر وتركيا، فإن إقامة حكومة فلسطينية، بصيغة لجنة تكنوقراط، وإدخال قوى شرطية فلسطينية إلى القطاع، هي خطوات لا تحتمل التأجيل. أما قوة الاستقرار الدولية، المرتبطة بملف نزع سلاح حماس، فيُقترح تأجيلها إلى مرحلة لاحقة، على أن يُنظر إلى نزع السلاح بوصفه مساراً تدريجياً لا شرطاً أولياً.
وتنقل هآرتس عن مصدر إقليمي رسمي أن حكومة تكنوقراط فلسطينية هي الإطار الوحيد القادر على تمكين حماس من التخلي عن الحكم في غزة ونقله إلى جهة فلسطينية، قبل الخوض في النقاش المعقّد حول السلاح. وفي هذا التصور، تُمنح قوة الاستقرار الدولية – إن أُنشئت لاحقاً – دور الرقابة، بينما تشكّل الحكومة الفلسطينية والشرطة المحلية طبقة وسيطة بين القوة الدولية والواقع الميداني.
وفي هذا الإطار، تشير الصحيفة إلى أن مصر والولايات المتحدة نقلتا بالفعل إلى إسرائيل قوائم بأسماء مرشحين فلسطينيين للجنة التكنوقراط، من دون أن تتلقى حتى الآن رداً إسرائيلياً واضحاً. كما نقلت عن روبيو تأكيده إحراز “تقدم” في هذا الملف، وتشديده على “الإلحاح” في استكمال المرحلة الأولى من الخطة الأميركية.
في المقابل، تبرز هآرتس الفجوة مع الموقف الإسرائيلي، إذ يصرّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على ربط أي تقدم في غزة باستكمال المرحلة الأولى من الخطة الأميركية وبنزع سلاح حماس، بينما تدفع مصر نحو مقاربة “المسارات المتوازية”، التي تشمل إعادة إعمار مبكرة وإدخال قوى فلسطينية بديلة حتى في ظل استمرار التعقيدات الأمنية.
الخلاصة التي تتيحها قراءة ما نشرته هآرتس هي أن المعلومات المعروضة تستند إلى خطوات وتصريحات ولقاءات فعلية، وليست مجرد تقديرات نظرية. غير أن الصحيفة تترك مفتوحاً السؤال الأهم: إلى أي مدى تستطيع الولايات المتحدة ترجمة هذا التوجّه إلى مسار عملي في ظل المعارضة الإسرائيلية، وإلى أي حدّ ستختار ممارسة ضغط فعلي على حكومة نتنياهو، أم الاكتفاء بإدارة الخلاف وتأجيل الحسم.
قد يكون هذا جزءاً من سبب الإرباك في المشهد الراهن، إذ قد تتحرك الأمور فعلياً وفق تقاطع مصالح إقليمية وأميركية. الضغط المصري والتركي والقطري، إلى جانب محاولة واشنطن تأمين مشاركة حماس في تشكيل الحكومة الفلسطينية دون إعلان إزاحتها، يعكس استراتيجية التوازن بين الفاعلين المحليين والدوليين. وفي الوقت نفسه، يظهر أن كل من السلطة وحماس وضعا القضية الفلسطينية أحياناً في سياق المقايضات والمصالح السياسية، ما يجعل التقدم على الأرض عملية دقيقة ومعقدة، تتطلب إدارة مستمرة للتناقضات بين الضغط الدولي والمصالح الداخلية.
