الحاكم الذي أُنشد له: «يلزم علينا الشيخ في كل ما راد»

– في عهده تأسس أول مجلس شورى بعد موافقته على اقتراح يوسف بن عيسى 
– يوسف بن عيسى: 
– تشكّل مجلس الشورى من الشيبان أهل الثروة بالاختيار دون انتخاب
– ثمرة المشاورة في المجلس كانت ضئيلة لكثرة الاختلاف بين الجماعة
– عبدالعزيز حسين: 
– فشلت المحاولة الأولى لتكوين مجلس استشاري بالكويت 
– أُعيد العمل بنظام يُشبه نظام المشورة الذي كان متّبعاً من قبل
– حمد الرجيب: 
– في سنة 1930 أمر الحاكم بعدم لبس البشوت فاستجاب معظم الرجال 
– فئة من الرجال لم تلبسه ولكنها كانت تحمله معها تحت الإبط أينما ذهبت
– عبدالله الحاتم: 
– القصد من وراء منع لبس البشوت اجتماعي واقتصادي في آن 
– كانت التكاليف كبيرة جداً فكنا نرى الفقير يرتدي عباءة سميكة في الصيف
تواصل «الراي» نشر كتاب «الشيخ أحمد الجابر الصباح… نشأته وأحداث عهده وإنجازاته» للمؤلف علي غلوم الرئيس، على حلقات، واليوم تنشر الحلقة الخامسة للمؤلف الذي يُقدّم صورة شاملة عن الحياة في الكويت، خلال حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح، حاكم الكويت العاشر، مدعومة بالوثائق والصور التي تنشر للمرة الأولى.
تتطرّق الحلقة الخامسة من الكتاب إلى نشأة أول مجلس شورى في البلاد، الذي يُعد أول مجلس منظّم للمشاركة في صنع القرار، بالإضافة إلى قصة «سنة البشوت» عام 1930 بعد أن أصدر الحاكم الشيخ أحمد الجابر قراراً بعدم لبس البشوت، لهدفين اجتماعي واقتصادي في آن، مراعاة للناس. وهو القرار الذي لقي صدى واسعاً في المجتمع، بين أغلبية مؤيدة لغاياته السامية، ومن تحفّظ عليه كون البشت رمزاً للهيبة والرجولة، وفي ذلك نظّم شاعر قصيدة أعلن فيها الالتزام بأوامر الحاكم، يقول في أحد أبياتها:
ويلزم علينا الشيخ في كل ما راد
وفي كل ما يأمر لنا تابعينه
مجلس الشورى
يقول الشيخ يوسف بن عيسى بخصوص مجلس الشورى: إنه لما توفي المرحوم الشيخ سالم المبارك، وكان حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر مبعوثاً من قبل عمه سالم للمذاكرة مع عبدالعزيز السعود بالصلح، ولا ندري ما تكون النتيجة في قبول الصلح أو عدمه، رأيت أن أكلم وجهاء البلد في طلب مجلس للمشاورة مع الحاكم في الأمور المهمة، كي لا نقع في ما وقعنا فيه من الحروب، زمن المرحوم سالم، فتكلمت مع الجماعة منفرداً بنفسي واحداً بعد واحد، فوافقوا على ذلك وبعضهم أخّر الموافقة على وصول الحاكم. ولما وصل سمو الحاكم، وعلم بالأمر لم يبد أي معارضة، واتفق الجميع على أنه إذا بدا أمر مهم للبلد، يرسل الحاكم إلى جماعته ويشاورهم بالأمر، وما اتفق عليه يُمضيه.
وتشكّل هذا المجلس من الشيبان أهل الثروة بالاختيار دون الانتخاب، وأخذ الحاكم يواصل الجلسات مع الجماعة للأمور المهمة، فكانت ثمرة هذه المشاورة ضئيلة جداً، وسببها كثرة الاختلاف في ما بين الجماعة؛ إذ إنَّ كل عضو يرى أنه هو المُصيب، ولم يرجعوا لاتباع الأكثرية، حتى إنه ورد دار الاعتماد البريطاني كتاب بإمضاء «الأمة» وقدمه المعتمد لسمو الحاكم، وعُرض على أهل المجلس، وإذا به ينتقد أهل المجلس ويرميهم بالجهل وعدم الصلاحية، وفي بعض كلامه (إنا نبرأ إلى الله من هذا المجلس الذي جمع أعضاء لم يعرفوا التمرة من الجمرة، ولم ينتخبوا من قبل الأمة).
وقد أغضب هذا النقد اللاذعُ أهل المجلس، وأخذوا يبحثون عن الكاتب، فحامت ظنونهم حول المرحوم الأستاذ عبدالعزيز الرشيد، وكادت تقوم قيامته من غضب الجماعة، وحيث إني أعرف كتابة ابن رشيد، وترجح عندي أن الكاتب هو المرحوم السيد هاشم الرفاعي، أقسمت لهم ببراءة ابن رشيد، ولم أبيّن لهم ما ترجح عندي من أن الكاتب هو السيد هاشم؛ لأنه صادق في ما كتب، وهل من العدل إن تكلم الصدق يُقَم عليه الحد؟ وبعد هذا الكتاب حصل فتور في جلسات المجلس، ولعل الحاكم رأى ما رأيت في صدق ما كتب الكاتب في الانتقاد، لأنه لم يتأثر كما تأثر أعضاء المجلس، بل لزم الصمت بتلك الجلسة، وبعد ذلك أخذت جلسات المجلس تتباطأ شيئاً فشيئاً حتى انفض المجلس بلا حل، وصار في خبر كان.
عودة للنظام السابق
يقول الأستاذ عبدالعزيز حسين: هكذا انتهت المحاولة الأولى لتكوين مجلس استشاري بالكويت والعودة إلى نظام يشبه نظام المشورة الذي كان متبعاً بين الحاكم والأهالي قبل عهد الشيخ مبارك، انتهت المحاولة بالفشل، لأنها محاولة مغلوطة من أساسها، فهي لم تكن نابعة من التقاليد والشعور التلقائي بالحاجة إلى التشاور على أساس من الانتخابات، بحيث يصل إلى المجلس مَنْ يصلحون له، ثم إن المحاولة لم تأخذ بعين الاعتبار الشوط الذي قطعته في التقدم بالنسبة لعهد ما قبل الشيخ مبارك.
وكان اختيار أعضاء المجلس على أساس جغرافي، فستة منهم اختيروا من منطقة الشرق، ومثلهم من منطقة القبلة.
سنة البشوت
في 14 يناير 1930 أمر الشيخ أحمد الجابر، بعدم لبس البشوت واستعمال العصا الباكورة والدقلة وقيل: إن هذا القرار جاء لسبب اقتصادي بسبب كساد أسواق اللؤلؤ، وقيل: إنه لأمر حضاري.
وجاء في مذكرات السيد حمد الرجيب: وبالفعل ما إن نادى الأمير بهذا الطلب حتى ترك معظم الرجال لبس البشت، ومن هؤلاء كان سلطان أمان، الذي لم يلبسه أبداً بعد ذلك، وكذلك الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، باعتباره رجل علم تركه ولبس بدلاً منه جبة فوق القفطان كما يلبس علماء الأزهر في ذلك الوقت.
أما الشيخ عبدالله الجابر فقد استبدل بالبشت الدقلة ولكن مع العصا في يده لإكمال الأناقة، ولكنه مع ذلك لم يخلع الغترة والعقال، وقد أراد أن يشجع الناس على هجر البشوت، ولكن بعض الكويتيين رفض أن يتخلى عن ارتداء البشت ومازلت أذكر احتفالاً مهيباً أقيم في قصر السيف عند الأمير، وجاء الناس عند الشيخ بدون بشوت، كان شيئاً غريباً ويحدث لأول مرة، وأتذكر جيداً الشيخ عبدالله الجابر حين حضر بدون بشته بالدقلة والعصا في يده… لكن هذه الحركة لقيت مقاومة، فقد رفض بعضهم أن يمشي بغير البشت، وبعضهم استعاض عنه بالعصا، وبعضهم أيضاً تركه لكنه عاد إليه مرة ثانية فلم يستطع أن يستمر.
وهناك فئة أصبحت لا تلبسه ولكنها تحمله معها أينما ذهبت وتضعه تحت الإبط، وكأنها تقول هآنذا لم أترك رفيقي ورفيق هيبتي.
أسباب
ويقول عبدالله الحاتم: أما القصد من وراء هذا القرار (منع لبس البشوت) فهو اجتماعي واقتصادي في آن واحد، ذلك أن تكاليف العباءة كبيرة جداً في ذلك الوقت، فمن هنا كنا نرى الفقير يرتدي عباءة سميكة في أشد أيام الصيف حرارة أو يرتدي عباءة رقيقة جداً في فصل الشتاء؛ لأنه لا يملك غيرها أو نرى بعضهم يتأبط عباءته؛ لأنها مهلهلة.
أما من الناحية الاجتماعية فإن الأهالي ينظرون إليها بتعصب كبير، فهي في رأيهم من علامات الرجولة ومتمماتها، والرجل بدونها لا مكان له في المجتمع، وينظر له باحتقار واشمئزاز. وليس هذا التعصب للعباءة مقتصراً على أهل الكويت فقط، وإنما في أكثر البلاد العربية خصوصا في البلاد النجدية، وخير تعبير لهذا التعصب هو ما يقوله أهل الكويت لأبنائهم الصغار (عشت ولبست البشت).
إلغاء القرار
ويعلق حمد السعيدان على قرار منع لبس البشوت بالقول: بعد أن كثر استنكار الناس لهذا القرار أمر الشيخ أحمد الجابر بالعودة إلى واقع الحال، لأن الناس أحرجوا بماذا يتزينون به يوم العيد، وقبع أكثر الناس في منازلهم، لأن قرار المنع جاء قبل شهر واحد من عيد الفطر، أواخر شعبان 1348هـ يناير 1930، كما أنه صادف الشتاء البارد.
أعضاء مجلس الشورى الذي لم يستمر
يقول الشيخ عبدالعزيز الرشيد في إبان مبايعة الكويتيين سمو الأمير الشيخ أحمد الجابر: أفسح لهم المجال بتأسيس مجلس ينظر في شؤون البلد ومصالحها، ليكون عوناً له في إدارة الأمور والأحكام، وعاهدهم ألا يبت بأمر مهم إلا بتصديق المجلس عليه.
وقد تأسس فعلاً وانتخب له (يذكر الشيخ يوسف بن عيسى أنه اختيار وليس انتخاباً) الفاضل حمد آل الصقر رئيساً، وهؤلاء الفضلاء الأعضاء هم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، أحمد الفهد آل خالد، السيد عبدالرحمن النقيب، مشعان الخضير، أحمد الحميضي، مرزوق الداود آل بدر، شملان بن علي بن سيف، هلال المطيري، إبراهيم بن مضف، خليفة بن شاهين آل غانم، وكاتب السطور (عبدالعزيز الرشيد). ولكن المؤسف المحزن أن هذا المخلوق الصغير كان قصير العمر جداً، فإنه ما كاد يحبو حتى زهقت روحه وألحد في قبره.
الشباب تحمّس لقرار منع البشت
تناول حمد الرجيب موضوع منع لبس البشت، وقال: الشباب الكويتي في ذلك الوقت تحمس لفكرة أميره والهدف من إلغاء البشوت، ووصلت الحماسة لدرجة أن حدث اعتداء على مَنْ يلبس البشت، وصار بعض الناس يقطع البشت من الخلف بسكين اعتراضاً على لابسه، هذه الأحداث أدت إلى وجود حوادث لم يعرفها المجمع تتعلق باعتداءات على لابسي البشوت.
وما إن وصل الأمر لهذا الحد، حتى اضطر الأمير أن يعلن بعدم التعرّض لأحد من لابسي البشوت، وتساهل في الأمر، فطالب بالحرية أن يلبس المواطن أو لا يلبس ما دام الأمر وصل إلى هذا الحد، وانحرفت الأمور عن مسارها الطبيعي، وعاد الناس للبس البشت مرة أخرى وكان الشيخ عبدالله الجابر قد عاد للبشت ولم يستمر في لبس بدلته وإمساك عصاه… و«قط البشوت» أراده الأمير علاجاً لمسألة اقتصادية، لكن الشباب جعله أمراً أميرياً لا تجب مخالفته ولابد من تنفيذه.
قصيدة البشوت
قال الشاعر إبراهيم الخالد الديحاني قصيدة في موضوع البشوت وقرار منع لبسها، فقال:
يا رب صبرني على كل ما كاد
وانظر الوقت مدبرات سنينه
والطف بحال حل فيها التنكاد
بين عليها شي مستنكرينه
دشيت لم السوق كجاري العاد
مستأنس للشي ما صار بينه
واللاي أشوف اللون في ناس أفراد
في دقلة والخيزرانة بيمينه
قلت السبب-هل كيف تمشون لا عاد
بشت یذريكم عن البرد وينه
قالوا تسمع لا عدمناك يا واد
عصر جدید وتونا داخلينه
وقفيت أرد الراي باليوم ترداد
وظليت هايم والقضية كنينه
من يوم حكيات المدارس مع الناد
وشفت المواتر مشيها في مكينه
وبان الچويت وهبت الناس به عاد
وشفت الكلام محرف عن يقينه
وقالوا على «المودات» والعلم يزداد
عرفت أن البشت چد حل حينه
من يوم قالوا ذبة البشت تنراد
وشفت العرب في ذبهم مشتهينه
عيا يجودني مع الناس مقعاد
متحسف والعين مني حزينه
عفت القراح وعيت النفس للزاد
ونقلت هم يالربع ما استهينه
اتم طول الليل في ضد رقاد
ومن الملل صغت القوافي الحزينة
أدري من البصرة إلى حد بغداد
والهند والنيبار وأهل المدينه
ذولاك من عهد شداد بن عاد
أحد (سداره) والبقايا بفينه
وماني ملزوم على الناس نقاد
موسى بدينه والمسيحي بدينه
علي من نفسي ولاني بنشاد
كيف الحول يا اهل العقول الرزينه
هل كيف اذب البشت من غير معتاد
ما شوفها ذربة ولا هي بزينه
لاني بهندي وبقول واشعاد
ولاني بعجمي وافتهم للرطينه
فالي التفت وشفت في بعض الأجواد
بالكوت والسروال تومي ايدينه
يمشي بملبوس من البرد ما فاد
کنه اطوير يالربع ناتفينه
عجزت أقود النفس هل كيف تنقاد
مثل الخريش ان وديت للسفينه
إن كان هذي (هرجة) الشيخ بوكاد
ولزم وحط المسألة في يقينه
ملزوم تتبع قبلته حق واسناد
وما داس راسه شیخنا دایسینه
ويلزم علينا الشيخ في كل ماراد
وفي كل ما يأمر لنا تابعينه
أبو لنا بالعون وحنا له أولاد
ومن طاع ما به شك الله يعينه
وصلاة ربي كل ما طق حداد
على نبي جالي الشرك دينه
 
				 
					
