وكالة الطاقة الذرية تعثر على ألغام في محطة زابوريجيا النووية

مسيّرات أوكرانيا مجدداً في سماء موسكو وتضيف تحديات أمنية وسياسية
لم يكن غريباً أن يأتي هجوم المسيّرات الأوكرانية على منشآت في شبه جزيرة القرم ومواقع حساسة في العاصمة الروسية متزامناً تقريباً. الأوساط الروسية رأت في تصعيد «حرب المسيّرات» من جانب أوكرانيا رداً على تعثر الهجوم المضاد على الجبهات، ومحاولة للفت الأنظار عن الخسائر المتزايدة للجيش الأوكراني، كما تقول وزارة الدفاع الروسية. لكن في مقابل الإقرار بأن استهداف شبه جزيرة القرم بات يتخذ منحى تصاعدياً مؤثراً، فإن الهجمات المتجددة على موسكو أثارت تساؤلات كثيرة، خصوصاً حول أهدافها السياسية في ظل ضعف القدرات التدميرية للمسيّرات، وغياب المعطيات العلنية حول منشأ الطائرات المستخدمة وأماكن إطلاقها.
وأفادت وزارة الدفاع الروسية، في بيان صباح الاثنين، بأن دفاعاتها الجوية أحبطت محاولة تنفيذ هجوم بطائرتين مسيّرتين على مبنيين في العاصمة الروسية. وأقر عمدة موسكو سيرغي سوبيانين، بأن طائرتين مسيرتين استهدفتا في حوالي الرابعة فجراً، منشأتين غير سكنيتين في المدينة من دون أن يسفر الاعتداء عن أضرار كبيرة أو إصابات. وزاد أن وسائل الحرب الإلكترونية نجحت في إحباط الهجوم وإسقاط مسيّرتين.
ما بات معلوماً لاحقاً يشير إلى أن إحدى المسيّرتين استهدفت مركز أعمال في جنوب موسكو، بينما تم العثور على حطام المسيّرة الثانية في شارع كومسومولسكي الواقع في قلب العاصمة على بعد 2 كيلومتر فقط من الكرملين. وعلى الفور تم حظر حركة المرور على طول الشارعين لـ«ضرورات أمنية»، كما زاد البيان.
لكن ما كشفت عنه لاحقاً وسائل إعلام روسية أضاف مزيداً من التساؤلات حول طبيعة الهجوم، إذ تبيّن أن المسيّرة الثانية ضربت بشكل مباشر مبنى ضمن مجمع وزارة الدفاع الروسية، وألحقت به بعض الأضرار.
ردات الفعل الروسية لم تتأخر، إذ أعلن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، عن إسقاط «جميع المسيّرات التي حاولت الهجوم على موسكو اليوم». وقال إن هذه المحاولات «لن تعطّل العملية العسكرية الروسية التي سوف تحقق كافة أهدافها في أوكرانيا».
وفي جواب على سؤال الصحافيين، حول ما إذا كان قد تم اتخاذ إجراءات جديدة وتعزيز الدفاعات الجوية التي تحمي موسكو، قال إن هذا السؤال يجب أن يوجه إلى وزارة الدفاع لأنها صاحبة الشأن، مؤكداً أن الدفاعات الجوية أسقطت المسيّرات و«يتم الآن اتخاذ إجراءات في هذا الصدد»، مشيراً إلى أن «كل من يشارك في ضمان أمن البلاد في حالة تأهب تام، والجميع يتخذون الإجراءات المناسبة».
وأقر بيسكوف بأنه «في الأيام الأخيرة ازدادت محاولات مهاجمة مناطقنا بطائرات بدون طيار، لذلك يتم اتخاذ التدابير اللازمة، ويستمر العمل المكثف يومياً على مدار الساعة».
حجم القلق… وأسئلة
عكست تصريحات الناطق الرئاسي، وطبيعة الأسئلة التي وجهها الصحافيون خلال إفادته اليومية، حجم القلق الذي انتشر لدى بعض الأوساط الروسية بسبب تجدد استهداف العاصمة الروسية، ووصول بعض المسيّرات إلى مناطق ومنشآت حساسة.
أبرز الأسئلة التي برزت، يتعلق بمدى إخفاق أنظمة الدفاع الجوي الروسية، التي وإن كانت «نجحت في مواجهة الهجوم»، لكن ذلك لم يمنع من وصول المسيّرتين إلى هدفيهما مباشرة. ما يفتح على سؤال تردد كثيراً في الأشهر الماضية، حول عدم استعداد أنظمة الإنذار المبكر لمواجهة سلاح المسيّرات، وعدم القدرة على التحرك سريعاً لمنع وصولها إلى أهدافها.
يقول بعض الخبراء الروس، إن المشكلة الحقيقية تكمن ليس في القدرة التدميرية للمسيّرات التي استهدفت موسكو، لكن في الأبعاد السياسية الرمزية، والأمنية بالدرجة الأولى.
لجهة البعد السياسي الرمزي، فإن استهداف الكرملين في بداية شهر مايو (أيار) الماضي أثار دهشة الروس، وفاقم مخاوفهم من وصول الحرب إلى داخل أي مدينة وقرية طالما نجح العدو في الوصول إلى الكرملين. لكن تكرار الهجمات على موسكو لاحقاً، سبب حالة من «كسر الحاجز النفسي»، بمعنى أن القوات الأوكرانية باتت أكثر ثقة بقدرتها على استهداف منشآت حساسة في مناطق تبعد كثيراً عن خطوط التماس. وهنا يبرز السؤال الثاني المتعلق بالقدرة التدميرية: ماذا لو نجحت كييف في تزويد مسيّراتها بحشوات ذات قدرات تدميرية عالية؟ كيف سيكون الحال لو وقعت هذه المسيّرات في ساحات موسكو، أو استهدفت منشآت عسكرية حساسة؟
حتى الآن كانت الأهداف الموجعة جزئياً للروس تتمثل في مخازن الوقود ومستودعات الذخيرة في مناطق قريبة من الحدود، لكن تكرار هجمات موسكو يفتح على أسئلة صعبة بالنسبة إلى الروس.
النقطة الثانية التي تثير تساؤلات، تتعلق بمواقع انطلاق هذه الهجمات. اللافت هنا أن المسافة بين وسط موسكو ومدينة خاركيف مثلاً التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية تزيد على 750 كيلومتراً، ما يعني استحالة وصول المسيّرات التي تملكها أوكرانيا، والتي يبلغ مدى تحركها، وفقاً لخبراء، نحو 450 كيلو متراً، إلى أهدافها إذا كانت انطلقت من داخل أراضي أوكرانيا.
يفتح هذا على تحدٍ كبير أمام موسكو لمعرفة المناطق التي تنطلق منها المسيّرات، التي قد تكون داخل الأراضي الروسية، ما يعني أن مجموعات «الفيلق الروسي» التي تنشط بدعم استخباراتي أوكراني وغربي باتت لديها قدرات متزايدة داخل العمق الروسي.
اللافت هنا أيضاً أن موسكو لم تعلن عن منشأ المسيّرات التي تستخدمها كييف للهجوم على الأراضي الروسية.
في هذا الصدد، وللمقارنة، فإن استهداف شبه جزيرة القرم، يبدو أسهل بكثير من استهداف العمق الروسي. لذلك صعدت كييف من هجماتها المكثفة على شبه الجزيرة. وفي مقابل مسيّرتين هاجمتا موسكو، فإن 17 مسيّرة أوكرانية هاجمت القرم في الوقت نفسه تقريباً.
وأفادت وزارة الدفاع بأنه تم إسقاط 14 مسيّرة بواسطة وسائل الحرب الإلكترونية، منها 11 مسيّرة تحطمت في البحر الأسود، وسقطت 3 طائرات أخرى في أراضي شبه الجزيرة.
ووفقاً لحاكم القرم سيرغي أكسيونوف، فإن إحدى المسيّرات استهدفت مخزناً للذخائر في منطقة دجانكويسك في شبه الجزيرة.
من الطبيعي أن القرم تعد هدفاً أساسياً للعمليات الأوكرانية، بمعنى أن الهجوم عليها لا يقتصر على البعدين النفسي والسياسي. لذلك كان ملاحظاً في الفترة الأخيرة أن أوكرانيا باتت توجه ضربات محددة ودقيقة تقريباً على منشآت عسكرية وتقنية، ومستودعات للوقود ومخازن السلاح ومطارات، فضلاً عن جسر القرم، الذي يعني استهدافه قطع طرق الإمداد لشبه الجزيرة أو جعلها أكثر صعوبة. وأيضاً منشآت أخرى عديدة يمثل الهجوم عليها جزءاً من الهجوم الأوكراني المضاد.
في كل الأحوال، يبدو تزامن التصعيد في شبه جزيرة القرم مرتبطاً بتكرار الهجمات على مدن في قلب روسيا، بينها العاصمة وسان بطرسبورغ. ولا يخفي ذلك مسؤولون أوكرانيون، بينهم وزير الدفاع، الذي تحدث في وقت سابق عن أهمية إقامة ما وصفه بـ«توازن الرعب»، بمعنى أن يشعر المواطن الروسي في المناطق المختلفة بأنه ليس بمنأى عن تأثيرات الحرب الجارية.
كما أن تصعيد الهجمات المركزة على شبه جزيرة القرم، وإضافة أهداف جديدة في موسكو، بديا أنهما مرتبطان بالهجمات القوية التي شنتها موسكو على منشآت حيوية في أوديسا ومناطق أخرى في أوكرانيا.
لذلك كان من الطبيعي أن ترتفع حدة لهجة المسؤولين الروس في التعامل مع التطور.
ووصفت وزارة الخارجية الروسية «محاولة نظام كييف» شن هجوم بالطائرات المسيّرة على أهداف في موسكو، بأنه «عمل إرهابي دولي»، في حين حث دميتري مدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، وزارة الدفاع، على «ضرب أهداف غير متوقعة في أوكرانيا»، رداً على استهداف قوات كييف مواقع داخل روسيا. وقال المسؤول الذي يروج لنظرية الضربة الساحقة باستخدام كل الوسائل المتاحة، بما فيها الأسلحة النووية التكتيكية، إنه «نظراً لفشل هجومهم المضاد، يلجأ النازيون وبشكل متزايد إلى شن ضربات دنيئة ضد أهداف سلمية ومدنية. ويختارون بشكل متزايد أهدافاً سلمية لهجماتهم الحقيرة، ويجب على الجميع أن يكونوا مستعدين لذلك».
وشدد مدفيديف على «ضرورة اختيار أهداف غير عادية للضربات الروسية، لا تقتصر فقط على مواقع التخزين ومراكز الطاقة ومحطات الوقود، بل تشمل أيضاً أماكن أخرى لا يتوقعونها بما يحدث تداعيات وتأثيراً كبيراً للغاية عليهم».