اخبار المغرب

بحث يرصد الهشاشة في إدارة الهجرة

في الوقت الذي يتعالى الخطاب الدبلوماسي حول “الشراكة المتوازنة” بين المغرب والاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة، كشفت دراسة حديثة للباحث حسن بنطالب عن واقع مغاير تماما خلف الكواليس؛ واقع تحكمه “هيمنة هيكلية” للأموال الأوروبية، حولت الفاعلين المحليين إلى مجرد أدوات تنفيذية، ورسخت أولويات أمنية تخدم “القلعة الأوروبية” على حساب الاحتياجات التنموية والحقوقية للمغرب.

الدراسة التي نشرتها منصة “ميغرا برس”، تسلط الضوء على آليات تدفق الأموال وسلطة القرار منذ عام 2014، كاشفة عن اختلالات عميقة في “حوكمة الهجرة”.

تشير الأرقام إلى ضخامة الاستثمار الأوروبي في هذا الملف، حيث قدم الاتحاد الأوروبي منذ عام 2013 حوالي 342 مليون يورو لدعم الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء. إلا أن الدراسة تنتقد بشدة مسار هذه الأموال.

فبدلا من تمكين المجتمع المدني المغربي، يذهب القسط الأكبر من التمويلات، عبر أدوات مركزية مثل “صندوق الطوارئ الائتماني لأفريقيا”، مباشرة إلى المنظمات الدولية الكبرى مثل المنظمة الدولية للهجرة، والمفوضية السامية للاجئين، أو وكالات التنمية الأوروبية.

يخلق هذا النظام ما يسميه الباحث “تسلسلا هرميا دقيقا”؛ إذ تحتكر المنظمات الدولية التصميم والتمويل، بينما يُترك للجمعيات المغربية الفتات عبر عقود من الباطن، قائلا: “تجد المنظمات المحلية صعوبة في الوصول إلى العقود الكبيرة المباشرة، وتتلقى منحا فرعية أقل، وغالبا ما تهمش في تصميم المشاريع”.

وأحد أخطر ما تكشفه الدراسة هو كيف يفرض الممول الأوروبي أجندته السياسية والأمنية على الواقع المغربي؛ فجزء كبير من التمويلات موجه للسيطرة على التدفقات، تعزيز الحدود، وعمليات العودة الطوعية.

وتصف الدراسة وضع المنظمات غير الحكومية المغربية بأنه تحول من دور “الفاعل الاستراتيجي” إلى دور “المنفذ التقني”، قائلة إنها تندرج غالبا ضمن “كونسورتيوم” تقوده منظمات أوروبية، حيث يتم اختيار الشريك المحلي فقط لخبرته الميدانية وقدرته على الوصول للمستفيدين، وليس للمشاركة في صنع القرار، ويفرض هذا الواقع على الجمعيات المغربية العمل وفق منطق “النتائج الكمية” (عدد المستفيدين، عدد العائدين) لإرضاء المانح، مما يفرغ العمل الإنساني من بعده التشاركي والحقوقي.

وفي مواجهة هذا المد، ترصد الدراسة تحولا في الموقف الرسمي المغربي. المغرب لم يعد يقبل بلعب دور “الدركي” أو المنطقة العازلة، بل يسعى لفرض سيادته على ملف الهجرة. ويصف الباحث هذا النهج الجديد بـ “التعاون تحت السيطرة”.

وتخلص الدراسة إلى أن استمرار تصميم المشاريع في بروكسل وتنفيذها في المغرب من دون شراكة حقيقية، يولد “شراكة قسرية ومحبطة”. والحل يكمن في تمكين الفاعل المحلي بشفافية، وتحويل السياسات من أدوات للهيمنة والسيطرة إلى رافعات حقيقية للتنمية وحقوق الإنسان.