اخر الاخبار

مشروع الدولة الفلسطينية .. وتطبيق القرارات الدولية لحل الدولتين

في ظل المستجدات الإقليمية والدولية، ومع استمرار معاناة الشعب الفلسطيني لعقود طويلة من الاحتلال والشتات، يطرح الكاتب والمفكر العربي علي الشرفاء الحمادي رؤية متكاملة تسعى إلى إنهاء الانقسام الداخلي، وتفعيل الإرادة السياسية الفلسطينية والعربية والدولية لإقامة دولة فلسطين، وفق قرارات الشرعية الدولية، وعلى أساس حدود الرابع من يونيو 1967م.

وفيما يلي ننشر نص مقال علي الشرفاء كاملًا :

لابد من إعداد الإجراءات اللازمة لإنشاء الدولة الفلسطينية مرسومة حدودها على قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، بحيث تكون حدودها في قرار الإنشاء من تاريخ 4 يونيو 1967م، ويتم تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة لمدة خمس سنوات، يبدأ الاعتراف بها من الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ثم الأمم المتحدة.

تشكل الحكومة المؤقتة من جميع الفصائل الفلسطينية دون إقصاء أي فصيل، أياً كانت أعداده، ليتم لم شمل الشعب الفلسطيني بالكامل ويتحقق الاعتراف بها من الأمم المتحدة ومن دول العالم، وتلبي شروط توفر عناصر قيام الدولة ومتطلباتها وفق القانون الدولي في إقامة دولته على الأراضي التي احتلتها إسرائيل قبل 4 يونيو 1967م.

لتحقيق قيام الدولة الفلسطينية وفق القرارات الدولية يتطلب اتخاذ الخطوات التالية:

أولاً: الطرف الأول وهو الشعب الفلسطيني، فليس له قواعد الدولة التي نصت عليها مواثيق الأمم المتحدة، والتي تتكون من حكومة وشعب وأرض، حدودها واضحة ومحددة ومعترف بها دولياً.

للأسف لا يملك الشعب الفلسطيني حكومة واحدة تمثل حقوقه المشروعة، وتدافع عن مصالحه، وتحافظ على أرضه وكرامته، وتحمي مقدراته وثرواته، وتحمي تراثه وتاريخه. فمن يا ترى سيمثل الشعب الفلسطيني في مفاوضات تطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقرارات الجامعة العربية، ومبادرات القمم العربية لإنشاء دولة فلسطين التي تضم الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية؟ من أجل حل الدولتين ليعيشوا جميعًا في أمن وسلام؟

إن بقاء الأوضاع كما هي عليه الآن يخدم الأهداف الإسرائيلية في الاستيلاء على كامل الأرض الفلسطينية، بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها، مما يجعل موقف الشعب الفلسطيني ممزقًا ومشتتًا بين المنظمات السياسية المتفرقة والمتناحرة، كل همها الاستيلاء على السلطة دون الاهتمام بحقوق الشعب الفلسطيني وما يقاسيه من آلام وجوع وقتل، لا يفرق العدو الإسرائيلي بين الأطفال والنساء والعجائز، بعد ما فقدت قياداته الضمير الإنساني، واختلت لديهم موازين حقوق الإنسان والعدالة والرحمة.

ثانيًا: يتم تشكيل حكومة انتقالية تضم كافة التنظيمات الفلسطينية لتمثيل حقوق الشعب الفلسطيني في المفاوضات والمناقشات في كافة المحافل الدولية، لوضع خطة عملية بمدة زمنية محددة لا تتجاوز ثلاث سنوات للاتفاق على الخطوات الإجرائية لتطبيق القرارات الدولية لإقامة الدولة الفلسطينية، وتعيق الاتفاقيات الأمنية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لوضع معاهدة سلام دائم بينهما يحقق لكل منهم الأمن والاستقرار وعدم العدوان من أي طرف على الآخر، بضمان أمريكا والاتحاد الأوروبي.

ومن جانب آخر يتم توقيع الضمان لصالح الشعب الفلسطيني من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والجزائر والإمارات العربية المتحدة لضمان معاهدة السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ليتحقق للدولتين الأمن والاستقرار وتعويض ما فات من الخسائر، والتركيز على خطط التنمية، يساهم في تمويلها أمريكا والاتحاد الأوروبي والدول العربية الضامنة لمعاهدة السلام الدائم.

ثالثًا: تدعو الجامعة العربية كافة قيادات المنظمات الفلسطينية للاجتماع في مقر الجامعة العربية، لبدء حوار بين كافة الفصائل للاتفاق على تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة مدتها ثلاث سنوات، ويتم تشكيل الوزارات بالاتفاق بينهم والتعيين حسب الكفاءات والخبرات والتخصصات، للقيام ببدء حوار مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، ويشترك معهم في الحوار الدول العربية لصياغة المقترحات لضمان معاهدة السلام بين الحكومة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وهم: (جمهورية مصر العربية، المملكة العربية السعودية، الجزائر، الإمارات العربية المتحدة)، لمناقشة الخطط الإجرائية ووضع التشريعات المطلوبة بالاتفاق على قيام الدولتين، تتضمن المدد الزمنية وترسيم الحدود وتحقيق المصالحة الشاملة لبناء الثقة، ليتحقق السلام الدائم.

ثم تُرفع الاتفاقيات والتوصيات للأمم المتحدة ليتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية والتصديق على إقامة الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، ليتحقق الأمن والسلام في الشرق الأوسط، وتتجه كل العقول والأفكار والموارد المالية لإعادة الإعمار وتنفيذ مشاريع التنمية، وتُطوى صفحة سوداء في تاريخ الإنسانية، ليبدأ عصر جديد في ظل التعايش والاحترام لسيادة الجميع في ظل السلام الدائم.

رابعًا: تكون أجندة الاجتماع في الجامعة العربية الاتفاق على إنشاء حكومة انتقالية مشكلة من ترشيح عضو أو أكثر من كل منظمة، حسب تعداد أعضاء كل منظمة، لاختيار رئيس مجلس الوزراء والوزراء، ويتم الاعتراف بالحكومة بعد الاتفاق من كافة الدول الأعضاء في الجامعة العربية.

خامسًا: تحل السلطة الفلسطينية الحالية نفسها، وتستلم المسؤولية الحكومة المؤقتة التي تمثل كامل الشعب الفلسطيني، للقيام بالنيابة عنه باتخاذ الخطوات الضرورية لقيام دولته على الأرض المحتلة من دولة إسرائيل قبل 5 يونيو 1967م، وفق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لبحث الترتيبات الإجرائية لتطبيق قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة على أرض الواقع.

يكون مقر الحكومة الفلسطينية المؤقتة في رام الله، نفس المقر الحالي للسلطة الفلسطينية، وتُسلم السلطة الفلسطينية كافة الاتفاقيات الدولية والمواثيق المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، كما تؤول كافة صلاحياتها وميزانيتها واتفاقياتها السياسية وكل ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني للحكومة المؤقتة.

سادسًا: يتم تشكيل لجنة من وزراء خارجية جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ووزارة خارجية الجزائر ووزارة خارجية الإمارات، لتشارك وفود المنظمات الفلسطينية المجتمعين في مقر الجامعة العربية، في تسهيل الوصول للاتفاق النهائي من قبل المنظمات الفلسطينية، وحلحلة المعوقات بتشكيل الحكومة المؤقتة، للقيام بدورها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني تدعمه الدول العربية، للوصول إلى اتفاق نهائي مع الحكومة الإسرائيلية لحل الدولتين، ووضع كافة الالتزامات الضرورية لاتخاذ الإجراءات المطلوبة لقيام الدولة الفلسطينية.

ومن أجل ألا تضيع فرصة قيام الدولة الفلسطينية التي ارتوت بدماء آلاف الشهداء من الشعب الفلسطيني؛ فإن الحكومة الانتقالية الممثلة لكل أطياف المقاومة، تتولى تمثيل الشعب الفلسطيني في تبني الاستحقاق العربي والعالمي والدولي لقيام دولته المستقلة، وفقاً للقرارات الدولية والقمم العربية، واستجابة للدماء الزكية.

فهل يا ترى سترتقي القيادات الفلسطينية لتكون على مستوى المسؤولية التاريخية وتحقق المعجزة للتلاحم بين كافة المنظمات الفلسطينية؟ لتتلاقى الأهداف الوطنية ضمن استراتيجية واحدة، وهدف مشترك، يحقق أحلام الشعب الفلسطيني في دولة حرة آمنة مستقلة، يمارس حقه في السيادة على أرضه ويرسم مستقبل أجياله، ليحقق لهم حياة كريمة يمارسون فيها حقهم الإنساني في تعمير وطنهم وتعليم أبنائهم، واستغلال قدراتهم في دولة أبية معترف بها دولياً، تشارك الدول العربية الشقيقة في صياغة مستقبل مشرق للعالم العربي.

وأخشى ما أخشاه أن تتباهى كل منظمة بجهادها ودفاعها وكفاحها في سبيل تحرير الأراضي الفلسطينية، وتضيع حقوق الشعب الفلسطيني إلى الأبد، ويتكرر التنازع، تقوده النفوس الأنانية، ويفلس الجميع من كل شيء.

وتشمل المنظمات الفلسطينية: منظمة التحرير الفلسطينية، ومنظمة حماس المنبثقة من جماعة الإخوان، وحركة الجهاد الإسلامي، ومنظمة فتح، وتوابعهم من سرايا القدس والقسام وغيرها من المنظمات التي تبنت القضية الفلسطينية والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني. ويحدث الصراع على السلطة فيما بينهم، مما سيلقي ظلالاً سوداء على الموقف الفلسطيني، وتضيع حقوق الشعب الفلسطيني كما ضاعت سنة 1948م عندما تم إصدار قرار التقسيم بين الشعب الفلسطيني بإقامة دولته وبين الشعب اليهودي في دولة مجاورة.

ونتيجة لاختلاف مواقف من كان يمثل الشعب الفلسطيني، ومعهم بعض القيادات العربية، فقد ضاعت فرصة الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني .

وتفاديًا لتكرار تلك التجربة المأساوية على مدى (75 عاماً)، قدم الشعب الفلسطيني خلالها عشرات الآلاف من الشهداء الأبرياء، واغتصبت أراضيه، وقتلوا أبناؤه، وهُجِّروا قسريًا لاجئين في الدول العربية ودول العالم، وكادت هويتهم أن تضيع، وتفرقت الأسر حتى فقدوا الاتصال ببعضهم، وكانت أعظم نكبة إنسانية واجهها شعب على مرّ التاريخ.

وحتى لا تتكرر تلك النكبة وتكون أسوأ مما مضى، فلتفكر القيادات الفلسطينية مليًا ويستفيدوا من تجربة الماضي المريرة التي صبغت الأرض الفلسطينية بدماء الضحايا والأبرياء، وتشريد الشعب الفلسطيني خارج أرضه.

لذلك، فليتذكر القادة الفلسطينيون بمختلف حركاتهم ومنظماتهم عظمة التضحيات، وفيضانات من الدماء التي سالت في الصحاري والوديان على الأرض الفلسطينية دفاعاً عن حقوقهم الشرعية في الحفاظ على أرضهم التي عاشوا فيها آلاف السنين، ليرتقوا من أجل كل التضحيات على مدى 75 عاماً، أن يراجعوا مواقفهم، وأن يعيدوا تصحيح استراتيجياتهم، لتحقيق وحدة الهدف والصف والتلاحم بين جميع الأشقاء من أجل إنقاذ حقوق الشعب الفلسطيني في لحظة فارقة من التاريخ،

فإما أن تقوم دولة فلسطين، أو يتراجع الأمل ليحل محله اليأس في مستقبل مظلم ومجهول.

وليكون ذلك بداية للتعاون في ظل السلام بين جميع دول العالم، لينعم الإنسان في كل مكان بحياة الطمأنينة والأمان.

ذلك اقتراح متواضع، علَّه يكون مرشدًا لبداية خطوة عملية تختصر الزمن، وتنهي حالة التردد، وتُبنى الثقة بين الشعوب، لتحيا حياة طيبة، بغض النظر عن الانتماء الديني والعقائدي والحزبي، وبعيدًا عن استعلاء شعب على آخر، فالكل خلق الله وعباده، يدعوهم للرحمة بينهم، وإقامة العدل، والتعامل بالتسامح والإحسان، والتعاون على البر والتقوى، وتحريم العدوان بين بني الإنسان، وتحريم قتل الإنسان.

والله يأمر الناس جميعاً بقوله سبحانه:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ (البقرة: 208)

كاتب المقال : مفكر عربي ورئيس ديوان رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة سابقاً