اخبار الكويت

وزيرة خارجية سلوفينيا لـ الجريدة•: ما يحدث في غزة إبادة جماعية ومجاعة من صنع الإنسان

وسط تصاعد التوترات الإقليمية، وما يشهده قطاع غزة من مأساة إنسانية تصفها العديد من الأصوات الدولية بأنها «إبادة جماعية» بحق الشعب الفلسطيني، أكدت نائبة رئيس الوزراء وزيرة الخارجية والشؤون الأوروبية في جمهورية سلوفينيا تانيا فايون موقف بلادها الثابت من القانون الدولي، وأهمية الشراكة مع الكويت في مجالات السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والأمن. وفي حوار خصّت به «الجريدة» خلال زيارتها الأولى للكويت، للمشاركة في المنتدى الأمني الوزاري الخليجي – الأوروبي، وفي اجتماع الدورة الـ29 للمجلس الوزاري المشترك بين الجانبين، جدّدت فايون، التي التقت مسؤولين كويتيين وممثلين عن الجالية السلوفينية، التأكيد على موقف بلادها الثابت من القانون الدولي. وتحدثت فايون، وهي أول امرأة تتولى حقيبة الخارجية في سلوفينيا، بوضوح وشجاعة، مشددة على أن ما يجري في غزة «يتجاوز حدود الصمت الدولي، ويمثل مجاعة من صنع الإنسان، وانتهاكاً صارخاً لكل القيم الإنسانية والقانونية». فايون، التي تُعد من الأصوات الأوروبية القليلة التي وصفت علناً ما تقوم به إسرائيل في غزة بـ»الإبادة الجماعية»، أكدت في حديثها أهمية التحرك الدولي، ودور دول الخليج، وعلى رأسها الكويت، في الدفع نحو وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، واستعادة البوصلة الأخلاقية للمجتمع الدولي… وفيما يلي نص الحوار:

• كيف تصفين مستوى العلاقات الثنائية الحالي بين سلوفينيا والكويت، وما هي أكثر المجالات الواعدة للتعاون؟

– إنها زيارتي الأولى إلى الكويت، رغم أنني حظيت بعدة فرص للحديث مع نظيري الكويتي عبدالله اليحيا أخيراً في نيويورك. تتمتع سلوفينيا والكويت تقليدياً بعلاقات جيدة، وبعلاقات دبلوماسية ودية منذ عام 1994.

كانت لدينا بعض التبادلات الجيدة في الماضي في مجالات التعاون المتعلقة بالقطاع الطبي والصحي، كذلك التعليم والجامعات والرياضة، وآمل، مع وجود إمكانات متنامية، أن نتمكن من تحقيق المزيد لتعزيز تعاوننا السياسي والاقتصادي، وأيضاً من خلال بعض الاستثمارات، والأهم أن نتعرف على بعضنا بعضاً بشكل أفضل.

أثمّن جهود الكويت من أجل السلام… وسلوفينيا مستعدة لتعزيز التعاون مع دول الخليج

وآمل أن أرى زميلي وزير الخارجية الكويتي يزور سلوفينيا، وأن يكون هناك تفاعل أكبر على المستوى السياسي الرفيع، وكذلك على المستوى التجاري. وأنا جدّدت الدعوة بالفعل للوزير اليحيا خلال لقائي به أمس.

• ما هي أولويات سلوفينيا لتعزيز الشراكة مع الكويت في السنوات القادمة؟

– لقد عقدت اجتماعاً رائعاً جداً مع ممثلين عن الجالية السلوفينية الصغيرة جداً هنا في الكويت، وهم في معظمهم من الشباب، من رواد الأعمال، أو من مجالي الرياضة أو الصحة. وأعتقد أن هذه أمثلة جيدة يمكن من خلالها تعزيز التعاون بين بلدينا. علمت أن الكثير من الرياضيين الكويتيين يأتون إلى سلوفينيا للتدريب، لذلك ربما ينبغي تعزيز مجالات الرياضة والتعليم والسياحة، وربما علينا تحسين الربط الجوي بين بلدينا.

لكن سلوفينيا بلد صغير، ونحن نركز كثيراً على العلوم والابتكار والطاقة أيضاً. نحن دولة نظيفة وآمنة جداً، لذلك نعمل كذلك في مجالات المياه النظيفة والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي.

دعوت اليحيا لزيارة سلوفينيا… ونأمل فتح خطوط جوية مباشرة قريباً

نحن حالياً عضو في وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) ومنظمة CERN، لذلك نحن ندعم الشركات الصغيرة المبتكرة والمتخصصة. كما أرى الكثير من الفرص التي يمكننا من خلالها العمل يداً بيد، مثلاً في مجال الصناعات الدوائية أو القطاع الصحي، وهو مجال لدينا فيه خبرة جيدة سابقة.

التعاون الاقتصادي

• كيف ترين فرص تعزيز التعاون الاقتصادي بين بلدكم والكويت، خصوصاً في مجالي الاستثمار والتجارة؟

– أعتقد أن هناك إمكانات كبيرة جداً، فلدينا اهتمام بالابتكار والرغبة في التوسع. التجارة بين البلدين لا تزال محدودة، ولكن شركاتنا موجودة في الكويت والعكس صحيح، ومع ذلك أعتقد أن هناك فرصاً أكبر.

وبالإضافة إلى مجالات العلوم والابتكار والذكاء الاصطناعي والصناعات الدوائية، فإن الطاقة أيضاً أحد المجالات التي نبني فيها كثيراً على خبراتنا في الطاقة المتجددة. نحن من الدول النادرة التي تضم في دستورها نصاً يجعل المياه حقاً أساسياً لكل مواطن. وهذا أمر طورنا فيه خبرتنا في حماية البيئة وبناء مشاريع الطاقة المتجددة، وبالعلم والتكنولوجيا يمكننا مشاركة خبراتنا وتجاربنا ودعم الكويت في هذا المجال من الطاقة المتجددة، ويمكننا الجمع بين أفضل ما لدى الجانبين.

• بالحديث عن الدفاع والأمن، هل هناك مجالات محتملة للتعاون بين الكويت وسلوفينيا في الدفاع والأمن أو في تبادل الخبرات العسكرية أو التدريبات؟

– نحن نعيش في عالم معقد وصعب جداً، نظراً إلى الجغرافيا السياسية وعدد النزاعات المسلحة في أنحاء العالم. في سلوفينيا نحن متأثرون بشدة، مثل أوروبا بأكملها، بالحرب الروسية على أوكرانيا، وكذلك الوضع في الشرق الأوسط. يجب أن نوقف الحرب الدموية في غزة.

سلوفينيا نشطة جداً في حماية القانون الدولي والقانون الإنساني وميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، ونحن حالياً عضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

نحن بلد صغير لكنه قوي في الابتكار والذكاء الاصطناعي ولدينا فرص استثمارية واعدة

لذلك نعمل مع الكويت عن كثب لحماية القانون الدولي، ووقف الحروب، وحماية المدنيين، وأيضاً عندما نتحدث عن صناعة الدفاع، فإن الأمن يعد حالياً أحد أهم الاهتمامات. وأعتقد هنا أنه بما أن الكويت تعمل أيضاً بشكل وثيق مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وسلوفينيا عضو في الحلف، فيمكننا بالتأكيد إيجاد طرق للتعاون أيضاً في المناقشات الجارية داخل الحلف حول زيادة الميزانيات وتعزيز القدرة الدفاعية.

لذا أرى أن الأمن من أبرز القضايا المهمة بالنسبة للأوروبيين وكذلك لمنطقتكم، حيث يمكننا التعاون، ولكن عندما نتحدث عن الأمن، فإننا نعني وقف الحروب ومنعها وحماية المدنيين.

• هل هناك مبادرات ثقافية أو تعليمية يمكن تطويرها بين البلدين لتعزيز التبادل الثقافي والشبابي؟

– أنا موسيقية في الأصل، وأتحدر من عائلة موسيقية، وأشعر دائماً أنه عندما تفشل السياسة، فالثقافة قادرة على الوصل. وهذا مجال علينا دائماً أن نبحث فيه عن سبل الجمع بين الثقافات وربط الناس من خلال الفن، لأن الموسيقى والفن يتحدثان عندما تعجز الكلمات. وهذه وسيلة قوية جداً لربط الناس بعضهم ببعض.

نحن مع حل الدولتين… ولا يمكن تحقيق أمن الإسرائيليين والفلسطينيين إلا بالعدل والمساواة

نعم، أرغب في رؤية مزيد من التفاعل الثقافي، وكذلك في مجالات التعليم والرياضة. ولدينا في سلوفينيا أفضل السفراء في مجالات الثقافة والموسيقى والرياضة، وهم أفضل سفراء لبلدنا. فلماذا لا نعزز هذه الروابط ونبني مزيداً من التواصل بين الشعوب في المستقبل؟ إنها جسر رائع لربط الناس، إنه أفضل جسر.

وأنا متأكدة من أن الكويت تمتلك أيضاً أفضل السفراء، سواء في الثقافة أو الرياضة أو الموسيقى، لذلك علينا جمعهم معاً.

• كيف تقيمون الوضع الإقليمي الحالي في الشرق الأوسط؟ وما الدور الذي يمكن أن تلعبه أوروبا بالتعاون مع الكويت ودول الخليج لتحقيق الاستقرار؟

– أنا أحيي كل الجهود التي تبذلها الكويت ودول الخليج من أجل السلام والاستقرار في المنطقة وإنهاء الحرب في غزة. سلوفينيا العام الماضي اعترفت بالدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، وحاولنا إقناع شركائنا والمجتمع الدولي بأن للفلسطينيين الحق في دولتهم. ونحن لا ندين فقط، بل نستنكر بشدة انتهاكات القانون الدولي والإنساني، وأعمال الإبادة الجماعية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في غزة.

نحن ندعو الحكومات إلى إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار فوراً، ونثمن الاتفاق الأخير الذي طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية، وآمل أن تكون هذه نافذة فرصة لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى، وتقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة، وأيضاً لمناقشة جادة للمسار المستقبلي.

نحن نرى أن حل الدولتين هو الضمان الوحيد لأمن الإسرائيليين والفلسطينيين جنباً إلى جنب ولا يمكن تحقيق ذلك الا بالعدل والمساواة. وفي النهاية، ككائنات بشرية، ونحن نشاهد هذه الجرائم المروعة وفقدان الأرواح، يصبح من واجبنا الأخلاقي والإنساني أن نتحرك.

وقد قلت أخيراً في نيويورك إن المجتمع الدولي بأسره قد فشل في اختبار الإنسانية، لذلك علينا أن نتحرك ونوقف هذه الحرب.

الإبادة الجماعية

• إنه أمر جريء أن تصفي ما يحدث في غزة بالإبادة الجماعية، فالقليل يجرؤون على قولها، لكنك فعلتِ!

– بصراحة، من وجهة نظري الشخصية، لا تحتاج لأن تكون محامياً لتدرك كم من الأرواح البريئة أُزهقت. وأخيراً تلقينا رأياً من لجنة أممية مستقلة أقرت بالهجمات وبالإبادة، كما أعلنت أيضاً رسمياً وجود مجاعة.

نعمل مع الكويت لحماية القانون الدولي… والأمن يبدأ من وقف الحروب وحماية المدنيين

وهذه المجاعة من صنع الإنسان، وتسببت بفقدان أطفال لمستقبلهم ولحياتهم. وأعتقد أنه من المهم أن نقول الحقيقة، حتى لو لم توقف الحرب على الأرض، لكن على الأقل لندرك خطورة الموقف ونتحمل المسؤولية لوقفها.

• ما هو منظور سلوفينيا تجاه التطورات الدولية الحالية، خصوصاً التوتر بين القوى الكبرى وتأثيراته على المنطقة؟

– بعد أسبوع فقط من أسبوع الأمم المتحدة رفيع المستوى، حيث انشغلنا جميعاً بالنزاعات المسلحة الدائرة، خصوصاً في الشرق الأوسط وغزة، أود أن أقول إن على العالم والمجتمع الدولي، وكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ونحن نحتفل بالذكرى الثمانين لتأسيس هذه المنظمة الأممية، أن نجدد التزامنا بالقيم المشتركة للقانون الدولي والإنساني.

نحن بحاجة إلى أدوات فعالة، ونظام متعدد الأطراف فعّال، ومنظومة أمم متحدة فعالة، لتحقيق مهمتها الأساسية، وهي ضمان الأمن والاستقرار حول العالم.

على جميع قادة العالم أن يجددوا التزامهم بقيم القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهذه رسالتي من سلوفينيا: لا يوجد بديل، نحن لسنا دولة تبدأ أو تنهي الحروب، لكننا دولة تحمي القانون الدولي.

• بالحديث عن الجسور بين الشعوب، هل من الممكن أن نشهد تسيير رحلات جوية مباشرة بين بلدينا؟

– أتمنى ذلك، لأنني سافرت طوال الليل وكان الأمر مرهقاً جداً. بالتأكيد سيساهم ذلك في تعزيز التواصل بين الشعوب. وأتمنى أن نعمل في هذا الاتجاه، وأنا دائماً أقترح ذلك على الجانبين، في سلوفينيا وعلى شركائنا في الكويت. وآمل أن نرى ذلك في المستقبل.

ولكن حتى الآن، لا أرى شيئاً ملموساً على الطاولة.

• ما هي رسالتك للمستثمرين والسياح الكويتيين؟

– سلوفينيا بلد جذاب جداً للمستثمرين الأجانب، لأن لدينا قوة عاملة عالية الجودة، ونحن بلد ذو موقع جغرافي ممتاز. لدينا ميناء كوبر، وهو الميناء الأدرياتيكي الشمالي الأهم، وهو المدخل الرئيسي لأسواق وسط وشرق أوروبا والبلقان. ولدينا مسافات قصيرة جداً داخل البلاد.

سلوفينيا دولة نظيفة وآمنة… ووجهة صحية وسياحية مميزة للكويتيين

لذلك فهي وجهة جذابة وموقع مركزي جغرافياً للمستثمرين. وكما ذكرت سابقاً، لدينا مركز للذكاء الاصطناعي تحت مظلة اليونسكو. ولدينا محفظة قوية في العلوم والابتكار وشركات ناشئة مبتكرة جداً ومنتجات صغيرة متخصصة تُطرح في الأسواق، وأعتقد أنه في هذه المجالات المتخصصة الصغيرة يمكن إيجاد فرص كبيرة.

أما فيما يتعلّق بالسياحة، فأعتقد أن الرعاية الصحية والمنتجعات الصحية التي نشتهر بها مجال يعشقه الناس في الكويت. لدينا طبيعة خلابة، ونحن من بين أكثر عشر دول أماناً في العالم، وكوجهة، أعتقد أننا كجوهرة مخفية بانتظار من يكتشفها.

لدينا كذلك سياحة المؤتمرات، ولدينا طعام جيد وننتج كل شيء محلياً. ولدينا الكثير من الأنشطة الرياضية.

النساء يصنعن القرار… ونقطة على السطر

رافق الوزيرة فايون وفد نسائي، تتقدمهن سفيرة سلوفينيا غير المقيمة في الكويت، نتاليا المنصور.

وضمّ الوفد كلاً من: ماتيا نورتشيتش شتانسار، مدير السياسات في وزارة الخارجية، وأورشكا بوتوتشنيك سيرونيتش، مديرة مكتب الوزيرة، ومايا ماستناك، مديرة العلاقات العامة في وزارة الخارجية.

وبسؤالها عن هذه اللفتة، قالت فايون: «على النساء أن يبذلن جهداً أكبر للوصول إلى المناصب العليا مقارنةً بالرجال»، مشيرة إلى أن «إشراك المزيد من النساء في عملية صنع القرار هو حلمي الذي أسعى لتحقيقه… فمكاننا هو مكاننا في عملية صنع القرار، ونقطة على السطر».

شكر خاص للسفيرة المنصور

«الجريدة» تتقدّم بالشكر الجزيل الى سفيرة سلوفينيا غير المقيمة في الكويت نتاليا المنصور، التي تابعت سير إجراء المقابلة من مقر اقامتها في أبوظبي حتى إجراء المقابلة مع الوزيرة.