اخبار المغرب

ابتكارات وأوسمة دولية .. مسار البروفيسور المغربي رزيق يبهر روسيا

في قلب مدينة خنيفرة بين جبال الأطلس المتوسط، وُلد البروفيسور المغربي سعيد رزيق، الأخصائي في تشخيص وعلاج أمراض الشبكية والعصب البصري، في سنة 1974، قبل أن يحمل اسمه لاحقا إلى قاعة المؤتمرات العلمية في روسيا وإلى أروقة أشهر مستشفياتها، راسما بذلك قصة نجاح مغربي بعدما صار مرجعا في طب جراحة العيون، يقصده الأطباء المتدربون من شتى المدن والبلدان ليستفيدوا من خبرته التي صقلتها بعد سنوات طويلة من الدراسة والعمل في روسيا.

حصل رزيق على شهادة البكالوريا في شعبة العلوم التجريبية بمسقط رأسه في سنة 1993، قبل أن يقرر الالتحاق بشقيقه الذي كان يدرس الطب هو الآخر في ألمانيا، لينتقل بعدها إلى الرباط لتعلم اللغة الألمانية أولا في معهد “غوته” الشهير بالعاصمة استعدادا للسفر إلى برلين؛ وهو المعهد الذي لم يمض فيه أكثر من شهرين قبل أن ترسم له الحياة مسارا آخر لم يكن يتوقعه بعد أن غيّر مجرد توقف له بدافع الفضول أمام البيت الثقافي الروسي مجرى حياته بالكامل.

وعن هذه الفترة، قال البروفيسور سعيد رزيق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “بعد حصولي على شهادة البكالوريا كنت عازما على استكمال دراسة الطب في ألمانيا، وفعلا تسجلت في المعهد الألماني لتعلم لغة هذا البلد؛ إلا أن الأقدار قادتني يوما إلى أمام البيت الثقافي الروسي الذي دخلته بدافع الفضول، وخرجت منه عازما على تغيير الوجهة من برلين إلى موسكو، وهو الاختيار الذي أقنعت به والدي لأقرر بعدها مباشرة التوجه نحو روسيا”.

وصل الشاب المغربي آنذاك إلى موسكو في السابع من دجنبر من العام 1993، وهو يحمل في ذهنه أحلاما وآمالا كبيرة، ليجد نفسه في قلب عاصفة تاريخية عميقة إذ كانت روسيا تعيش حينها زمنا سياسيا واقتصاديا عصيبا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، حتى بدا له في لحظة من اللحظات أن المستقبل في “أرض القياصرة” يبدو ضبابيا وغامضا؛ غير أنه لم تكن هناك أية فرصة للتراجع فذلك كان في النهاية قراره.

أمضى رزيق سنته الأولى في روسيا التي كانت بمثابة سنة تحضيرية تعلم خلالها اللغة الروسية التي لم يكن يفقه فيها شيئا، قبل أن يلتحق بأكاديمية موسكو الطبية (التي درس فيها لمدة ست سنوات كاملة تخرج منها طبيبا عاما، ليقرر بعدها التخصص في طب جراحة العيون حيث أمضى خمس سنوات أخرى تُوجها بالحصول على دبلوم “مرشح العلوم” (PhD) بعدما أنجز أبحاثا مهمة حول أمراض شبكية العين واكتشف طرقا جديدة لإجراء عمليات جراحية ما زالت مسجلة باسمه.

في سنة 2005، حصل على صفة مستشار بقسم أمراض العيون في المستشفى الرئيسي لوزارة الداخلية الروسية، على الرغم من أنه لم يكن حاصلا على جنسية هذا البلد حينها؛ لكن وزير الداخلية آنذاك رشيد نوريجمانوفيتش نورغالييف أعطاه تصريحا خاصا لشغل هذا المنصب الذي كان حكرا على الروس، قبل أن يحصل لاحقا على الجنسية.

وبعد أن قام بمعادلة شواهده الروسية في دولة قبرص التي كان متزوجا من إحدى مواطناتها التي تشتغل هي الأخرى طبيبة، وحصل على شهادة تخوله ممارسة مهنة الطب داخل الاتحاد الأوروبي، بدأ خريج “معهد هيلمهولتز لأبحاث أمراض العيون”، في إقناع زوجته للعودة إلى المغرب من أجل الاستقرار هناك. وبالفعل، عادا الزوجان إلى المملكة آملين في بداية حياة جديدة هناك.

عاد الطبيب المغربي إلى وطنه محملا بخبرة عميقة وأبحاثا علمية معمقة تزيد عن عشرين دراسة علمية وثلاث براءات اختراع في مجال طب العيون؛ أهمها براءة تتعلق بطريقة علاج انفصال الشبكية دون تمزقات، وطريقة التنبؤ بعودة انفصال الشبكية، وبطموح كبير في المساهمة في تطوير الطب وطب العيون على وجه الخصوص في بلاده، لكنه اصطدم بواقع صادم حين فرضت عليه وزارة التعليم العالي ضرورة اجتياز تدريب إضافي لمدة سنتين للحصول على شهادة أهلية لمزاولة المهنة في بلده.

قال رزيق إن “هذا القرار نزل عليّ كالصاعقة، خاصة بعدما نجحت في إقناع زوجتي بالعودة إلى المغرب، قبل أن تخبرني وزارة التعليم أن علي اجتياز تدريب لمدة سنتين لمزاولة الطب في المغرب، متجاهلة أبحاثي العلمية وحصولي على شهادة تؤهلني لمزاولة المهنة داخل أي بلد من بلدان الاتحاد الأوروبي، قبل أن أجد نفسي مضطرا إلى العودة مجددا إلى روسيا تاركا خلفي حلم خدمة وطني، رغم أن صلتي ببلدي لم تنقطع يوما”.

وحصل المتحدث ذاته، الذي يشغل حاليا منصب رئيس قسم جراحة العيون بمستشفى “بوليمب” بموسكو، على 5 أوسمة مرموقة نالها اعترافا بمساهماته البارزة في تطوير طب العيون في روسيا؛ أبرزها وسام الاستحقاق الطبي من قبل وزارة الصحة الروسية تكريما له على ابتكاراته وأبحاثه في مجال انقلاع الشبكية، ووسام استحقاق آخر مُنح له من لدن وزارة الداخلية عرفانا بإسهاماته في تطوير الخدمات الطبية المتخصصة، إلى جانب وسام من اتحاد المهاجرين في روسيا.

لم تكن هذه الأوسمة مجرد زخارف تزين صدره، بل شهادات حية على رحلة مهنية عبرت حدود المغرب إلى روسيا، فعلى الرغم من المسافات أكد البروفيسور رزيق أن قلبه سيظل نابضا بحب وطنه الأم، متشبثا بجذوره ومخلصا لأبناء بلده الذين تدرب عدد منهم في مختبره ويحرص على نقل معارفه إليهم، وفي الوقت ذاته لا ينسى فضل روسيا التي احتضنته وفتحت له أبواب العلم وفرص التعلم.