اخر الاخبار

فيلم «صوت آب» لمارسيل غصن يستحضر ألم مدينة تقطّعت أوصالها

في قصة مؤثرة تعيد إلى الأذهان قساوة انفجار مرفأ بيروت

صور عن بيروت الازدهار والحياة النابضة، تشكّل بداية فيلم «صوت آب» لمارسيل غصن. بعدها مباشرة تحلّ غيمة سوداء عملاقة لتمحوَ كل أثر لمدينة حيّة.

وإثرها نتابع رحلة أب أصيب في الانفجار، فعلق بين الموت والحياة بعد أن انقلبت عليه خزانة ضخمة. فبقي القسم الأول من جسمه متحركاً، ويعيش معه مشاهد الفيلم رحلة ألم أب نسي أوجاعه في خضم قلق قاتل يساوره حول مصير عائلته.

يستغرق عرض الفيلم نحو ساعة، يركّز مخرجه وبطله مارسيل غصن على أصوات الألم والخوف الصادرة عن مدينة بأكملها. ويمرّر خلاله رسائل إنسانية واجتماعية عديدة. يضع تحت المجهر موضوعَي الخيانة والفساد، فيوليهما الاهتمام الأكبر. ويستخدم إشارات يبثّها القدر على صاحبها، فتكون بمثابة ذبذبات كونية تحضّه على أخذ الحذر، لكنه يهملها.

يحمل «صوت آب» رسائل اجتماعية وإنسانية (مارسيل غصن)

ويروي مارسيل غصن لـ«الشرق الأوسط» كيف وُلدت فكرة فيلمه، قائلاً: «بدأت تتكوّن في ذهني خلال الجائحة، وبعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020؛ إذ كنا نعيش العزلة داخل منازلنا. هذا الهدوء القسري منحني فرصة للتفكير والتأمل، فانبثقت من تلك المرحلة فكرة الفيلم، المقتبسة من قصة حقيقية وقعت أثناء الانفجار وتركَت أثراً عميقاً في نفسي».

ويتابع: «تحكي قصة ابنة علقت تحت قطعة أثاث ضخمة ولم يستطع أحد إنقاذها. فقلبت الأدوار وحلّ الأب مكان الابنة في هذه الرحلة القاسية. لم أشأ أن أفتح الجراح وأقلّب في نفوس ضحاياه. ولكن المأساة كانت كبيرة، وكان لا بد لي من أن أخرج كل مشاعر الغضب التي انتابتني إثر هذا الحادث. سمّيته (صوت آب) لاعباً على المعنى المزدوج لهذه العبارة. فهي تشير إلى صوت الانفجار وصراخ الأب في آن واحد».

لا يظهر في الفيلم سوى الأب المتألم والمجروح، وقد أصيب بنزف من دون أن يدرك ذلك. وباقي الشخصيات جسّدها غصن بالصوت فقط. فكما مساعده وديع كذلك أصوات الممرضة، والطبيب، والابنة وغيرهم. وهو ما تطلّب من الممثلين التدرّب كي يختصروا الصورة بالصوت فقط.

أجرى غصن أبحاثاً كثيرة وفتّش في الأحياء والعمارات عن قصص ضحايا هذا الانفجار. استعان بكل ما جمعه لتنفيذ فيلمه. يعلّق: «رغبت في أن يحمل العمل رسائل إنسانية واجتماعية. وفي نهايته يكتشف مشاهده حقيقة هذا الرجل الذي يتبيّن أنه خائن. وفي مشاهد أخرى ومن خلال أصوات الممثلين نتعرّف أكثر إلى الفساد المستشري في بلدنا. وكذلك المصالح الخاصة التي تفوّقت على مصالح البلد، وأدت إلى الإهمال ومن ثم إلى الانفجار».

يحكي الفيلم صرخة مدينة ممثلة بأب يصارع الحياة إثر انفجار بيروت (مارسيل غصن)

في المشاهد التي تصوّر الأب محشوراً تحت ثقل خزانة ضخمة وقعت عليه، نراه يصرخ بألم. هذه الأوجاع لم تقتصر على جسده المصاب فقط. إذ تشير من ناحية ثانية إلى آلام النفس عنده. فهو استرجع أثناء حالته تلك شريط حياته.

واكتشف أخطاء ارتكبها بحق زوجته وأولاده، فلم يعط عائلته الوقت للاهتمام بها. وفضّل عليها الانجراف وراء نزواته. ويستطرد مارسيل غصن: «هناك بين السطور معان كثيرة يحملها الفيلم، فيخرج مشاهده ليحلل ويفكّر ويستخرج العبر».

في واحد من مشاهد الفيلم نرى الأب يحاول تشغيل سيارته، ولكن من دون جدوى. يحاول مرة ثانية وثالثة وتبقى معطّلة. بعد عدة محاولات تستجيب السيارة وينطلق بها. يوضح مارسيل غصن: «هناك إشارات يرسلها لنا القدر، ولكننا لا نعيرها اهتماماً. وهو ما حصل مع الأب. ولو كان رضخ لعطل سيارته وعاد أدراجه إلى بيته لكان نجا من الانفجار، وبقي بقرب ابنته التي تحتاجه».

يشرح مارسيل أن الإنسان لا يمكن أن يدوس على قدره ويمشي. فتأتي العواقب وخيمة.

«ثمة مشاهد طويلة للإشارة إلى عدم اغتنامنا الفرصة عندما تحين. وهي تدل أيضاً على خطايا طويلة نرتكبها باستمرار ونستخف بذنوبنا. وهي الحالة التي يعيشها بطل الفيلم».

كعادته في أفلامه يركن غصن دائماً إلى تلوينها بالحداثة والتكنولوجيا. وهذا الأمر يبرز بوضوح في «صوت آب». فتتشابك اتصالات الإغاثة. وكذلك نلحظ أنه رغم أهمية الجهاز المحمول في يومياتنا لكن الأب لم يستطع الاستفادة من خدماته بسبب انقطاع الإنترنت في تلك اللحظات. كما يمرّر مشاهد مبهمة هي كناية عن شرارات متلاحقة تشبه تلك التي نواجهها في حياتنا. فيخرج المشاهد وهو يشعر بالاختناق. فالمخرج أراد إيصال هذه المشاعر، كي ندرك أهمية الرسالة التي يحملها الفيلم. ويختم مارسيل غصن: «هذا الثقل الذي يشعر به مشاهد الفيلم خططت له عن سابق تصوّر. فلا يكفي أن نمر بالمعاناة ومن ثم ننساها ولا نتعلّم منها. الفيلم يركز على ضرورة عدم نسيان انفجار بيروت. فمن المفروض أن نتذكر هذا الحادث الأليم كي لا نتوجّع من جديد بسبب حادث مشابه. وعلينا محاسبة المسؤول كي نعيد الحق إلى أصحابه».

حاز الفيلم على جوائز عدة من بينها «مهرجان السينما الأوروبي الغربي» وجائزة «أفلام روما الدولية». وسيعرض في 4 و5 و9 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في صالة «ديستريكت» في بيروت.

“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}