فضائيات (عربية) تفضح ضحالة الفكر والعقل السياسي العربي.. إبراهيم ابراش

من يتابع الفضائيات الناطقة بالعربية الأكثر مشاهدة: الجزيرة والعربية والحدث والغد وسكاي نيوز، سيلاحظ أنها تابعة لدول خليجية وخصوصاً قطر والسعودية والإمارات، وتزامن ظهور هذه الفضائيات منذ التسعينات مع حرب الخليج الثانية وانطلاق عملية السلام في مدريد وانهيار الاتحاد السوفيتي وتوجه واشنطن لإقامة نظام عالمي جديد ونظام شرق أوسط جديد.
استطاعت هذه الفضائيات، بما تملك من إمكانيات مادية هائلة تفوق إمكانيات بعض الدول وبما تدفعه من مكافئات لضيوفها مقابل كل ظهور إعلامي، من استقطاب الكثير من المثقفين وأساتذة الجامعات والصحفيين والاعلاميين والسياسيين ليتحدثوا في مواضيع ويجيبوا عن أسئلة معدة سلفاً وغالباً تكون ايحائية وموجهة بحيث لا يستطيع الضيف إلا أن يجيب عليها حسب ما تريده الفضائية حتى يضمن استضافته في مرات قادمة.
للأسف نشاهد أساتذة جامعات وباحثين ومثقفين كبار يجلسون بأدب وتواضع أمام مقدم البرنامج أو المذيع ساعياً لكسب وده والتـأكيد على ما يطرحه والبحث عن كل المبررات والتلاعب بالكلمات ولو كذباً بما يرضي المذيع والقناة ودولتها، بل لا يتورع بعضهم عن انتقاد حتى دولته دون أن يجرؤ على انتقاد دول الخليج من حيث علاقتها بإسرائيل أو واشنطن أو مواقفها من شعب فلسطين، وبعض هذه الفضائيات وضيوفها المنتقون بعناية يبالغون في مديح دولة الفضائية وزعيمها وما تقدمه من مساعدات للشعب الفلسطيني في قطاع غزة وللأمة العربية والإسلامية.
صحيح أن الفضائيات ووسائط التواصل الاجتماعي أصبحت من مستلزمات عصر العولمة وتطور طبيعي للفضاء السيبراني وعالم التكنولوجيا، ومن حق كل دولة توظيف هذا المجال كأحد أدوات القوة الناعمة لتعزيز نفوذها وتحسين صورتها العالمية، كما لا ننكر فوائد هذه الفضائيات في نقل الخبر مباشرة وقت حدوثه وما تقدمه من برامج وثائقية، أيضاً وجود إعلاميين ومثقفين ومحللين سياسيين يعتقدون أن هذه الفضائيات تتيح لهم فرصة التعبير عن رأيهم وخدمة القضايا الوطنية والقومية التي يؤمنون بها.
ولكن وللأسف تخلى كثير من أساتذة الجامعات والمثقفين والصحفيين الكِبار عن دورهم الأخلاقي والثقافي والأكاديمي والوطني حتى توقفوا عن الكتابة الصحفية الرزينة أو الظهور بغير الفضائيات الخليجية التي تدفع بسخاء بحيث بعض الوجوه تظهر عدة مرات يومياً على نفس الفضائية وفي فضائيات أخرى وفي كل مرة يتقاضى ما بين 300 و500 دولار وبعضهم أكثر من ذلك إن كان البرنامج مطولاً وبعض هؤلاء الضيوف الأشاوس يتجاوز دخله اليومي من الفضائيات 1000 دولار.
بعض هؤلاء الضيوف يتلون كلامه حسب توجهات الفضائية بحيث يكون في الجزيرة مثلاً مختلف عن العربية، ولا مانع عند بعض هؤلاء من المشاركة في برامج تستضيف صهاينة متطرفين ينقلون الرواية الصهيونية ولا يتورعون عن نعت الفلسطينيين والعرب والمسلمين بأقذع الصفات، والضيف العربي والفلسطيني حتى الحمساوي لا يستطيع رفض المشاركة حتى لا تغضب منه الفضائية وتحرمه من المكافأة المالية التي يحصل عليها، ويتذرع بعضهم بأنه رد بقوة على الضيف الصهيوني وبهدله الخ ،متجاهلاً أن الفضائية لم تستضفه لتستمع لرأيه أو يسمع الجمهور رأيه بل لتمرير ظهور الضيف الصهيوني وتبرير ظهور كل قادة الصهاينة على شاشتها، والأمر بالنسبة لهذه الفضائيات لا يتعلق بالمهنية والموضوعية ومزاعم الحياد بل بدور مشبوه تؤديه هذه الفضائيات .
ولو كان الأمر يتعلق بالمهنية والحيادية فلماذا لا تستضيف الفضائيات الإسرائيلية ضيوفاً فلسطينيين وعرب ليتحدثوا عن الرواية والرؤية المغايرة؟ أم أن هذه الفضائيات أكثر مهنية والتزاماً بالمعايير الدولية للصحافة والإعلام؟ وفي حقيقة الأمر فإن الفرق بين الإعلام الصهيوني والإعلام العربي وخصوصاً الفضائيات المُشار اليها أن عند الإعلام الصهيوني قضية ورواية وطنية وقومية يدافع عنها ،حتى وإن كانت كاذبة ومضللة ،ولا توجد مثل هذه القضية عن الفضائيات العربية حتى بالرغم من وضوح عدالة القضية الفلسطينية، وهو ما يثير الشبهات حول دوافع تأسيسها كما ذكرنا أعلاه.
لقد لاحظنا في الفترة الأخيرة كثرة الاستشهاد والإجالة لمقالات تصدر في صحف أمريكية وغربية وإسرائيلية حتى لصحفيين مغمورين أو مجهولين أو تقارير تصدر عن مراكز أبحاث إسرائيلية وغربية ثم يطلب المذيع من ضيف الفضائية والذي قد يكون أستاذاً جامعيا أو مسؤولاً سياسيا بالتعليق على هذا الخبر الصحفي والذي قد لا يكون صحيحاً أو هدفه تظليل الرأي العام العربي، ولا يتورع هذا الضيف عن الاسهاب في التحليل والتنظير، وفي نفس الوقت نادراً ما تُحيل أو تستعين هذه الفضائيات بمقالات كُتاب ومفكرين عرب أو بتقارير مراكز أبحاث عربية وكأنه لا وجود لهؤلاء أو لا تثق وتحترم ما يقولون!
ومن أسوأ ما تقوم به هذه الفضائيات عندما تستضيف حمساوي في مواجهة فتحاوي ويبدأ الردح والتخوين والتكفير حتى وإن حاول مقدم البرنامج تهدئة النفوس، هذه اللقاءات تُظهر وكأن الفلسطينيين منقسمون ما بين خائن وكافر!!، وبالتأكيد لا نبرئ الفلسطينيين الذين يقبلون على أنفسهم المشاركة في هذه البرامج.
