اخبار المغرب

الجالية المغربية “صامتة سياسيا” .. لا تصوّت ولا تترشّح في أوروبا

قال سامي شرشيرة، مدير جمعية الخدمات الاجتماعية والإرشادات مستشار ببلدية دوسلورف بألمانيا، إن “الجالية المغربية تعدّ من أقل الجاليات مشاركة في الحياة السياسية بأوروبا، رغم أن نسبة التجنيس مرتفعة جدا، بحيث تبلغ في ألمانيا مثلا ما يفوق 78 بالمائة”، متسائلا: “كيف نريد من هذه الجالية أن تؤثر سياسيا وهي لا تشارك أصلا في الانتخابات، لا كناخبين ولا كمرشحين؟”.

وأشار شرشيرة، اليوم السبت، خلال مشاركته في ندوة “في الحاجة إلى كفاءات مغاربة العالم”، ضمن مهرجان “ثويزا” الثقافي بطنجة، إلى أن “مستقبل القارة الأوروبية بشكل عام بات مرهونا بالقارة الإفريقية، وبالمغرب الذي تعتبره القارة السمراء بمثابة بوابتها في مختلف المجالات”، لا سيما بالنظر إلى وجود “تغيير في السنوات الأخيرة على السياسات الأوروبية”.

ووضّح مستشار وزير الداخلية الألماني في شؤون الإسلام والهجرة والاندماج سابقا هذه النقطة من خلال ما سمّاه “توجها لتحقيق نوع من الاستقلالية، وتقليل الاعتماد على المنتجات الصينية والآسيوية، والبحث عن أسواق ومنتجين جدد يخففون من هذه التبعية في المستقبل”، وقال: “في هذا الإطار، لا يمكن النظر إلى المغرب فقط كونه بوابة لإفريقيا أو مجرد طريق عبور إلى أوروبا، بل هو أيضا مصدّر للعقول والتقنيات والكفاءات المتعددة”.

وأكد المشارك في الدورة الـ19 من المهرجان سالف الذكر أن “القوة الاقتصادية الأوروبية باتت تعتمد بشكل متزايد على الأسواق الإفريقية أكثر مما كان عليه الأمر في الماضي”، وزاد: “بينما كانت أسواق إفريقيا في السابق شبه محتكرة من طرف دولتين أوروبيتين، هما فرنسا وإسبانيا، صارت اليوم سائر الدول الأوروبية تحاول إيجاد موطئ قدم لها في هذه الأسواق الصاعدة، بوصفها أسواق المستقبل”.

ودعا المستشار عينه إلى “التعامل مع ظاهرة الهجرة والعلاقات بين المغرب والدول الأوروبية بمنطق الثقة في النفس والارتباط التاريخي”، موضحا أن “السلم الاجتماعي الحالي في ألمانيا، والنمو الاقتصادي في أوروبا عموما، وكذا الخدمات الاجتماعية التي تتمتع بها الشعوب الأوروبية، كلها أصبحت مرتبطة بإفريقيا، خصوصا شمالها، وبشكل خاص المملكة المغربية”.

وعزا شرشيرة ذلك إلى “الخصاص الحاد في اليد العاملة داخل السياق الأوروبي، ولا سيما القطاعات التي تقدم خدمات مباشرة للمواطنين، مثل رعاية المسنين، تربية الأطفال، القطاع الصحي، وغيرها”، مبرزا أن “هذه المجالات تشهد نقصا كبيرا في اليد العاملة، ما يجعل أوروبا في حاجة ماسّة إلى المهاجرين، خصوصا من شمال إفريقيا”.

كما نبّه المتحدث في هذا الباب إلى “مفارقة عجيبة”، مفادها أن “الأوروبيين يحتاجون إلى هذه اليد العاملة، لكنهم في الوقت ذاته يُظهرون عنصرية كبيرة تجاه هؤلاء العمال، ويفضّلون جلبهم من ثقافات مشابهة أو قريبة، أي مسيحية أوروبية”، مشددا على أن “الهاجس عينه واضح جدا في مختلف المجتمعات الأوروبية”.

وأكد كذلك على ضرورة الاشتغال على “تصويب الصور النمطية تجاه الجالية”، وقال: “أنا من مدينة دوسلدورف الألمانية، التي تضم أكبر جالية يابانية خارج اليابان. هذه الجالية، رغم انغلاقها شبه التام، ورغم أنها ترفض تعلم الألمانية أو الاندماج مع غير اليابانيين، إلا أن صورتها لدى المجتمع الألماني إيجابية جدا. لماذا؟ لأن هناك رأيا إعلاميا معينا يرسم صورة إيجابية عن هذه الجالية، وفق معايير محددة”.

ولفت الأستاذ الجامعي إلى “معاناة المغاربة كثيرا من جراء انتشار الصور السلبية”، موردا: “رغم الأداء والكفاءة العالية للجالية المغربية في أوروبا، لا يتم تقييمها على ضوء ذلك، وإنما يجري ربطها بمفاهيم مشينة مثل الإجرام، المخدرات أو حتى الإرهاب، رغم أن الإحصائيات الرسمية تضع المغاربة ضمن أدنى النسب في هذه المؤشرات”.

وذكر المتحدث أن المغاربة لا يسهمون في بلورة رأي عام بديل يعكس حقيقة جاليتنا”، داعيا إلى أن “يكون للكفاءات المغربية في الخارج دور ريادي في تمزيق الصور النمطية الإعلامية عن الجالية، لأن هذه الصورة تُسهم مباشرة في تشكيل القرارات السياسية تجاههم؛ فصورة الجالية المغربية في الإعلام، مثلا، تُستَعمل كمؤشر عند بلورة جملة من السياسات”.

كما أورد شرشيرة أن “المغرب لا يستفيد من كفاءاته في الخارج كما تفعل دول مثل تركيا أو كردستان العراق”، معتبرا أن “الدول التي تحسن هذه الاستفادة تتوفر على استراتيجية واضحة، أدوات تنفيذ، ورؤية حقيقية لتثمين دور الجالية بما يوفر الاستدامة في السياسات”، وزاد: “مخططات المغرب تجاه مغاربة الخارج تتغير كل ثلاث أو أربع سنوات بشكل جذري، وتخضع لتقلبات الحكومات، ما يخلق نوعا من التضارب والاحتقان داخل صفوف الجالية”.

ونبه أيضا إلى الحاجة إلى إعادة النظر في مفهوم “الكفاءة”، ومضى شارحا: “نحن نربط الكفاءة غالبا بالمهن، فنعتبر الطبيب أو المهندس كفاءة، بينما نغفل أن الكفاءة هي القدرة على خلق قيمة مضافة، بصرف النظر عن التكوين الأكاديمي”، وزاد: “شخص بسيط، لم يدرس، قد يكون ذا كفاءة عالية، لكن لا نعتبره كذلك، لأننا لا نحسن تقييم الإمكانات البشرية إلا عبر الشهادات”.

وتابع المغربي المقيم بألمانيا الذي كان يتحدث إلى جانب كفاءات مغربية أخرى من عيار أحمد بوطالب وفاطمة زيبوح وعبد القادر بنعلي ومحمد أمزيان، أنه في ما يتعلق بالاستثمار، توجد ملاحظة أن “المغرب لا يحتاج فقط إلى كفاءات أكاديمية، لأنه أصلا يعاني من بطالة في صفوف حاملي الشهادات في الداخل، بل يحتاج إلى من يستثمر، إلى من يأتي بشركات جديدة، أو يربط شراكات اقتصادية واعدة. وهذه النقطة بالذات تحتاج إلى الدقة”.