اخر الاخبار

واشنطن ترهن المساعدات الأميركية للنيجر بـ«الحفاظ على الديموقراطيّة»

غموض في النيجر… والرئيس في قبضة حرسه

من دون إطلاق رصاصة واحدة، تمكن عناصر من الحرس الرئاسي في النيجر، فجر الأربعاء، من احتجاز الرئيس محمد بازوم وأفراد عائلته، والشروع في «تمرد» لم يُعرف بعد إن كان سيتطور إلى «انقلاب عسكري»، في بلد له تاريخ طويل مع قلب أنظمة الحكم بالقوة.

بازوم وصل إلى الحكم، مطلع أبريل (نيسان) 2021، استيقظ عند الساعة السادسة والنصف فجراً على كتيبة من الحرس الرئاسي وهي تجرّد حرسه الشخصي من أسلحتهم، وتفرض عليه ما يُشبِه «إقامة جبرية» برفقة زوجته، في الجناح السكني من القصر الرئاسي.

مُنع الرئيس من الوصول إلى مكتبه، واعتُقل معه وزير الداخلية، ليستيقظ سكان العاصمة نيامي فيما بعد على وحدات من الحرس الرئاسي تغلق الشوارع والمنافذ المؤدية إلى القصر الرئاسي.

مع الساعات الأولى من الصباح، بدا الوضع هادئاً في المدينة، والحركة طبيعية في الشوارع والأسواق، فيما كان التلفزيون والإذاعة الحكوميين يبثان برامجهما الاعتيادية؛ إذ جرت العادة في النيجر والدول الأفريقية، على أن أول ما يقوم به الانقلابيون هو قراءة «البيان رقم 1» وإعلان تعطيل الدستور وحالة الطوارئ.

تجمع لأنصار الرئيس محمد بازوم دعما له في نيامي الاربعاء (أ. ف. ب)

مصادر محلية وصفت ما يجري، خلال الساعات الأولى، بأنه مجرد «تمرد» داخل الحرس الرئاسي، وبرز إلى الواجهة اسم قائد كتيبة الحرس الرئاسي، الجنرال عمر تشياني، الذي يشغل منصبه منذ قرابة 10 سنوات، أي منذ أن عينه الرئيس السابق محمدو يوسفو عام 2013، وأبقى عليه بازوم بعد وصوله إلى السلطة عام 2021.

تشير مصادر مطلعة في النيجر إلى أن بازوم كان خلال الأيام الماضية يدرس إمكانية إقالة الجنرال عمر تشياني من منصبه، وهو ما أثار حفيظة الأخير وعدد من أفراد الحرس الرئاسي المخلصين له، الذين بادروا إلى احتجاز الرئيس ووزير الداخلية.

ولكن الأمر تجاوز التمرد إلى ما يمكن وصفه بأنه انقلاب عسكري، حين حاول «المتمردون» إقناع الجيش والحرس الوطني بدعم تحركهم، والدخول معهم في مسار جديد يُخرِج محمد بازوم من اللعبة.

لكن بازوم المحتجَز في الجناح السكني بالقصر الرئاسي، حسب مصادر قريبة منه، أجرى اتصالاً هاتفياً في الساعات الأولى من الصباح، مع الرئيس السابق محمدو يوسفو، وطلب منه التفاوض مع المتمردين لإقناعهم بالتراجع؛ إذ إن يوسفو عسكري سابق، وتربطه علاقة شخصية متينة بقائد الحرس الرئاسي، وهو مَن عيَّنه في منصبه، كما أن يوسفو يتمتع بسمعة جيدة واحترام كبير، وهو الذي حكم النيجر في الفترة من 2011 حتى 2021، وتخلى عن السلطة بعد أن نظم انتخابات رئاسية فاز بها بازوم.

وتؤكد المصادر أن يوسفو أجرى عدة جولات من المفاوضات مع عناصر الحرس الرئاسي المتمردين، ولكنها باءت بالفشل، بينما تشير المصادر إلى أن وساطة يوسفو لا تزال مستمرة من أجل تفادي انزلاق الوضع نحو المواجهة.

مشيرة لأنصار الرئيس محمد بازوم في نيامي الاربعاء (أ ب)

واللافت أن حسابات رئاسة النيجر على مواقع التواصل الاجتماعي بقيت مفتوحة ونشرت بياناً بعد ساعات من احتجاز الرئيس، تصف فيه عناصر الحرس الرئاسي بـ«المتمردين»، وتقول إنهم قادوا «تحركاً معادياً لمبادئ الجمهورية».

وأكدت الرئاسة أن متمردي الحرس الرئاسي حاولوا الحصول على دعم الجيش والحرس الوطني «ولكنهم فشلوا»، حسب تعبير البيان.

بل إن الرئاسة في بيانها ذهبت إلى تحذير «المتمردين» من أن الجيش والحرس الوطنيين «سيواجهان عناصر الحرس الرئاسي المسؤولين عن التحرك، إذا لم يعودوا إلى رشدهم»، بينما لم يصدر أي تعليق من الجيش والحرس الوطني، ولم تُشاهد أي تحركات لهما في العاصمة.

النيجر التي استقلت عن فرنسا عام 1960 سبق أن شهدت 4 انقلابات عسكرية، أولها كان عام 1974، وآخرها عام 2010، ولكنها عاشت العديد من المحاولات الانقلابية الفاشلة، التي كان آخرها عام 2021، قبل تنصيب الرئيس الحالي محمد بازوم بيومين فقط، حين أعلنت الحكومة اعتقال 5 ضباط جرت محاكمتهم وحُكِم عليهم بالسجن النافذ 20 عاماً.

كما تحدثت مصادر نيجرية عن إفشال محاولة انقلابية أخرى شهر مارس (آذار) من عام 2022، حين كان بازوم في زيارة إلى تركيا، ولكن الحكومة لم تصدر أي بيان ورفضت التعليق على الموضوع.

ويُعدّ محمد بازوم (63 عاماً) أول رئيس للنيجر من أصول عربية، وحين ترشح للرئاسة أثيرت نقاشات واسعة في النيجر حول هويته العربية، وشكك معارضوه في أهليته للترشح بسبب أصوله الليبية، وهو الذي ينتمي إلى قبيلة تتحرك في مجال الصحراء الكبرى، خصوصاً في النيجر وتشاد وليبيا والسودان.

بازوم الذي درس الفلسفة في السنغال، وناضل في النقابات العمالية في بداية مساره السياسي، يوصف بأنه واحد من أكثر الشخصيات السياسية في النيجر قوة، إذ شغل منصب وزير الداخلية لسنوات عديدة من حكم صديقه محمدو يوسفو، وله اطلاع كبير على الملفات الأمنية في منطقة الساحل.

الرئيس محمد بازوم مع وزير الحارجية الأميركي انتوني بلينكن في نيامي في 16 مارس 2023 (أ. ب)

ومنذ وصوله إلى الحكم، أصبحت النيجر الحليف الاستراتيجي الأكثر أهمية بالنسبة للغرب، خصوصاً فرنسا، فيما يسمى الحرب على الإرهاب، حيث إن جميع الجنود الفرنسيين والأوروبيين الذين انسحبوا من مالي وبوركينا فاسو خلال العامين الماضيين، يتمركزون الآن في النيجر.

وتوجد عدة قواعد عسكرية فرنسية وأميركية وأوروبية فوق أراضي النيجر، وتنشر فرنسا عدة آلاف من قوات «برخان» في النيجر، وتخوض بشكل يومي معارك إلى جانب جيش النيجر ضد مقاتلي «القاعدة» و«داعش» و«بوكو حرام»، كما تقوم قوات خاصة أميركية بتدريب الجنود النيجريين.

إدانات أفريقية ودولية

وتوالت الإدانات الخارجية لـ«الانقلاب»، وقال البيت الأبيض في بيان: «الولايات المتحدة قلقة بشدة حيال تطورات اليوم في النيجر… نحض على وجه الخصوص عناصر في الحرس الرئاسي على إطلاق سراح الرئيس بازوم من الاعتقال والامتناع عن العنف».

ودان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بحسب ما أفاد المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك «بأكبر قدر من الحزم أي محاولة لتولي الحكم بالقوة والمساس بالحوكمة الديمقراطية والسلام والاستقرار في النيجر»، ودعا «جميع الأطراف المعنيين إلى التزام ضبط النفس وضمان حماية النظام الدستوري».

وزارة الخارجية الفرنسية أكدت ببيان «إدانتها الشديدة لأي محاولة لتولي الحكم بالقوة»، وقالت إن «فرنسا قلقة للأحداث الراهنة في النيجر وتتابع بانتباه تطور الوضع».

وقال جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: «يندد الاتحاد الأوروبي بأي محاولة لزعزعة الديمقراطية وتهديد الاستقرار في النيجر».

ودان الاتحاد الأفريقي «محاولة الانقلاب»، داعياً إلى «العودة الفورية وغير المشروطة» للعسكريين إلى ثكناتهم.

وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، في بيان، عن «تنديده الشديد بهذه السلوكيات من جانب عسكريين يرتكبون خيانة كاملة لواجبهم الجمهوري»، مطالباً إياهم بـ«وقف هذا العمل المرفوض فوراً».

ودعا فقي محمد «الشعب النيجري وجميع أشقائه في أفريقيا، خصوصاً المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وفي العالم، إلى أن يدينوا بصوت واحد هذه المحاولة ويطالبوا بالعودة الفورية وغير المشروطة للعسكريين إلى ثكناتهم».

ونددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بـ«محاولة الانقلاب في النيجر» داعيةً إلى الإفراج «فوراً» عن الرئيس المنتخَب.