اخبار المغرب

الوظيفة التربوية لشرطة المرور

كاريكاتير: عماد السنوني

علي الوكيليالإثنين 25 دجنبر 2023 – 20:32

كنت راكبا دراجة هوائية في أحد دروب مراكش المؤدية إلى ساحة جامع الفنا وعمري لا يتجاوز اثنتي عشرة سنة، ولم أنتبه إلى شرطي يقطع طريقي ويأخذني من حزامي بيد ويأخذ مقود الدراجة بيد أخرى؛ سألني بغضب: “واش ما كتعرفش قانون السير؟”، فرددت عليه مرعوبا: “آشنو درت آعمي البوليسي؟”، فجرني من أذني بضع أمتار حتى خرجنا من الدرب ثم أشار إلى علامة في بوابة مدخل الزقاق وقال: “أشنو كتقول هادي؟”، وكانت علامة تشوير دائرية حمراء الحافة بيضاء في الوسط، ودون أن ينتظر جوابي قال: “هادي كتمنع المرور على الحديد كلّو”، فرددت: “وانا عندي غير بسكليتة!”، فأجاب بامتعاض: “قلت لك الحديد كلو، البسكليتة، الموطور الطوموبيل كلشي!”، فاعتذرت له بأني كنت أجهل ذلك؛ وحين لان غضبه قال: “وكتعرف بعدا العلامات الأخرى، قف، وممنوع المرور، وممنوع الوقوف؟”، فرددت:” شوية عمي”، فربت على قفاي ثم قال: “سير احفظ قانون السير عاد تزاحم مع الحديد لكبير”.

كان من أثر هذا الحادث أني تعلمت قانون السير وطبقته قبل الحصول على رخصة السياقة، وعرفت أن للتربية على استعمال الطريق فوائد كبيرة، تكون أحيانا مسألة حياة أو موت.

بين مغرب السبعينيات واليوم زمن واسع من التحولات، الإيجابية والسلبية؛ سهولة الاخبار السعودية والمواصلات والحصول على المعرفة، وصعوبة الالتزام بالقانون والالتزام بالمسؤولية والأنانية المفرطة عند الجميع، كبارا وصغارا، في كل الحالات والأحوال والظروف. وما الطريق إلا مظهر من الجوانب التي حلت بها “السيبة” والفوضى العمياء.

الراجلون وأصحاب الدراجات الهوائية والنارية المعفيون من رخصة السياقة كل هؤلاء لا يعرفون قانون السير، ومع ذلك يستعملون الطريق، وبشكل أخرق؛ لا ضوء أحمر يعنيهم ولا اتجاه ممنوعا ولا علامات التشوير تزعجهم؛ انضاف إليهم اليوم مستعملو “التروتينيت” الكهربائية التي لا تقل سرعتها عن 40 كيلومترا في الساعة. وهذه الفئات المذكورة هي الأكثر تعرضا للحوادث، نستثني منها أصحاب الدراجات النارية المجبرين على حمل خوذة فوق رؤوسهم وتأمين إجباري في جيوبهم، في حين يسقط الآخرون قتلى أو جرحى بسهولة. وقد كدت أقتل راجلا في الطريق السيار بين مكناس والخميسات، لأني لم أكن أتوقع أن يبلغ الجهل بالناس حد اقتحام طريق للعربات التي تفوق سرعتها المائة كلومتر في الساعة.

هذا الكم الهائل من مستعملي الطريق لا يجدون من يردعهم أو يزجرهم، وهم يعتبرون أنفسهم غير معنيين بقانون السير. ولنتجاوز فعل الردع والزجر ولنكتف بالتربية والنصيحة، كما وقع لي مع ذلك الشرطي رحمه الله أو ذكره بخير. أرى اليوم الناس يعبرون الطريق من كل الأماكن ويتزاحمون مع العربات رغم وجود الرصيف (حين لا تحتله المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية العشوائية). هل تكون قلة الموارد البشرية لدى جهاز الشرطة السبب؟ هل يكون الأمر استفحل إلى مستوى ترك الحابل على النابل؟.

لقد سبق أن تكلمت عن إهمال المقررات المدرسية في المستوى الابتدائي التربية على الطريق، ولو عبر نصوص وصور تحمل طرافة السؤال والجواب، أو قيام الأساتذة في حصة الرياضة بجعل التلامذة ينخرطون في اللعب التربوي، في تمثيل لما يقع على الطريق، ليتعلم الصغار الطرق الصحيحة والقوانين البدْئية، ولو في مستوى الراجل قبل السائق. وهذا جزء من الحل لا يعوض عمل الشرطة.

أختم بحادث طريف وقع لي قبل سنوات وأنا أسوق ليلا في طريق مظلم؛ ففي منعرج ظهر لي فجأة ثلاثة أشباح، وفي آخر ثانية قبل الاصطدام بهم احتجوا عليّ واتهموني بمحاولة القتل، فالتزمت الهدوء وشرحت لهم كيف أن الراجل في الظلام لا يظهر أبدا للسائق، خاصة إذا كانت هناك أضواء تقابل، ونصحت من يستعمل الطريق ليلا في الأماكن المظلمة بشراء سترة بها خطوط عاكسة لضوء السيارات أو حتى أحذية تكون بعض أجزائها مضيئة ليلا، فسخر مني أحدهم وقال لي: “سير آعمي راك كاتخرف، لقينا باش نتعشاو، عاد نشريوْ ليك الأثواب العاكسة للضوء؟”.

الدراجة السياقة قانون السير