السينما المغربية ومهرجان 2023 .. عرس كبير يواجه عصيان شيطان التفاصيل

وصف الناقد المغربي إدريس القري السينما المغربية ومهرجانها الوطني بـ”عرس كبير يواجه عصيان شيطان التفاصيل”، مشيرا إلى أن “دورة طنجة 2023 كانت بحق دورة مختلفة وناجحة، حيث جمعت أغلب السينمائيين المغاربة بكل أجيالهم وتخصصاتهم، وجمعتهم في فضاء جميل وحول برنامج غني وفي فضاءات إقامة وتغذية متعددة وفرجة ونقاش جميلة ورحبة، وبلوجستيك نقل وخدمات ملائمة”.
وسلّط إدريس القري الضوء على مجموعة من الجوانب المرتبطة بدورة طنجة 2023، خاصة ما يرتبط بحفل الافتتاح، والتنشيط والتقديم، واللغة، والديكور والإكسسوارات، والإنارة، وتوزيع الوقت، ومظهر ضيوف الخشبة، وشعار المهرجان، والتكريمات، وفيلم حفل الافتتاح، وحفل الاختتام، وتنظيم الولوج إلى قاعة الافتتاح والاختتام، ولجان التحكيم، والإقامة والتغذية والنقل…
هذا نص المقال:
1- منطلقنا:
– إن منطلقي في هذه المقالة فردي وشخصي صرف، لا علاقة له بأي مهمة أو بأي جهة من الجهات مهما كانت طبيعتها.
– وإن هدفي من هذه المقالة نقدي جمالي صرف أيضا، ملتزم بما مارسته من عمل في ميدان السينما منذ أكثر من ثلاثة عقود، نقدا وتحليلا وتنظيرا وكتابة للسيناريوهات، وتنسيقا للإدارة الفنية وتنظيما لعشرات الندوات والملتقيات والمهرجانات والدروس الأستاذية، والتدريس في كلية الآداب ومعاهد السينما والديزاين والسمعي البصري والصحافة، وإدارة وتنسيق وتنشيط ورشات متنوعة في ميدان السينما، والمشاركة في لجان تحكيم متعددة ومتنوعة وعلى رأسها لجنة تحكيم المهرجان الوطني في دورته الثالثة سنة 1991… وهلم جرا.
– منطلق مقالتي هذه أيضا ليس جزئيا ولا تجزيئيا ولا هو اعتباطي. إنه جزء من رؤية شمولية لطالما عبرت عنها في تصريحات واستجوابات وكتابات، وفي مقالات وفي دراسات وضمن كتب ألفتها وترجمات أنجزتها، وخاصة في كتابي الأخير “سينما المملكة ومملكة السينما، البنيات والأدوار” الذي قدم له مشكورا السيد وزير الشباب والثقافة والاخبار السعودية معالي محمد المهدي بنسعيد وأمر بطبعه، إلى جانب كتاب “من السينما إلى الأوبرا”، للباحثة والناقدة الجمالية الأستاذة عفيفة الحسينات زوجتي الغالية، حيث حظينا بشرف نيل تهنئة ملكية شريفة كتابية عن الإصداران نفخر ونعتز بها أيما اعتزاز.
– تجد هذه المقالة سياقها ومعناها ضمن رؤية شمولية لموقع السينما الوطنية في بنيات المجتمع المغربي، باعتبارها رافعة ثقافية وتربوية وجمالية، مواكبة لاستراتيجيات التنمية الشاملة والدبلوماسية الناجعة للمملكة المغربية ولديبلوماسيتها الناجعة.
2- من أجل تنظيم مُفكّر فيه
واحد وأربعون سنة وثلاثة وعشرون دورة، ذلك هو عمر المهرجان الوطني للفيلم. إنه عُرس السينما المغربية السنوي الذي من المفروض أن يكون قدوة في دقته التنظيمية، وقاطرة فكرية مُفكر فيها، ومنصّة فيلمية فنية نموذجية شكلا ومضمونا، وفضاءات تبادُلٍ وتقويم ٍونقاش رفيعٍ ومفيد وبراغماتي، على مدار تسعة أيام وليال تشكل عمره السنوي.
كانت دورة طنجة 2023 بحق دورة مختلفة وناجحة: فقد جمعت أغلب السينمائيين المغاربة بكل أجيالهم وتخصصاتهم. جمعتهم في فضاء جميل وحول برنامج غني وفي فضاءات إقامة وتغذية متعددة وفرجة ونقاش جميلة ورحبة، وبلوجستيك نقل وخدمات ملائمة. نعتبر ذلك دافعا قويا للتفكير في بنيات هذه الدورة بشيء من التفصيل والجدية والموضوعية والعقلانية، تثمينا لما تحقق ومساهمة في تطور جيد وقوي نرى بوادره بوضوح.
حفل الافتتاح
– التنشيط والتقديم: كلفت اللجنة التنظيمية صحفي القناة الثانية مقدم الأخبار، السيد وديع دادة، والفنانة الممثلة وسيلة الصابحي بتقديم حفلي الافتتاح والاختتام بالفرنسية وبالعربية. كان التقديم والتنشيط جيدا على وجه العموم لكن ذلك لن يمنعنا من إبداء ملاحظات حبية، نعتقد أنها قد تجعله أكثر احترافية ورقيا وفعالية اخبار السعوديةيا في المستقبل، نوجزها كما يلي:
– أناقة بطلي التقديم والتنشيط كان يعوزها مجهود أكثر ملءئمة على مستوى اللباس وتسريحة الشعر واختيار الألوان. نعتقد أن اختيارات بين القفطان المغربي الأصيل والرفيع أو “التكشيطة” من جهة، وبين الروب دو سواريه الغربية الأنيقة بإحدى صيغها المتعددة، كانت ستجنب الدورة ضياع شيء من جمالية مظهرها. رجاليا كان الحسم باختيار بدلة السهرة الغربية الأنيقة، على حساب الأناقة الرجالية المغربية التقليدية، التي تقترح أناقة فريدة لو تم استعمالها دون هجانة، كما يحدث أحيانا في بعض السهرات الشعبوية التلفزيونية.
– اللغة: كنا في مهرجان وطني مغربي عربي أمازيغي فلِمَ الفرنسية؟ إن كان لا بد من لغة دولية مُهيمِنة لأسباب اخبار السعوديةية وإشعاعية فلتكن الإنجليزية من المنظور البراغماتي!
– ألم يكن حريا، اهتماما بضيوف ناطقين بالفرنسية أو الإنجليزية توفير الترجمة الفورية لبضعة ضيوف أجانب لربما لم يفق عددهم العشرين أو الأربعين حتى، وبالتالي تقديم حفلي الافتتاح والاختتام باللغتين الدستوريتين الرسميتين للمملكة؟ نشير في هذا السياق إلى أن النقد الذي تعرض له المهرجان في السنة الفارطة من هذا المنظور ليس صائبا في رأيي.
– الديكور والإكسسوارات: كان فضاء خشبة حفلي الافتتاح والاختتام جميل وملائم في بساطته اللهم من كنبات جلوس أعذاء التحكيم التي نعتقد أن الأجدر أن تمون احتفالية الألوان ومريحة للظهر كما نرى ذلك في مهرجانات كبرى.
– الإنارة، نقطة واحدة هنا لا بد من التسطير عليها وتتعلق بتوفير كشاف ضوء متمركز وسط سقف القاعة، مهمته متابعة والتركيز على كل من يتحرك من القاعة ليلتحق بالخشبة، وكل من يتحدث إلى الحضور عند التركيز على كلمته.
– توزيع الوقت: كان واضحا غياب تخطيط لتوزيع الوقت على الفقرات والمتدخلين بدقة خلال إخراج حفلتي الافتتاح والاختتام. حملت تدخلات التقديم والتنشيط وأوصافها للفقرات بالفرنسية وبالعربية معا شيئا من الإطناب والثرثرة الزائدة، ناهيك عن كون المنشطين أصبحا أحيانا طرفا في نجومية الخشبة، حيث اضطر أغلب من يصعد للتتويج أو لمنح درعه، للسلام على المنشطين! نعتقد، مع كل المحبة والتقدير للمنشطين، أن ذلك شكَّل هدرا للوقت وتقليدا غير معمول به في أكبر المهرجانات السينمائية. حدث ويحدث هذا الأمر مرارا عبر شبكة مهرجاناتنا باستثناء مهرجان مراكش المحترف، حيث الوقت ولباس الضيوف وتوقيت الكلمات وانضباط توقيت النقل والعروض السينمائية لباس المتدخلين يخضع لمخطط ولسيناريو مسبق، مضبوط التوقيت والزمن والخطوات التنظيمية.
– مظهر ضيوف الخشبة: من جماليات وهيبة وتميز خشبة أي مهرجان في بساطه الأحمر وفي خشبة حفلي الافتتاح والاختتام، أناقة وجمالية لباس كل من يصعد إليها. صعد الكثيرون إلى الخشبة وكان اللباس متباينا بشكل فاضح، فبين البدلة وربطة العنق أو فراشته، كان هناك القميص الملون المرخي فوق السروال وكانت هناك جاكيته فصل الشتاء وكانت هناك ألوان غير منسقة ولباس سهرة وآخر تراثي تقليدي وبدلات قديمة باهتة ولباس شباب متمرد… إلخ. ما الضير في إخبار كل ضيوف الخشبة -وليس كل الضيوف طبعا- بضرورة ارتداء لباس أنيق ومتناغم الأسلوب والتقليعة للسهرة وللعرس الوطني السينمائي السنوي، يضفي البهاء والتناغم والأناقة على كل الوجوه التي ترصدها الكاميرات.
– علاوة على ذلك من الممكن بتوجيهات تنظيمية دقيقة ولبقة، تجنب إخراج بعض المتدخلين لأوراق مفرومة ومطوية من الجيب، لقراءة تقارير أو نتائج عمل لجان التحكيم الأفلام. بالتأكيد يستطيع المنظمون توفير أوراق بشعار المهرجان على ظهرها لكل متدخل على الخشبة بدءا بمنشطيها من أجل جمالية بصرية منسقة؟!
– شعار المهرجان، كان من المزعج سماع شعار المهرجان مرتين عند تقديم كل فقرة من فقراته. نعتقد أن تقديم نوعية المسابقة ولقطات من أفلامها يسبق مرة واحدة بشعار المهرجان دون تكرار يجعل من ذلك الشعار إزعاجا للأذن وليس متعة للسمع وللعين!
– التكريمات، ثلاثة تكريمات متتالية تجعل الثاني ينسي الأول والثالث ينسي السابقان ليُنسى هو بدوره، خاصة عندما يكون التكريم بكلمات تنتمي للغة الخشب، تكرر معلومات مسيرة المكرم أو المكرمة المعروفة والمستهلكة والملقاة في متناول الجميع على صفحات الإنترنت، ومن طرف من لا كاريزما ولا تميز في لغته ولا طرافة في أسلوبه ولا أناقة مبهرة في مظهره ولا واقعية ودقة ولا صدقية في توصيفه. أما الفيديو المرافق للتكريم فغالبا ما يكون دون توقيت ذكي لتجنب الملل والتكرار. هنا لا بد من الإشادة بشهادة الفنانين رشيد الوالي ومنى فتو عن السينمائي المثقف عبد القادر لقطع وإن كانت طويلة نسبيا حيث أمكن تركيبها بإبداعية أفضل.
– فيلم حفل الافتتاح، كان الأمر سيكون جميلا، كما قال الكثير من الزملاء النقاد، لو اقتصر تقديم فيلم الافتتاح “شمس الربيع” للمكرم العميد لطيف لحلو، على بضعة تصاميم مختارة ليتم الإعلان عن مكان وزمان خاصان لعرضه حيث يكون الحاضرون غير متعبين ولا جائعين ولا متعطشين للقاءات المسائية بينهم.
حفل الاختتام
تصدق أغلب الملاحظات التي أبجديتها عن حفل الافتتاح على حفل الاختتام مع إضافة الآتي:
– تنظيم الولوج إلى قاعة الافتتاح والاختتام:
نثمن أولا حرص السيد الوزير على جعل الحفل ينطلق رغم عدم وصوله للقاعة. يدل ذلك، ضمن مؤشرات أخرى على تقديره وتفكيره في الفن والفنانين والتوقف عن تقليد انتظارهم وصول الرسميين أحيانا بوقت طويل وخارج القاعة في البرد حتى، والأدهى أن البعض ينالون حظ الدخول أمام أنظار الجميع بمعايير لا هي وظيفية ولا هي منطقية. كان من الممكن على الأقل إدخالهم من باب جانبي حفاظا على مشاعر الفنانين والمثقفين والمدعوين. تتغير لائحة المحظوظين حسب السياق. نسجل بتقدير تدارك ما حدث في حفل الافتتاح عند الاختتام وهو ما يدل على تفاعل تنظيمي سريع مع الهفوات التي نتمنى بل لجدينا أمل قوي في القدرة على تداركها مستقبلا مع الآتي من القرارات الجيدة للرفع من إيقاع وجودة وتنظيم الصناعة السينمائية بالمملكة.
– لجان التحكيم، نعتقد أن لكل لجنة تحكيم سيادتها الكاملة، لا يحد منها سوى عنصرين ممكنين: مصداقية بعض عناصرها أو ضعف تجربتهم وعلمهم بالسينما من جهة، وسطحية واستسهال معرفتهم بالفن وبقواعد الإبداع وقيمه النبيلة من جهة ثانية، وبالوضع الثقافي الوطني والعالمي ومد الصورة وما تحمله من تبشير بتقدم فريد، وما تنذر به أيضا من تهديد حقيقي للوعي الإنساني ولقيمه النبيلة.
– تجعل السيادة المتينة والمؤسسة للجان التحكيم الأفلام البارزة الجودة والإبداع والاتقان والتركيب الجمالي تفرض نفسها وتأخذ مكانتها اللائقة بها في المهرجان.
– نعتقد أيضا أن التلقيح القوي للجنة تحكيم، في كل أصناف الأفلام، بتخصصات وفعاليات من خارج القدرة على استيعاب السينما كفن مُركب وتركيبي. قد يكون مقبولا لكن لا ينبغي أن يشكل ذلك نسبة تعصف بجدية اللجنة وتأهيلها وعمق تجربة أفرادها في الميدان السينمائي الفني. ما يشكل خطرا والحالة هذه هو تبريز وتبرير وتمجيد وتكريم ما ليس سينمائيا صرفا، وبالتالي ضرب مصداقية المهرجان وتكريس الخلط بين السينمائي وغير السينمائي، وهو كثير ومتعدد ووراءه ما وراءه من قوة “حشدية” بالمعنى السوسيولوجي للكلمة. لا يتلاءم وضع كهذا بالنسبة للملكة لا مع تقاليد مملكة السينما العريقة، ولا مع مكتسبات سينما المملكة لحد الآن. على سينما المملكة بالتأكيد الانفتاح على الشباب وعلى الجديد لكن، ليس بأي ثمن ولا بغير خطوات مُفكر فيها بشكل عميق ومتعدد المصادر والآراء: خلاصة القول بصدد لجنة التحكيم أن لا بد من معايير كاريزما وقيم وتراكم على ألا يكون كميا فقط ولا تهريجيا ولا مصطنعا.
– الإقامة والتغذية، لا يمكن للمرء سوى رفع القبعة للمجهود الجبار والكرم السخي الذي تمت به استضافة المئات من المشتغلين في حقل سينما المملكة وضيوفهم إقامة وتغذية. عرس حقيقي بالكرم المغربي وبكل محبة حبذا لو كان الموازي لذلك أكثر ضبطا وملاءمة ومردودية ودقة في التهييء وفي العمق الفكري والجمالي المعياري.
– النقل، كان النقل متوفرا لكن برمجة العربات الجماعية وحتى الخاصة أحيانا كانت تنغصها أحيانا أمزجة بعض السائقين وتأخرهم لأسباب غير مهنية أو لبرمجة من وكالاتهم جامدة وغير لينة لا تأخذ بعين الاعتبار.
خاتمة،
نريد لعرس السينما المغربية السنوي أن يرتقي أكثر لذلك نأخذ التقويم والتحليل على مأخذ الجد من وجهة نظر بين وجهات نظر أخرى، وجهة نظر نريدها مساهمة في التفكير والتخطيط والتنفيذ.