اختفاء غواصة سياحية صغيرة أثناء زيارة حطام «تايتانيك»

مواقع تراثية وعناصر ثقافية قادت السعودية جهود تسجيلها في «اليونيسكو»
أرض واسعة مترامية الأطراف، وموقع استراتيجي كان ملتقى تاريخياً وجغرافياً لقارات وحضارات ورثت تاريخاً عريقاً للإنسان، وشواهد قائمة وباقية من ماضي الزمان، حصلت أخيراً على فرصة الظهور وتسليط الضوء، عبر مبادرات نوعية تتفحص في تاريخها، وتنقّب عن كنوزها، وتستعيد طرفاً من تراثها، لتسفر تلك الجهود عن إعادة تأهيل المواقع التاريخية والعناصر الثقافية، التي تصِل الحاضر بالماضي، وتفتح نوافذ إلى الإنسان القديم وإرثه.
ورغم الوقت المتأخر في تسجيل العناصر الثقافة السعودية والمواقع التراثية في القوائم الدولية لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، ومنحها الاهتمام العالمي وتأكيد الحفاظ عليها كوديعة للأجيال القادمة، فإن السعودية تمكنت من زيادة عدد عناصرها الخاصة والمشتركة المدرجة ضمن قوائم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو» للتراث الإنساني المادي، إلى 6 مواقع، وغير المادي إلى 11 عنصراً.
ويعكس هذا التقدمُ جهودَ القطاع الثقافي السعودي في الحفاظ على التراث الإنساني الثقافي المادي وغير المادي، وصون الكثير من المواقع التراثية المهمة في تاريخ البشرية، حيث كانت الجغرافيا السعودية مسرحاً للكثير من الأحداث، وللتراث غير المادي الذي تتمتع به مناطق السعودية في تنوع وثراء وغِنى.
6 مواقع أثرية و 11 عنصراً ثقافياً في قائمة «اليونيسكو»
6 مواقع أثرية تنطوي على قيمة ورمزية وإرث إنسان الجزيرة العربية وهو يتكيّف مع الظروف ويرسم ملامح تعايشه العبقري مع البيئة والمحيط من حوله. في عام 2008 أصبحت مدائن صالح أول موقع في السعودية ينضم إلى قائمة مواقع التراث العالمي، وهي مدينة الحجر، التي تقع في محافظة العـلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة. تبعها حي الطريف في الدرعية، ثاني المواقع السعودية عام 2010، الذي تحمل آثاره تاريخاً عمرانياً وقصة إنسانية منذ القرن الـ15 وسط شبه الجزيرة العربية. وفي عام 2014 حصلت منطقة جدة التاريخية على موافقة لجنة التراث العالمي بمنظمة «اليونيسكو» باعتمادها ضمن القائمة، وتسليط الضوء عالمياً على موقعها في كبد التاريخ.
بعد ذلك، انضمّت مواقع جبة وراطا والمنجور «الشويمس» في منطقة حائل، بتاريخها الذي يعود عمره إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد، إلى قائمة التراث العالمي من قبل منظمة «اليونيسكو» في عام 2015، ولمعت رسومها الصخرية من جديد على واجهات الجبال في الموقع. وكانت واحة الأحساء، أكبر وأشهر واحات النخيل الطبيعية في العالم، بأكثر من 3 ملايين نخلة، الموقع السعودي الخامس في قائمة التراث العالمي، فيما سجلت آبار حمى في نجران جنوب البلاد، سادس المواقع وآخر المنضمين إلى القائمة.
كما نجحت السعودية في تسجيل 11 عنصراً ثقافياً محلياً وعربياً في قائمة التراث غير المادي، لتأكيد قيمتها التاريخية ورمزيتها الثقافية وتقديمها إلى العالم.
بدأ ذلك عام 2015 عندما أدرجت «المجالس» ضمن قائمة التراث العالمي اللامادي في السعودية كمكان ثقافي ولأداء الواجبات الاجتماعية، وذلك بالتشارك مع الإمارات، وسلطنة عُمان، وقطر.
ثم إدراج القهوة العربية رمزاً للكرم في العام نفسه، وعُدّت أحد التقاليد المألوفة عربياً في حسن الضيافة والوفادة وإكرام الضيف. ثم سُجلت «العرضة النجدية» ضمن التراث العالمي اللامادي تحت عنوان «العرضة النجدية – رقص شعبي ودق على الطبول وأهازيج شعرية من المملكة العربية السعودية» عام 2015، وفي العام التالي أُدرجت «رقصة المزمار» في القائمة، وهي رقصة تؤدّى باستخدام العصيّ على إيقاع الطبول في السعودية خلال المناسبات العائليّة أو الوطنيّة.
وايضاً في عام 2016 سُجلت «الصقارة» كتراث إنساني حي، حيث لا تزال الصقارة (تربية الصقور والصيد بها) تستهوي الكثير في السعودية وعدد من الدول العربية الأخرى، وأصبحت جزءاً من الإرث الثقافي للشعوب. وانضم القط أو النقش أو الزَّيان، وهو أحد الفنون التجريدية التي نشأت في منطقة عسير وتقوم به النساء لتزيين بيوتهن، إلى القائمة عام 2017. ثم نخيل التمر عام 2019، وما يتعلق به من المعارف والمهارات والتقاليد والممارسات، نجح تسجيله بالتشارك مع الكثير من الدول، التي يعد النخيل جزءاً من تاريخها، ومصدر دخل للكثير من المزارعين والحرفيين وأصحاب المهن اليدوية والتجار وأصحاب المصانع والشركات الغذائية فيها.
وفي عام 2020، سُجلت الصناعة التقليدية لحرفة السدو، وهو أحد أنواع النسيج المُطرز البدوي التقليدي الذي ينتشر في التقاليد البدوية في المملكة، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في «اليونيسكو». ثم الخط العربي كرمز للهوية العربية، تثميناً لمساهمته في نقل الثقافة والنصوص الدينية على مر التاريخ.
وقد سُجل الخط العربي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة «اليونيسكو»، في ديسمبر 2021، بعد أن قادت السعودية بالتعاون مع 15 دولة عربية تحت إشراف منظمة «الألكسو»، الجهود المشتركة في تسجيل عنصر «الخط العربي: المعارف والمهارات والممارسات» على القائمة.
وفي العام التالي 2022، سُجل حداء الإبل، وهو أحد التعابير الشفهية في تراث السعودية، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم الثقافة «اليونيسكو»، بعد أن قادت المملكة بالتعاون مع سلطنة عُمان، ودولة الإمارات العربية المتحدة، الملف المشترك لتسجيله. ومؤخراً، نجحت السعودية في تسجيل «البن الخولاني السعودي»، والمهارات والمعارف المرتبطة بزراعته، في نوفمبر 2022، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم الثقافة «اليونيسكو».

التفاتة سعودية إلى مقومات السياحة والتراث
في يوليو 2021، وخلال مناسبة تسجيل منطقة حمى الثقافية كأحد مواقع التراث العالمي وأكبر متحف مفتوح وحيّ للنقوش الصخرية، أكد وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن فرحان، أن التراث الوطني السعودي يحظى بدعم واهتمام كبيرين من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وأن المواقع السعودية المسجلة في قائمة التراث العالمي بـ«اليونيسكو»، إلى جانب العناصر المسجلة في قائمة التراث الثقافي غير المادي، تؤكد المدى غير المحدود الذي يمكن أن تُسهم به السعودية في خدمة التراث الإنساني العالمي المشترك، انطلاقاً من عمقها التاريخي الغني، وتحت مظلة «رؤية السعودية 2030» التي أكدت أهمية الاعتزاز بالهوية الوطنية التي يعد التراث الوطني بكل قوالبه المادية وغير المادية واحداً من مكوناتها الرئيسية. ولفت الأمير بدر بن فرحان إلى أن السعودية غنيّة بمواقع التراث المهمة على خريطة الحضارات الإنسانية، وأن الجهود تتكامل لتعريف العالم عليها، ولتسجيلها في جميع السجلات الوطنية والدولية، كونها ثروة حضارية وعمقاً ثقافياً للمملكة.
«رؤية 2030»: بداية التحول
بدأ التحول مع إطلاق «رؤية 2030» عام 2016، التي رسمت خريطة طريق استراتيجية للسعودية، وأطلقت العنان لإمكانات البلاد الثقافية والسياحية، والاستثمار في مقوماتها غير المستغلة بشكل كافٍ يعادل قيمتها التاريخية والثقافية.
وكان البُعد السياحي، وجعل السعودية وجهة سياحية على مستوى عالمي، ومشاركة التقاليد والرموز والعناصر الثقافية المحلية مع المجتمع العالمي، في قلب معادلة رسم الهوية الفريدة للبلاد، مع حماية وتطوير وتعزيز المواقع السياحية الرائعة والتجارب داخل البلد.
في حين كان البُعد الثقافي ميزة يمكن الرهان عليها، وتشجيع المجتمع الدولي على اكتشافها والتعرف على تفاصيلها وملامحها. ومع إطلاق وزارة الثقافة عام 2018، عملت جاهدة على تطوير المشهد الثقافي للمملكة، وتتفرع عنها 11 هيئة مخصصة تم إنشاؤها في عام 2020 لتتناول مختلف التخصصات، وعلى رأسها هيئة التراث التي تتولى مسؤولية تطوير قطاع التراث والحفاظ عليه.
وتنطلق هيئة التراث من مبدأ أن السعودية أرضٌ زاخرة بتراثٍ غني ومتنوع، وأن هذا التراث هو مرآة للحضارات التي ازدهرت على أراضيها، وانعكاس لمسيرة الإنسان في اكتشاف هويته الوطنية المميزة، ومن منطلق الاحتفاء بهذا الإرث الثري، تهدف هيئة التراث إلى تنمية الجهود المتعلقة بالتراث الوطني وتعزيز أساليب حمايته، ورفع مستوى الوعي والاهتمام به، إلى جانب تطوير القطاع ودعم ممارسيه.

8788 موقعاً أثرياً في السعودية
يبلغ عدد المواقع المسجلة في السجل الوطني السعودي للآثار نحو 8788 موقعاً أثرياً في مختلف المناطق، تُمثل في مجملها إرثاً وطنياً يعكس الثراء التاريخي للسعودية، حيث تعلن هيئة التراث بين وقت وآخر عن اعتماد تسجيل وتوثيق عدد جديد من المواقع الأثرية في السجل الوطني للآثار.
يأتي ذلك في إطار جهود هيئة التراث في اكتشاف المواقع الأثرية والتاريخية بالمملكة، وتسجيلها بشكلٍ رسمي في السجل الوطني للآثار، ومن ثم إسقاطها على خرائط رقمية تُمكّن من سهولة إدارتها وحمايتها والمحافظة عليها، وبناء قاعدة بيانات مكانية للمواقع الأثرية المسجلة، وحفظ وتوثيق الأعمال التي تجري عليها، وأرشفة وثائق وصور مواقع التراث بالمملكة. كما تحثّ هيئة التراث باستمرار، المواطنين والمهتمين على الإبلاغ عن المواقع الأثرية المكتشفة لتتمكن الهيئة من الوصول إليها ومن ثم تسجيلها، من خلال منصة متخصصة على شبكة الإنترنت، أو عبر فروع الهيئة على مستوى مناطق المملكة، منوهةً بوعي المواطن ودوره بوصفه شريكاً أساسياً في المحافظة على تراث وطنه وتنميته، وذلك في إطار مرحلة مهمة يشهدها التراث الثقافي في السعودية، من جهة صونه والاهتمام به وإعادة الاعتبار للكثير من الإرث الثقافي السعودي المادي وغير المادي، المتنوع والمتوزع بين مناطق السعودية الشاسعة، الأمر الذي يزيد من التوجه إلى إشراك المجتمعات المحلية، بوصفها الحاضن الطبيعي للتراث الثقافي السعودي في جهود إدارة التراث والاهتمام به وصونه، كشواهد تاريخية باقية على ثراء المجتمع السعودي عبر التاريخ وعلى إرثه العريق.
وقال خالد الحميدي، الباحث في التراث و الموروث الثقافي، إن دوراً مهماً يمكن أن يضطلع به المجتمع المحلي في إدارة الموروث الثقافي في مختلف المناطق السعودية، مشيراً إلى أن أفراد المجتمع من المهتمين ممن عاصروا وهج تلك المواقع التراثية والثقافية، ملمّون بقيمتها وعارفون بتفاصيل جميلة وشيقة حول هذا التراث، ويستطيع الكثير منهم وباقتدار نقل ملامح الجمال الحقيقي والمتفرد للتراث الثقافي كلٌّ في منطقته، وإبرازه كعمل إنساني ثقافي ينافس نظيره في المناطق الأخرى سواء خارج الوطن أم داخله.

السعودية و«اليونيسكو»: علاقة مزدهرة
عززت السعودية أخيراً، من حضورها الثقافي والتعليمي ضمن أنشطة «اليونيسكو» العالمية، لا سيما في أعمال دعم التراث، ومساعي السعودية الممتدّة نحو توثيق الإرث الإنساني المشترك، إلى جانب الدول الأعضاء في اللجنة، وتحقيق أهداف منظمة «اليونيسكو» بشكلٍ عام، وأهداف لجنة التراث العالمي بشكل خاص. وتوّج ذلك باعتماد السعودية رئيساً للجنة التراث العالمي، برئاسة الأميرة هيفاء آل مقرن، المندوبة الدائمة للمملكة لدى «اليونيسكو»، وقيادة فريق مؤلف من ممثلي 21 دولة منتخبة من الجمعية العمومية، لدراسة اقتراحات الدول الراغبة في إدراج مواقعها على قائمة التراث العالمي، ومساعدة الخبراء على رفع التقارير، وتقديم التقييم النهائي بشأن إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي.
وإلى جانب ذلك تقدمت السعودية بمشاريع، حصلت على إجماع الأعضاء، لبناء قدرات العاملين في مجال التراث للسنوات العشر القادمة، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على تعزيز التنوّع الجغرافي للخبراء، وتمكين الكفاءات الإقليمية، ووضع خطط وتدابير لحماية مواقع التراث الثقافي المهدّدة بالخطر، إلى جانب رفع الكفاءات التقنية والمهنية للشباب والخبراء في مجال التراث العالمي على حدّ سواء.
وازدهرت الشراكة القائمة بين «اليونيسكو» والسعودية في السنوات الأخيرة، بما يُثري حياة الناس ويعزز قدرات الاتصال، وقد دعمت السعودية مختلف المبادرات لـ«اليونيسكو» لمعالجة عدد من الأزمات العالمية، لا سيما في المنطقة العربية، والمتعلقة بشؤون التعليم وضمانه للشعوب والأجيال المحرومة والمتضررة من تحديات سياسية وظروف صعبة. كما دعمت وأطلقت برامج ابتكارية من شأنها منع التطرف العنيف وتعزيز المواطنة العالمية، وتعزيز الصحة النفسية والاجتماعية للاجئين في المنطقة العربية، وترويج رسائل السلام والحوار.
ويمثل استمرار الشراكة مع اللجنة السعودية من خلال «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، الذي أُسس حديثاً، فرصةً لدعم ومؤازرة الكثير من الدول مثل لبنان وفلسطين واليمن والصومال، لا سيما على صعيد التعليم والشؤون الإنسانية المختلفة.