اخبار الإمارات

أمريكا قوة عظمى رقمية.. متداعية

تعبيرية.

الإثنين 24 يوليو 2023 / 21:09

بعدما فشلت الولايات المتحدة في تطوير نفسها رقمياً، سرعان ما ستجد نفسها متفرجاً بين الاتحاد الأوروبي والصين بوصفهما القوتين الرقميتين العظميين الجديدتين.

صدَّرَت الصين تقنياتها الرقمية كجزءٍ من مبادرة طريق الحرير

قال كيغان ماكبرايد وآلبي ناني، المختصان في مجال الذكاء الاصطناعي والإنترنت بجامعة أوكسفورد، إنه كي تبقى الولايات المتحدة مُنافسة في العالم الرقمي، لا بد من رقمنة الدولة والمؤسسات البيروقراطية القائمة على تشغيلها.

وأوضح الكاتبان في مقال مشترك بمجلة “ناشونال إنترست” أن هذا التحول يقتضي العديد من الابتكارات، بما فيها إنشاء بنية تحتية رقمية وصيانتها، وجمع وصيانة قواعد بيانات رقمية عملاقة، وتعيين هويات رقمية فريدة للمواطنين والشركات، وتقديم الخدمات الرقمية، ووضع قوانين تنظيمية مناسبة للعالم الرقمي الجديد.

ورغم أن الولايات المتحدة في موقف مواتٍ يسمح لها بقيادة العالم في تطوير الولايات الرقمية، تبدو متخلفة إلى حدٍ كبير عن استغلال إمكاناتها على أرض الواقع.

 

ولم تكن أوجه القصور الرقمية الحالية موجودة دائماً. فخلال تسعينيات القرن العشرين، كانت الولايات المتحدة هي التي تقود اهتمام العالم بفكرة رقمنة الدولة. ويتجلى ذلك بوضوح في التقرير الصادر سنة 1993 تحت عنوان “التقنية لأغراض النمو الاقتصادي لأمريكا: اتجاه جديد لبناء القوة الاقتصادية”، وما تبعه من استثمارات كبيرة ضُخَّت في تطوير البنية التحتية الرقمية لأمريكا. وأدَّت هذه الاستثمارات إلى أن تحتل الولايات المتحدة دائماً مركز الصدارة في التصنيفات الدولية ذات الصلة.

أوباما ودفع عجلة الرقمنة

وتحت مظلة إدارة الرئيس أوباما، جُعِلَت الرقمنة أولوية قصوى، واستُحدثَ منصب كبير مسؤولي التقنية في الولايات المتحدة للمساعدة على دفع عجلة الرقمنة داخل الولايات المتحدة.
ولكن، رغم أن الولايات المتحدة ضخت استثمارات كبيرة في البنية التحتية التقنية، بات واضحاً خلال فترة جائحة كورونا أن بنيتها التحتية الرقمية صارت عتقية ومُتهالكة. وظلَّت تحتل مراتب متدنية تدريجيّاً ضمن التصنيفات الحكومات الرقمية الدولية.

إخفاقات في مشروع الرقمنة

ولفت الكاتبان إلى أن الوصول إلى شبكة الإنترنت مُتاح على نطاق واسع، لكن ما زالت هناك مُشكلة تتمثل في الفجوة الرقمية. فما زالت الولايات المتحدة تشهد إخفاقات في مشروعات الرقمنة لديها، ولا سيما في الإطلاق المبدئي لمنظومة الرعاية الصحية الرقمية.

 

وعلى النقيض من الولايات المتحدة، نجد أن الاتحاد الأوروبي سرعان ما أصبح قوة رقمية عالمية عُظمى، ومن المستبعد أن يتزحزح عن هذه المرتبة في أي وقت قريب.
فقد جعل الاتحاد الأوروبي رقمنة مجتمعاته واحدة من أبرز ركائزه، وذلك بدعمٍ من إطلاق برنامج سياسات “العقد الرقمي”. وفي الاتحاد الأوروبي، تتم رقمنة الخدمات العامة والبيانات الحكومية بحيث يمكن تناقلها عبر حدود بلدان الاتحاد.
وعززت التطورات التنظيمية، ومنها لائحة الاتحاد الأوروبي بشأن تحديد الهوية الإلكترونية وخدمات الثقة للمعاملات الإلكترونية في السوق الأوروبية المُوحَّدَة (eIDAS)، إنشاء نُظُم هوية رقمية عابرة للحدود.
ولضمان ازدهار المواطنين والشركات على حدٍ سواء في المجتمع الرقمي الناشئ، أُطلقت مبادرات عدة لسد الفجوة الرقمية. وأفضت الإنجازات الرقمية للاتحاد الأوروبي إلى أن تبنت دول أخرى حول العالم الأساليب الأوروبية في التعاطي مع الرقمنة، سواء من الناحية التقنية أو من الناحية التنظيمية والتشريعية.
وبينما اخبار السعودية الدول والشركات تبني الابتكارات الرقمية المدعومة من الاتحاد الأوروبي، ساخبار السعودية نموها حتى تمسي رائدة رقمية عالمية.

الصين الرقمية

وجعلت الصين، شأنها شأن الاتحاد الأوروبي، الرقمنة أولوية قصوى لديها، واقترحت مساراً لإقامة “الصين الرقمية” بحلول عام 2035. وأشهر مكونات مسارها الرقمي على الإطلاق “منظومة الائتمان الاجتماعي” التي تتمتع بمستوٍ عالٍ جداً من الدعم من عموم الصينين، الأمر الذي فاجَأ كثيرين في الغرب.
ومن ناحية البنية التحتية، نجد أن الصين أقل من الولايات المتحدة تعثراً بفعل التقنيات العتيقة، وهي تُحرز تقدماً سريعاً في إقامة بنى تحتية رقمية هي الأحدث في العالم، بدايةً من شبكات الاتصالات من الجيل الخامس، وانتهاءً بالحوسبة الكَميَّة وتخزين البيانات.
وقال الكاتبان إن الصين بذلت جهوداً حثيثة، مُسترشدةً بخبرتها السابقة، من أجل تعميم رؤيتها الرقمية دوليّاً إذ صدَّرَت تقنياتها الرقمية كجزءٍ من مبادرة طريق الحرير الرقمي. وتحاول الولايات المتحدة تحديداً مقاومة مثل هذه المبادرات الصينية. ورغم ذلك تشهد الصين إنجازات في طموحات تطورها الرقمي.
وأكد الكاتبان أنه كي تظل الدول مُنافِسَة في السباق الجيوسياسي الناشئ، لا بد أن تُرقمن حكوماتها وتحافظ على بنية تحتية رقمية حديثة. وبينما تشرع الدول في رقمنة وتطوير هذه البنية التحتية، ستزداد قوة وعنفواناً.

مخاطر التحول الرقمي

وأشار الكاتبان إلى أن هذا التحوُّل الرقمي يجلب في طياته مخاطر حقيقية تتمثل في احتمالات خلق مُستقبل مركزي أو استبدادي. ولا يمكن مواجهة هذه المخاطر سوى بإنشاء وتطوير بنية تحتية رقمية قوامها القيم الديمقراطية.
ورأى الكاتبان أنه إذا أرادت الولايات المتحدة أن تظل منافسة في المستقبل الرقمي الناشئ للعالم، فلا بد أن تستثمر في بنيتها التحتية الرقمية المتداعية وتعمل على تحديثها، فتجعل رقمنة الدولة أولوية قصوى.