اخر الاخبار

لوموند: هذه مُخطّطات ترامب الكبرى في الشرق الأوسط

تحت عنوان “مُخطّطات ترامب الكبرى في الشرق الأوسط”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إنه في حين من المقرر أن يستقبل دونالد ترامب اليوم الثلاثاء في البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تحدث الرئيس الأمريكي عن نزوح “مؤقت أو طويل الأمد” لسكان غزة، وقال إنه مستعد للتفاوض مع إيران، العدو المطلق لإسرائيل.

وأضافت الصحيفة الفرنسية أنه في دوامة الإعلانات والتهديدات التي ميزت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كان الشرق الأوسط حاضراً. إذ لم يستغرق الأمر سوى أيام قليلة حتى قدّم ترامب التعهدات المتوقعة باتباع خط مؤيد لإسرائيل، بما يتماشى مع فترته الرئاسية الأولى (2017-2021). وبزيارته هذه لواشنطن، أصبح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أول زعيم أجنبي يزور واشنطن منذ تسلم ترامب السلطة مجدداً يوم 20 يناير/كانون الثاني المنصرم.

لكن دونالد ترامب قال أيضاً إنه مستعد للتفاوض مع إيران، العدو المطلق للدولة العبرية، وإن كان من غير الواضح حتى الآن نطاق هذه المفاوضات: هل ستتناول فقط البرنامج النووي الإيراني، أم ستتناول أيضاً ترسانة الأسلحة الباليستية والأمن الإقليمي؟

خلال حملته الانتخابية – تتابع “لوموند” – روّج ترامب لفكرة ممارسة “أقصى قدر من الضغط” على طهران، ذات الطابع الاقتصادي، ووعد بمنع النظام الإيراني من الوصول إلى القنبلة. ويُشكّل هذا الاستعداد للتفاوض انفتاحاً ملحوظاً ولكنه هش، قادماً من الرجل الذي سحب الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPoA) في عام 2018، بعد ثلاث سنوات من توقيعه.

خلال الأسبوع الأول من ولايته – توضح الصحيفة الفرنسية – حقق دونالد ترامب قطيعتين مع سلفه جو بايدن، حيث رفع العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين المسؤولين عن العنف في الضفة الغربية. كما استأنف تسليم قنابل تزن نحو ألف كيلوغرام للجيش الإسرائيلي، والتي تسببت في دمار كبير في غزة. كما تعهد مبعوثه الخاص ستيفن ويتكوف بتنفيذ وقف إطلاق النار في لبنان، والذي من المفترض أن يؤدي إلى الانسحاب الإسرائيلي، ووقف إطلاق النار في غزة، الذي من المفترض أن يسمح بتحرير الرهائن.

تأثير السابع من أكتوبر
يريد دونالد ترامب – بحسب “لوموند” دائماً – إغلاق ملف هذه الحرب سريعاً، ليكرس نفسه لتطبيع العلاقات المنشود بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ويبدو أنه قلل من شأن التأثير الإقليمي لأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول في بلدان المنطقة.

وقال آرون ديفيد ميلر، وهو من قدامى الدبلوماسيين الأمريكيين، إن غزة “ستكون أول أزمة في السياسة الخارجية لإدارة دونالد ترامب”. ويضيف الدبلوماسي السابق: “يتعين أن تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني. ولكن من قبيل الخيال تماماً أن نتصور أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ستحترم الشروط، وتنهي الحرب وتسحب الجيش.

السؤال المركزي هو حول أدوات الضغط التي يستخدمها دونالد ترامب على بنيامين نتنياهو. فمن الصعب بالنسبة لي أن أتخيل أن ترامب سيلجأ إلى الإجراءات التي رفض جو بايدن استخدامها لمدة خمسة عشر شهراً، مثل تجميد المساعدات العسكرية لإسرائيل أو وضع شروط عليها”.

ومضت صحيفة “لوموند” مشيرةً إلى تصريحات دونالد ترامب بشأن سكان غزة التي أثارت اهتماماً كبيراً، بوصفه للقطاع الفلسطيني المدمر بأنه “موقع هدم”، واقتراحه على مصر والأردن استقبال جزء من سكانه، قائلاً يوم 25 يناير/كانون الثاني: “نتحدث عن مليون ونصف المليون شخص ونحن نقوم فقط بتنظيف هذا الأمر برمته” (في إشارة إلى النزوح المؤقت أو طويل الأمد).

واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن مقترح ترامب، الذي يتجاهل رغبات سكان غزة، لا يأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية للقاهرة وعمان، اللتين رفضتا، إلى جانب جامعة الدول العربية، هذا الاقتراح “بأي شكل من الأشكال، مهما كانت الظروف أو المبررات”. عشية ذلك، قال ترامب: “سيفعلون ذلك. نحن نفعل الكثير من أجلهم”.

تعليقاً على تصريحات ترامب هذه، اعتبر آرون ديفيد ميلر، وهو من قدامى الدبلوماسيين الأمريكيين، “أنها العقلية الانتهازية لوكيل العقارات الذي يحول كل شيء إلى اقتراح تجاري”، مضيفاً: “ستعود هذه الفكرة لأنها تتوافق تماماً مع رغبات اليمين الإسرائيلي. وهذا صحيح بشكل خاص لأن حماس ستبقى على قيد الحياة كحركة تمرد قادرة على ترهيب أو استقطاب أي شكل من أشكال الحكم الفلسطيني، سواء كانت لجنة تكنوقراط أو عودة السلطة الفلسطينية”.

واعتبرت صحيفة “لوموند” أن إغراء “تطهير” قطاع غزة هو إغراء قائم منذ فترة طويلة لدى حاشية دونالد ترامب. فقد دعت “خطة القرن” التي قُدمت في يناير/كانون الثاني عام 2020، إلى طي صفحة “السرديات القديمة” باعتبارها “غير منتجة”، ووعدت الأراضي الفلسطينية بمستقبل مشرق مثل “دبي وسنغافورة” باعتبارها “مركزاً تجارياً إقليمياً”.

في مارس/آذار 2024، أجرى جاريد كوشنر، أحد مهندسي هذه الخطة، مقابلة في جامعة هارفارد حول إمكانات غزة، أوضح خلالها صهر دونالد ترامب ومستشاره السابق أن “العقارات الواقعة على الواجهة البحرية يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، وأن الإسرائيليين يمكنهم القيام بإخراج الناس وتنظيف [المنطقة]”.

ومضت صحيفة “لوموند” قائلةً إن القضية الإيرانية تُشكل هي الأخرى تحديًا هائلاً لدونالد ترامب، الذي كان قد قرر الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ووصفه بأنه “اتفاق فظيع من جانب واحد”. وبعد ذلك حاول الرئيس الديمقراطي جو بايدن، دون جدوى، مع الأوروبيين، الحصول على إنقاذه، وسط اتهام خصومه الجمهوريين له بالضعف.

واليوم، يواجه دونالد ترامب حقيقة واقعية: إيران أقرب من أي وقت مضى للحصول على القنبلة النووية. ولكن نظامها ليس لديه أي رغبة في المواجهة المفتوحة، توضح صحيفة “لوموند”، مُشيرة إلى أنه خلال الاجتماع الذي عُقد يوم 13 يناير/كانون الثاني في جنيف مع دبلوماسيين أوروبيين، أظهر الإيرانيون بوضوح استعدادهم للتفاوض.

فبعد انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً جديداً لإيران في صيف عام 2024، أضعفت طهران جيوسياسياً بشكل غير مسبوق منذ عقود، بفضل الضربات الفعالة التي وجهتها إسرائيل لـ “حماس” في قطاع غزة، و”حزب الله” في لبنان، وأخيراً في إيران نفسها، إلى جانب المتمردين الحوثيين في اليمن. فقد تعرضت طبقاتٌ متعاقبة من الأمن الإيراني ومقاولوها من الباطن في الشرق الأوسط للضرب، توضح الصحيفة الفرنسية.

وتتابع صحيفة “لوموند” القول إنه يبدو أن موقف طهران المفتوح يترافق مع تسارع وتيرة البرنامج النووي الإيراني، وهو ما أشارت إليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية. حيث تملك إيران حالياً نحو 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، في حين أن المستوى المطلوب لصنع الأسلحة هو 90%، وهي عتبة يمكن بلوغها بسهولة. وبحسب الخبراء، فإن إيران قد تمتلك في أقل من أسبوعين ما يكفي من المواد الانشطارية لتجهيز أربعة أو خمسة رؤوس نووية نظرياً. وكان هذا الموعد النهائي هو 12 شهراً، عندما تم تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني بالكامل.

الاقتصاد الإيراني في مواجهة صعوبات
حذر رافائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي 55 في دافوس بسويسرا، والذي انعقد من 20 إلى 24 يناير/كانون الثاني، من أن الإيرانيين “يضغطون على دواسة الوقود”. وربما يعكس الاهتمام الإيراني بالمفاوضات رغبة في العملية نفسها، وليس في استنتاجاتها.

فلم تنس طهران أنه في يناير/كانون الثاني عام 2020، أمر دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى باغتيال الجنرال قاسم سليماني، القائد الشهير لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

وتنقل صحيفة “لوموند” عن علي واعظ، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، قوله: “الاقتصاد الإيراني يعاني أيضاً من صعوبات كبيرة، وقد يوفر رفع العقوبات جزئياً راحة للبلاد. يعتقد البعض في إيران أن ترامب يتمتع بقدرة فريدة على الضغط على الكونغرس لإجبار إيران على إبرام اتفاق، وهو الأمر الذي لم يكن أوباما قادراً على فعله، ولم يكن بايدن راغباً في فعله”.

لكن النظام الإيراني يعاني من مشكلتين، بحسب علي واعظ:

 الأولى، غياب قناة اتصال مباشرة مع دونالد ترامب، الذي يحيط به نظام اقتصادي معاد للاتفاق المفيد للطرفين مع طهران.

والثانية، صعوبة تحديد العرض الذي قد يثير اهتمام الرئيس الأمريكي، الذي يحب “المقترحات البسيطة والرائعة”.

ينتشر هذا التشاؤم على نطاق واسع بين الخبراء. في هذا الصدد، تنقل صحيفة “لوموند” عن جيمس أكتون، المتخصص في الشؤون النووية في مركز كارنيغي، قوله: “أعتقد أن الأهداف الأمريكية للمفاوضات غير واقعية إلى حد كبير. فرغم أن إيران أصبحت ضعيفة على المستوى الجيوسياسي، إلا أنها تمتلك الكثير من أوراق المساومة في القضايا النووية. إنني أشك بشدة في قدرة الولايات المتحدة على الحصول على صفقة أفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة. وفي الحقيقة أخطأنا بالانسحاب من الاتفاق. لماذا تصدقنا إيران إذا وعدنا برفع جزئي للعقوبات؟ لا أُؤمن برغبة وقدرة إدارة ترامب على الدخول في مفاوضات طويلة وفنية للغاية بشأن البرنامج النووي الإيراني”.

في الوقت الحالي، يتبع الأوروبيون (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا)، وهم الموقعون الآخرون على الاتفاق النووي الإيراني مع روسيا والصين، مساراً يتمثل في إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، لفشلها في الوفاء بالتزاماتها. وأمامهم مهلة حتى 18 أكتوبر/تشرين الأول لاتخاذ القرار، بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، توضح صحيفة “لوموند”.

صورة مرشح السلام
ويريد دبلوماسي فرنسي أن يصدق أن “هناك توافقاً بين الأوروبيين والأمريكيين في مواجهة الأشياء غير المسبوقة التي يقوم بها الإيرانيون، وكمية اليورانيوم المخصب، وأجهزة الطرد المركزي المتعددة المتطورة، أو غياب التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

لكن المحلل علي واعظ متشكك، ويرى أن “هناك مظهراً من أشكال الانخراط مع الأوروبيين، ولكن إذا حدث شيء، فمن المحتمل أن يكون ثنائياً، بين الولايات المتحدة وإيران”.

وكان الرئيس الأمريكي خاض حملته الانتخابية باعتباره مرشحاً للسلام العالمي، وليس لديه أي رغبة في إشراك بلاده في صراع جديد. لكن الخيار العسكري الذي تدرسه إسرائيل ضد طهران قد يظهر على السطح من جديد.

ومن ثم فإن إغراء الاستعانة بمصادر خارجية قد يظهر في واشنطن، تقول صحيفة “لوموند”.

ويقول جيمس أكتون، المتخصص في الشؤون النووية في مركز كارنيغي: “بنيامين نتنياهو لديه أسبابه للتفكير في القيام بعملية ضد إيران. من المحتمل أن يعطي دونالد ترامب الضوء الأخضر لذلك، ولكن من غير المرجح أن تشارك الولايات المتحدة. السؤال المثير للاهتمام للغاية هو موقع تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في فوردو. ومن المرجح أن إسرائيل لن تكون قادرة على تدميره إلا إذا كانت تمتلك قدرات سيبرانية مذهلة. لكن الولايات المتحدة طورت قنبلة خارقة للدروع مصممة خصيصاً لهذا النوع من الأهداف. فهل تنقل واشنطن هذا السلاح مع الطائرات اللازمة لاستخدامه؟”.