اخبار المغرب

السوريون المفقودون في تندوف .. شهادات تفضح الاحتجاز بمباركة الجزائر

أطلقت فعاليات مدنية سورية حملة واسعة تطالب باسترجاع لاجئين الشام المحتجزين قسرا في عدد من المخيمات والمواقع التي تحوّلت إلى مراكز احتجاز غير قانونية؛ بعضها خاضع لأنظمة سبق لها أن كانت متواطئة مع النظام السوري السابق، وأخرى اخبار السعودية غضّ الطرف عن ممارسات تُعدّ انتهاكا صارخا للمبادئ الكونية لحقوق الإنسان.

وتأتي هذه المطالبات في ظل التحولات السياسية التي أعقبت سقوط نظام الأسد؛ فلم يعد من المقبول، وفق ما تؤكده تلك الفعاليات، أن يُترك لاجئون سوريون رهن الاحتجاز القسري يُستخدمون كورقة ضغط في نزاعات إقليمية لا صلة لهم بها، بعدما فروا أصلا من بطش الاستبداد والحرب.

وتفيد معطيات حقوقية مستقلة بأن عدد اللاجئين السوريين المحتجزين في ظروف غير قانونية يتجاوز 3200 شخص، يتوزعون بين مراكز احتجاز ومخيمات في ليبيا وشمال شرق سوريا ومناطق حدودية في دول الساحل، كما تشير بيانات ميدانية إلى أن ما بين 100 لاجئ سوري 120 لاجئا سوريا تمكّنوا من الوصول إلى مخيمات تندوف، جنوب الجزائر، بعد فرارهم من النزاعات المسلحة في ليبيا؛ غير أن وضعهم ظل معلقا في “فضاء قانوني رمادي”، تغيب عنه المعايير الدولية للجوء.

وحسب التحقيق الذي نشرته منصة “السراج”، فإن ظاهرة احتجاز اللاجئين السوريين تتجاوز البعد المحلي لتتحوّل إلى شبكة إقليمية من الانتهاكات الممتدة عبر أكثر من بلد، حيث تتكرر الأنماط ذاتها من الغموض القانوني وغياب المساءلة والتواطؤ الصامت؛ ففي ليبيا، وثّقت المنصة احتجاز ما لا يقل عن 1700 لاجئ سوري في مراكز مغلقة، تُدار في الغالب من قبل جماعات مسلحة، وتفتقر إلى أدنى شروط الحياة الكريمة، في ظل تعذيب منهجي وابتزاز مالي.

وفي الجزائر، تشير المنصة إلى أن نحو 430 لاجئا سوريا كانوا قد احتُجزوا في مخيمات تندوف قبل خمس سنوات، وقد غادر بعضهم في ظروف لم يُكشف عنها؛ لكن الدفعات التي وصلت لاحقا من ليبيا، إثر تصاعد العنف هناك، لا تزال غير ظاهرة في أي سجل رسمي أو برنامج حماية، ما يُثير مخاوف من احتجازهم في مواقع غير معلنة، أو وقوعهم ضحية شبكات استغلال تتخفّى وراء ستار العمل الإنساني.

بالرغم من إصرار السلطات الجزائرية على نفي وجود لاجئين سوريين داخل مخيمات تندوف، وتشديدها على أن السوريين المقيمين على أراضيها يعيشون “في وضعية طبيعية من الاندماج داخل المجتمع”، فإن منصة “السراج”، في سياق تحقيق ميداني حديث، وثّقت شهادات تؤكد أن عددا من اللاجئين السوريين كانوا قد نزحوا من ليبيا نحو مخيمات تندوف خلال السنوات الماضية، في ظل ظروف غابت عنها الضمانات القانونية وآليات الحماية الدولية.

شبكات احتجاز

محمد بسيكي، رئيس “منصة السراج”، قال إن “ما كشفه التحقيق لا يترك مجالا للشك في وجود شبكات منظمة تدير عمليات احتجاز اللاجئين السوريين داخل عدد من المخيمات، بعيدا عن أعين الرقابة الدولية”.

وأوضح بسيكي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المعطيات التي جمعتها المنصة طيلة أشهر، بعد سقوط النظام السوري السابق، تثبت أن هناك أطرافا استغلت حالة الفوضى لإعادة إنتاج ممارسات غير قانونية تحت غطاء الحماية؛ في حين أن الغاية الحقيقية كانت ولا تزال تحقيق مكاسب مالية أو خدمة أجندات سياسية إقليمية.

وأضاف المتحدث عينه أن “الوثائق التي بحوزتنا، والتي اطلعنا عليها بالتعاون مع جهات حقوقية مستقلة، تثبت أن بعض المجموعات المسلحة في عدد من المخيمات تورطت في صفقات مشبوهة تتعلق بنقل لاجئين وبيع معلومات عنهم لأطراف خارجية”.

ولفت رئيس “منصة السراج” إلى أن هذه الأخيرة توصّلت إلى شهادات تؤكد تعرض لاجئين سوريين لعمليات ابتزاز، سواء مقابل دفع مبالغ مالية نظير إطلاق سراحهم أم لإجبارهم على أداء خدمات قسرية تحت التهديد، معتبرا أن هذه الممارسات تمثل وجها آخر من وجوه الاتجار بالبشر.

وردا على سؤال هسبريس بخصوص إمكانية فتح قنوات اخبار السعودية مع الدول المعنية في شمال إفريقيا لمعالجة أوضاع اللاجئين السوريين المحتجزين، أوضح بسيكي أن المقصود، في هذا السياق، دولتان أساسيتان هما الجزائر وليبيا، لكونهما الأكثر ارتباطا بهذا الملف ضمن المنطقة، سواء من حيث الوقائع الميدانية أم المعطيات الحقوقية.

وقال: “فيما يخص الجزائر، تبدو إمكانيات الاخبار السعودية محدودة ومعقدة، بالنظر إلى الإنكار الرسمي لوجود لاجئين سوريين داخل مخيمات تندوف، إذ تعتبر الجزائر أن هذه المخيمات تقع تحت إدارة جبهة البوليساريو، وليس تحت إشرافها المباشر. وقد تعمّق هذا التعقيد في أعقاب زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى دمشق، حين طالب رسميا باسترجاع ضباط جزائريين لا يزالون مأسورين، وهو طلب قوبل بتحفظ واضح من قبل الحكومة الانتقالية السورية، مما ساهم في توتير العلاقات وتجميد أي أفق للتعاون الثنائي. وحتى إن أُريد الربط بين الملفين، فإن واقع الضباط كأسرى حرب يجعل المعالجة أكثر هشاشة وتقييدا”.

وتابع قائلا: “أما في الحالة الليبية، فالوضع مختلف شكلا؛ لكنه لا يقل تعقيدا. فغياب سلطة مركزية جامعة يصعّب أي مسار تفاوضي رسمي. ومع ذلك، فإن هناك تنسيقا ميدانيا جاريا مع فعاليات مدنية وحقوقية تعمل على الأرض، تحاول الوصول إلى المخيمات، وتوثيق أوضاع اللاجئين السوريين المحتجزين، حتى وإن اقتصر الأمر على حالة فردية واحدة. فالمبدأ هنا، ليس في عدد الأفراد؛ بل في جوهر الحق الإنساني، الذي يستوجب من الحكومة الانتقالية السورية أن تنخرط بفعالية ومسؤولية في هذا المسار، صونا لكرامة مواطنيها، وتأكيدا لالتزامها الأخلاقي والدولي تجاههم”.

جهود مؤجلة

ندين شامي، الصحافية المتخصصة في قضايا اللجوء، قالت إن “بطش النظام السوري السابق خلق حالة من التهميش البنيوي لملف اللاجئين، وترك آلاف السوريين عرضة لمصير غير واضح في مخيمات لا تخضع لأي رقابة دولية”.

وأضافت شامي، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تركة القمع وتفكيك مؤسسات الدولة لا تزال تلقي بظلالها على الحاضر؛ ما يجعل من الصعب على الحكومة الانتقالية التفرغ لملفات الخارج في الوقت الذي تنشغل فيه بإعادة ترتيب التوازنات الداخلية”.

وأوضحت المتحدث عينها أن “حتى وزارة الخارجية السورية تبدو منشغلة حاليا بإعادة ترميم العلاقات الدبلوماسية وتوسيع دائرة الاعتراف الدولي، وهو جهد مشروع في مرحلة إعادة بناء الدولة؛ لكنه لا يُسقط مسؤولية الحكومة عن حماية مواطنيها، خصوصا في ما يتعلق بالمخيمات الواقعة في شمال شرق سوريا، التي قد تتأثر بالاتفاق الجاري بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية لحل الأزمة الكردية”.

وقالت الصحافية المتخصصة في قضايا اللجوء إن “في المناطق البعيدة عن سيطرة الدولة، والتي يصعب الوصول إليها مؤسسيا، يظل على المجتمع المدني أن يلعب دوره في هذه المرحلة، من خلال التوثيق والمناصرة وتحريك المسارات الحقوقية إلى حين اكتمال التعافي المؤسساتي للدولة السورية”.

وأضافت شامي أن “ما نواجهه هنا ليس ملف لجوء بالمعنى التقليدي، بل حالات نزوح سوري تمّت خارج أي إطار قانوني واضح، وانتهت بوضع الآلاف في مواقع رمادية، لا تنطبق عليهم شروط الحماية الدولية ولا يتمتعون بصفة اللاجئ المعترف بها رسميا”.

وأوضحت أن “هؤلاء النازحين، الذين فرّوا من أتون الحرب بين عامي 2014 و2016، وجدوا أنفسهم ضحايا منظومات حدودية مغلقة، وسياسات إيواء مرتجلة، ومعايير مزدوجة في الاعتراف والاحتواء”.

وتابعت أن “في لبنان، حيث يُقدَّر عدد السوريين بنحو 1.5 ملايين، يعيش كثيرون في واقع قانوني مهدّد، وسط تصاعد الخطاب التحريضي وتقلّص هوامش الدعم الدولي. أما في الأردن، فالوضع لا يختلف كثيرا، حيث يقيم أكثر من 1.3 ملايين سوري في ظروف متأرجحة بين التسكين المؤقت والإقصاء الإداري”.

وفي ليبيا، وفق المتحدثة عينها، “تداخلت الفوضى السياسية مع هشاشة الوضع الأمني، لتتحوّل مراكز الإيواء إلى بؤر احتجاز مفتوحة، استقبلت نازحين سوريين بلا ملفات أو ضمانات، ليجدوا أنفسهم تحت رحمة جماعات متنازعة وهيئات غير خاضعة للمحاسبة”.

وختمت الصحافية المتخصصة في قضايا اللجوء بالإشارة إلى أن “الجزائر بدورها، تحتضن في عمقها الصحراوي ما بين 500 و600 نازح سوري، استُدرجوا إلى مخيمات مغلقة تفتقر لأي إشراف دولي، في ظل غياب تام لأي مسار قانوني ينظّم وجودهم أو يضمن كرامتهم”.

ومن أجل توضيح الصورة وتفادي أي ارتباك قد تسببه الأرقام المتفاوتة، يجدر التعامل مع هذه المعطيات باعتبارها طبقات زمنية ومصدرية تُبرز تعقيد المشهد، لا تناقضه. تحقيق “منصة السراج”، وهو من أحدث المراجع الميدانية، وثّق قرابة 3200 حالة فقدان لسوريين يُرجّح احتجازهم في مواقع تفتقر لأي إشراف قانوني، في ظل صمت مطبق عن مصيرهم من قبل الجهات المعنية.

في المقابل، تشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وجود نحو 1.5 ملايين لاجئ سوري في لبنان، وأكثر من 1.3 ملايين في الأردن؛ غير أن عودة طوعية بدأت تتزايد خلال الأشهر الأخيرة، لا سيما من الأردن، نتيجة متغيرات ميدانية وتسهيلات تنظيمية.

أما في الجنوب الجزائري، فتتباين الأرقام حسب توقيتها ومصدرها؛ إذ يوثّق تحقيق “السراج” وجود حوالي 400 نازح سوري دخلوا إلى مخيمات تندوف في فترات ماضية، فيما تشير تقديرات أخرى إلى ما بين 500 و600 شخص كانوا قد استقروا مؤقتا هناك ثم غادروا تدريجيا نحو دول مجاورة. وتُفيد تقارير حديثة بأن ما بين 100 شخص و120 شخصا دخلوا تلك المخيمات خلال السنة الماضية بعد عبورهم من ليبيا، قبل أن تنقطع أخبارهم تماما.