اخبار مصر

مجلس الأمن يبحث مصير قوات "يونيفيل" في لبنان وواشنطن تضغط للانسحاب وجوزاف عون يؤكد التمسك ببقائها

بدأ مجلس الأمن الدولي، يوم الاثنين، مناقشات رسمية بشأن مستقبل قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، وذلك قبل انتهاء تفويضها في 31 أغسطس الجاري، وسط دعوات أميركية لإنهاء مهمتها خلال عام واحد فقط، في مقابل تمسك لبناني ببقائها حتى تنفيذ القرار 1701 بكامل بنوده، مع دعم دولي من عدة عواصم.
وقدّمت فرنسا مشروع قرار لتجديد تفويض "اليونيفيل"، يتضمن للمرة الأولى إشارة مباشرة إلى ضرورة انسحاب البعثة الأممية في نهاية المطاف، بعد تمكين الحكومة اللبنانية من بسط سيطرتها الأمنية الكاملة على جنوب لبنان، وفقاً لما أفاد به دبلوماسيون مشاركون في الاجتماعات المغلقة لمجلس الأمن.

وقالت مصادر دبلوماسية، أن الولايات المتحدة أبلغت أعضاء المجلس خلال الاجتماع أنها تؤيد تمديد التفويض الحالي لسنة واحدة فقط، باعتبارها "الفرصة الأخيرة" لمهمة يونيفيل، في ظل ما تعتبره واشنطن غياب نتائج ملموسة على الأرض، وضرورة إعادة تقييم فاعلية البعثة الدولية.
ورداً على هذه المواقف، أعلن الرئيس اللبناني جوزاف عون، خلال لقائه قائد "اليونيفيل" اللواء ديوداتو أباغنارا، أن لبنان "متمسك ببقاء القوات الدولية في الجنوب طوال المدة اللازمة لتنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته"، مؤكداً على "أهمية التعاون المستمر بين الجيش اللبناني، وقوات يونيفيل، وأهالي البلدات الجنوبية".

وأضاف عون أن استكمال انتشار الجيش اللبناني على كامل الحدود الدولية يتطلب استمرار دعم المجتمع الدولي، وخاصة عبر الشراكة مع يونيفيل، التي أسند إليها القرار 1701 دوراً محورياً في مراقبة وقف إطلاق النار وضمان عدم وجود جماعات مسلحة غير تابعة للدولة اللبنانية في الجنوب.

من جهتها، امتنعت الخارجية الأميركية عن التعليق العلني على مواقفها داخل مجلس الأمن، حيث قال المتحدث باسمها في تصريحات مقتضبة: "لا نعلّق على المفاوضات الجارية في المجلس"، مكتفياً بالإشارة إلى أن واشنطن ما زالت تقيّم دور البعثة في ظل التطورات الميدانية.

ومشروع القرار الفرنسي يتضمن كذلك دعوة صريحة للمجتمع الدولي من أجل "تكثيف الدعم للجيش اللبناني، بما يشمل التمويل والمعدات والعتاد"، بما يعزز من قدراته على تولي مسؤوليات الأمن جنوباً، ويهيّئ الظروف لانسحاب منظم لقوات اليونيفيل في المستقبل.

وفي سياق المواقف الدولية، أبدت بريطانيا وباكستان دعمهما لموقف لبنان بشأن ضرورة تمديد مهمة يونيفيل. وأكد السفير البريطاني في بيروت هاميش كاول، خلال لقائه وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي، تأييد بلاده للتمديد، مشدداً على دعم لندن لمبدأ "حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية فقط".

كما عبّر السفير الباكستاني سليمان أطهر، الذي تمثل بلاده أحد الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، عن دعم إسلام آباد لتمديد مهمة قوات حفظ السلام وفق الصيغة التي تسعى بيروت إلى تثبيتها في القرار الأممي الجديد.

وتجدر الإشارة إلى أن قوة "يونيفيل" أنشئت عام 1978، وتم توسيع تفويضها في العام 2006 عقب حرب إسرائيلية استمرت شهراً مع حزب الله، حيث فُوّضت بمراقبة وقف إطلاق النار، ودعم انتشار الجيش اللبناني في الجنوب، والحفاظ على منطقة خالية من الأسلحة والمقاتلين غير التابعين للدولة.
إلا أن وجود "حزب الله" في تلك المناطق، رغم انتشاره العلني في بعض الحالات، لا يزال يشكل تحدياً مباشراً لمهام "يونيفيل"، ويُعتبر سبباً رئيسياً للتوتر المتكرر بين القوة الدولية والحزب المدعوم من إيران.

وفي ظل هذه التعقيدات، تتجه الأنظار إلى الأيام المقبلة لمعرفة ما إذا كان مجلس الأمن سيُقِرّ التمديد السنوي الأخير كما ترغب واشنطن، أو سيخضع لمطالب لبنان وشركائه الدوليين الذين يفضلون تمديداً مفتوحاً مشروطاً بتطورات ميدانية وسياسية على الأرض.

 وبالنسبة لمصير "اليونيفيل" فموقف الولايات المتحدة المطالب بإنهاء مهمة "يونيفيل" خلال عام واحد يعكس تحوّلًا في الرؤية الأميركية تجاه فعالية قوات حفظ السلام في جنوب لبنان، ويرتبط بثلاثة عوامل رئيسية.
تتنامي نفوذ "حزب الله" في الجنوب اللبناني، واستمرار وجوده العسكري قرب الحدود، بما يُضعف قدرة اليونيفيل على تنفيذ تفويضها الكامل.
والرغبة في تقليل الإنفاق الدولي على مهام حفظ السلام غير الحاسمة، وهو توجه تبنته واشنطن في السنوات الأخيرة.
ومحاولة الضغط على الحكومة اللبنانية للسيطرة على الجنوب بالكامل، وتفعيل مؤسساتها الأمنية بعيدًا عن هيمنة أي طرف مسلح خارج الدولة.

من الجهة المقابلة، تخشى بيروت من أن يؤدي انسحاب "اليونيفيل" إلى فراغ أمني على الحدود مع إسرائيل، قد تستغله الأخيرة لتصعيد عسكري، أو استخدامه كذريعة لشن ضربات وقائية، وهو ما يفسر تمسّك لبنان، عبر رئيسه وقادته العسكريين، بضرورة بقاء القوة الدولية حتى استكمال تنفيذ القرار الأممي بالكامل.

وبالنسبة للبعد الدولي فدعم بريطانيا وباكستان للتمديد يظهر أن مواقف أعضاء مجلس الأمن ليست موحدة، وأن بعض الدول ترى أن وجود "اليونيفيل" يمثل عامل توازن دقيق يمنع الانزلاق إلى صراع مفتوح، خصوصًا في ظل التصعيد المستمر على الحدود، والتوتر بين "حزب الله" وإسرائيل.

ويعد القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في 11 أغسطس 2006، هو مرجعية قانونية دولية لتنظيم الوضع في جنوب لبنان بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان. وقد نصّ على عدة بنود أساسية:
وقف الأعمال القتالية بين "حزب الله" وإسرائيل.
نشر الجيش اللبناني في الجنوب بالتوازي مع قوات اليونيفيل.
دعم الجيش اللبناني في بسط سلطته على كامل أراضي الجنوب.
حظر وجود أي جماعات مسلحة أو أسلحة غير مرخصة في مناطق انتشار اليونيفيل.
دعوة إسرائيل للانسحاب من كل الأراضي اللبنانية، بما فيها مزارع شبعا المحتلة، واحترام السيادة اللبنانية.

ومع أن القرار لم يفرض نزع سلاح "حزب الله" صراحة، إلا أنه شدد على حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، ما جعله نقطة خلاف مستمرة في التطبيق.
ومصير "اليونيفيل" سيكون اختبارًا حقيقيًا لتوازن المصالح داخل مجلس الأمن. فإذا انتصرت الرؤية الأميركية، فقد تدخل الحدود اللبنانية الإسرائيلية مرحلة أكثر هشاشة. أما إذا تم التمديد من دون تحديد سقف زمني، فستكون بيروت قد كسبت جولة دبلوماسية مهمة، لكنها ستظل مطالبة بإثبات قدرتها على فرض سيادة الدولة على الجنوب، وهو التحدي الأعمق والأكثر تعقيدًا.

قد يهمك أيضـــــــــــا

واشنطن تدعو لتعديل عقوبات سوريا وبيدرسون يدين التدخل الإسرائيلي في السويداء

 

رئيس وزراء لبنان يبحث مع الأمم المتحدة خطوات إعادة إعمار المناطق المتأثرة بالحرب