اخر الاخبار

مقاصد رسالة ” الإسلام ” .. والاختزال الخاطئ لأركان ” الإسلام “

الرسالة الإسلامية لا تهدف فقط إلى تعليم العبادات، بل إلى تحقيق العدل والإنسانية والتعاون بين البشر ، والأصل في الدين أن يقومَ على العدلِ والأخلاقِ والمبادئِ الإنسانيَّةِ الساميةِ، فالدين الإسلامي له أصول ومقاصد مهمة جاء ذكرها في القرآن الكريم ، أصول ومقاصد تجسد الحقيقة الكاملة للدين ونزلت بها كل الرسالات السماوية السابقة وجميع الأنبياء والرسل وآخرهم رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي مجموعة من الفضائل والأخلاق التي تجعل الفرد والمجتمع في وضعية تدعو لنشر العدل والسلام بينهم وتحقق القيم النبيلة التي يقصدها ويدعو لها الدين الإسلامي ممثلة في التعايش والرحمة والحرية لنصبح جميعا في خير ورخاء وسعادة.

 أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ

ومنْ هنا نرى أنَّ القرآنَ الكريمَ حدَّدَ معالمَ الإسلامِ لرسالتهِ الإنسانيَّةِ التي تُبيِّنُ للناسِ حقيقةَ الرسالةِ بقولهِ تعالى: ” لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ” .. صدق الله العظيم . 

وقالَ تعالى ايضا في كتابه الكريم : “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ” .. وقال تعالى: ” وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ”  .. وقال تعالى: ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ” .. صدق الله العظيم.

 اسقاط المنهج الالهي من أركان الإسلام

والأمثلةُ كثيرةٌ للآياتِ التي تحضُّ على التمسكِ بالأخلاقِ والقيمِ القرآنيةِ النبيلة ، فأين المسلمونَ منْ تلكَ الأخلاقِ والسلوكِ التي أرادَ اللهُ تعالى باتباعها لبناءِ مجتمعاتٍ حضاريةٍ متحابةٍ متراحمةٍ متعاونةٍ على العملِ الصالح ؟ ، وكيفَ أُسقِطَ من أركانِ الإسلامِ المنهجُ الإلهيُّ المتكاملُ لصالحِ الإنسانِ، وتمَّ التعتيمُ عليهِ وهوَ منْ أهمِّ الأسسِ في التربيةِ الإنسانيةِ لإعدادِ الإنسانِ الصالح .

الصلاة والزكاة وتطهير النفس

فالصلاةُ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ منْ ظلمٍ وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ ونقضِ العهودِ والنميمةِ والإشاعاتِ والاعتداءِ على الناسِ دونَ وجهِ حقٍّ والتعاونِ على الإثمِ والعدوان ، والزكاةُ مهمةٌ في مساعدةِ الفقراءِ والمساكينِ وتقليصِ الحاجزِ النفسيِّ بينَ الأغنياءِ والفقراءِ، والتعاملِ معهمْ بالرحمةِ والإحسانِ، وذلكَ يحصنُ المجتمعاتِ منْ السرقةِ أوْ الاعتداءِ على الأموالِ وتطهيرِ النفسِ منْ الشح. وتُعدُّ الزكاةُ عبادةً عظيمةً جعلَها اللهُ سبحانهُ دائمًا مقترنةً بالصلاة، حيثُ قالَ تعالى: ” وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ” .. صدق الله العظيم.

وبتنفيذِ الطاعةِ لله يتحققُ بذلكَ للإنسانِ اليقينُ بأنَّ الله سيعوضهُ عمَّا أنفقَ، وتزدادُ ثقتُهُ في وعدِ الله، فما عندَ اللهِ منْ رزقٍ لا ينفد، كما تطهرُ الزكاةُ النفسَ منَ الجشعِ والخوفِ منْ نقصِ المال، ليؤمنَ الإنسانُ بأنَّ مَنْ رزقهُ في الماضي لنْ يتخلى عنهُ في المستقبل.
الحج وتجسيد المساواة بين الناس.

حج البيت لمن استطاع اليه سبيلا

وحَجُّ بيتِ اللهِ الحرام، حيثُ يرى الناسُ أنفسَهم جميعًا من شتى بقاعِ الأرض متساوينَ في الملبسِ والمسكنِ، تذوبُ الفوارقُ بين الناسِ حينما يتساوى الملكُ والصعلوكُ، والغنيُّ والفقيرُ، والقويُّ والضعيفُ، والكلُّ أعناقُهم مشرئبَّةٌ للسماءِ، والكلُّ ينادي: لبيكَ اللهمَّ لبيكَ، واللهُ أكبرُ مما نخافُ ونحذرُ، فلا كبيرَ غيرَ الله، ولا غنيَّ غيرَ الواحدِ الأحدِ، ولا ملكَ غيرَ الحيِّ القيوم.

يستهدفُ حجُّ بيتِ اللهِ التعارفَ بين المسلمين من أجل تحقيقِ مصالحَ ومنافعَ بينهم، حيثُ يقول سبحانه وتعالى: ” لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ” صدق الله العظيم .

الحج ورحلة دينية الي الله

وتحققُ تلك الرحلةُ الدينيةُ ممارسةً عمليةً في الاخبار السعوديةِ بين الناسِ والتعارفِ، كما يتخلى الإنسانُ عما لحقه من شوائبَ وآثامٍ في حياته الماضية، يلجأُ إلى اللهِ بالذكرِ والدعاءِ أثناءَ الطوافِ والسعي، حيثُ يرى كلُّ إنسانٍ مشغولاً بنفسه، وكلُّ إنسانٍ يسعى ملبِّيًا وداعيًا اللهَ أن يغفرَ له ما اقترفَهُ من ذنوبٍ، راجيًا توبتهَ ورضاهَ ، فيدركُ الإنسانُ بعد عودتِه من الحجِّ أو العمرةِ إلى وطنهِ، يراجعُ حساباتِه ويؤكِّدُ استمرارَ صلتِه مع اللهِ في عبادتهِ وعملهِ، حيثُ يعودُ إلى رشدِه ويدركُ حقيقةَ خلقهِ، ويستمدُّ الطاقةَ من ربِّه، وترتقي بذلك نفسُه، يرجعُ لوطنه وقد ازدادَ إيمانًا وأدركَ قيمةَ الحياةِ فهي متاعُ الغرور، ليصحِّحَ من سيرتِه؛ فيتحسنَ سلوكُه ليعيشَ حياةً سعيدةً مطمئنةً وراضيةً بما قسمَ له اللهُ من رزقٍ وصحةٍ.

 الصوم وتهذيب النفس عن الشهوات

وأما الصومُ في شهرِ رمضانَ، فهو التزامٌ بطاعةِ اللهِ وتدريبٌ للنفسِ على السيطرةِ على الشهواتِ وكبحِ جماحِها عن كلِّ ملذَّاتِ الحياةِ والانقطاعِ لعبادةِ اللهِ وحده، والتحلِّي بالأخلاقِ الفاضلةِ بممارسةِ التسامحِ مع الناسِ والإحسانِ إليهم، والإعراضِ عن اللغوِ، ولا يتعالى على خلقِ الله، ولا يأكلُ أموالَ الناسِ بالباطلِ، وأن يتحلَّى بالصدقِ والوفاءِ بالعهودِ والعقودِ، وعدمِ الاعتداءِ على الناسِ باللسانِ أو باليدِ، والابتعادِ عن النميمةِ؛ فيطهرَ النفوسَ فترتقي إلى مصافِّ عبادِ الرحمنِ الذين استقاموا على الصراطِ المستقيمِ، وتسابقوا إلى الخيراتِ وعملوا الصالحاتِ.

إن كلُّ الشعائرِ والعباداتِ هي وسائلُ لتلك المقاصدِ الأخلاقية، ذلك أنَّ الإسلامَ يتمحورُ في عنوانِ الأخلاقِ العاليةِ التي دعا إليها القرآنُ، وهي نفسُها الأخلاقُ التي دعا إليها الأنبياءُ والتزموا بها عليهم السلام، حتى مبعثِ الأمينِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين.

القرآن ومقاصد الخالق

إذن، لا يوجد نصٌّ في القرآنِ جاءت آياتُه تقول: إنا أرسلنا رسولَنا ليعلِّمَ الناسَ الصلاةَ والزكاةَ والصومَ والحجَّ، فهذه ليست مقاصدَ الخالقِ سبحانه ومرادَه لخلقِه، وإنما هي فرائضُ وشرائعُ ليست مطلوبةً لذاتها، وإنما وسائلُ مطلوبةٌ لغيرِها، وهو تحقيقُ العبوديةِ للهِ تعالى والاستخلافِ وعمارةِ الأرض.

ولذلك، أرسلَ اللهُ الرسلَ، وأنزلَ معهم كتبَه ليقومَ الناسُ بالقسطِ في كلِّ الأعمالِ الخيِّرةِ والفضائلِ والأخلاقِ التي من موجباتِها الارتقاءُ بأخلاقياتِ الإنسانِ حتى لا يفسدوا في الأرضِ، أو يعتدوا على الناسِ، ويسفكوا الدماء، ولكي يخلفَ بعضُهم بعضًا، ويعمِّروا الأرضَ حقَّ عمارتِها، ليكونوا قد أدوا الأمانةَ، فينالوا بذلك سعادتَهم في الدنيا والآخرة .

كاتب المقال: مفكر عربي ومدير ديوان الرئاسة في دولة الإمارات العربية المتحدة سابقاً