تشكيك ويحمان في الهوية الأمازيغية يفجّر انتقادات حقوقية وسياسية

أعرب مهتمون بالشأن الأمازيغي بالمغرب عن استنكارهم الشديد ما ورد على لسان أحمد ويحمان، رئيس “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع”، “الوفي للهوية العُروبية”، الذي يشكك في حقيقة وجود الهوية الأمازيغية ومظاهرها الاحتفالية، بما في ذلك “إيض يناير” (عطلة رسمية بقرار ملكي)، مستندًا في ذلك إلى خطابات ومواقف تكرس الاستثناء، بل وقد لا تستثني أحدًا، فلا حدود لخطابه، الذي قد يُحول الجميع فجأة إلى “أهداف مشروعة” لهجومه، وفق منتقديه.
وعبرت فعاليات أمازيغية تحدثت لهسبريس في هذا الشأن عن رفضها القاطع للمواقف التي عبّر عنها ويحمان، معتبرة أن تصريحاته ما هي إلا “مجرد حلقة جديدة في سلسلة من الخطابات التي تستهدف الهوية الأمازيغية وتحاول الطعن في شرعيتها التاريخية”، ومؤكدة أن “محاولات النيل من الأمازيغية، سواء عبر إنكارها أو ربطها بجهات خارجية، لن تغيّر من واقعها الراسخ، بل تكشف حجم العزلة الفكرية للخطاب المعادي لها، الذي يتناقض مع الدستور ومع الوعي المجتمعي للمغاربة بقيمة التعدد الثقافي واللغوي في تشكيل صورة المغرب الحديث”.
وقال ويحمان في “تدوينة” له: “اليوم، نحن لا نواجه فقط ‘إسرائيل’ التي قامت على أرض فلسطين، بل نواجه أيضًا إسرائيل التي تُتقن الاختلاق وتُصدّره: اختلاق الهويات البديلة، واختلاق الأزمنة المصطنعة، واختلاق الذاكرة المفصولة عن سياقها الحضاري، واختلاق الرموز والنبوءات والأساطير. وهنا تحديدًا تندرج محاولات اختلاق ‘السنة الأمازيغية’ خارج سياقها الحضاري الإسلامي، واستدعاء شيشناق بوصفه رمزًا قاطعًا مع التاريخ الحقيقي، وإعادة بعث ما يسمى ‘نبي الأمازيغ’ و’قرآن بورغواطة’ بوصفه نواة اختراق عقدي وسياسي جديد”.
وأضاف رئيس “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع”: “في هذا السياق نفسه يطفو على السطح من يمكن تسميتهم بـ ‘البورغواطيين الجدد’؛ مروّجو ‘الهوية القاتلة’ المسماة زورًا ‘الأمازيغية’، بينما هي عملية مكشوفة، مزج هجين بين اليهودية المؤسطرة والأمازيغية المبعثرة بين أدراج مختبرات الأنثروبولوجيا الاستعمارية على مدى أكثر من قرن من الاشتغال والعمل التخريبي”.
وتابع صاحب “التدوينة”: “هؤلاء – بعيدًا عن البطولات الوهمية التي ينسبونها لأنفسهم – ليسوا سوى أدوات لأدواتٍ أخرى في الأجندة نفسها، مجرد مناوِلين صغار (عطّاشة) في ورش كبير تشرف عليه دوائر أعقد وأخطر، يتقاضون مقابل أدوارهم فتاتًا من سقط المتاع، ويؤدّون وظيفة تخريب المعنى، بلا مبالاة، لا يهمهم سوى تلك الاستفادة الشخصية الصغيرة أو دون وعي كامل بحجم المسرح الذي يتحرّكون فوقه بالنسبة لبعضهم”.
إنكار إيديولوجي
تصريحات يرفضها عبد الخالق كلاب، باحث في التاريخ ومهتم بالشأن الأمازيغي، جملة وتفصيلاً، إذ أكد أن “الهوية المورية الأمازيغية شكلت العمود الفقري للتاريخ المغربي، حيث لعب الأمازيغ دورًا محوريًا في تأسيس الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، غير أن بعض التيارات العروبية المُستلبة تصر على ربط التاريخ، بل والوجود المغربي في حد ذاته، بالمشرق وبوصول إدريس الأول الذي هرب من معركة فخ، وهذه سردية مرفوضة لما تُنكره من المعارك التي خاضها أبناء هذه الأرض المغربية ضد الغزاة الأجانب، بمن فيهم الرومان والأمويون وغيرهم من القوى التي حاولت آنذاك احتلال المغرب”.
وأوضح كلاب في تصريح لهسبريس أن “النقاش الذي أثاره مؤخرًا بعض المحسوبين على التيار الإسلامي واليسار، بل وللأسف الشديد بعض الذين كان يُفترض فيهم أن يحتكموا إلى المنهج العلمي التاريخي، مرتبط بالنقاش التاريخي حول ما يسمى ‘قرآن برغواطة’، الذي أخرج بعض الأصوات من جحورها، وتهجمت على التاريخ المغربي أو المحطات التي وثقتها مصادر تاريخية شهيرة، من أجل إيقاف الوعي الجماعي المغربي الذي بدأ يتشكل نتيجة مثل هذه النقاشات حول ضرورة إعادة كتابة التاريخ بحروف مغربية لا مشرقية”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “رفض هذه التيارات الاعتراف بالأدوار الأمازيغية يتجاوز الجوانب التاريخية، ويطال مسألة الهوية الوطنية نفسها التي رسم الدستور المغربي ملامحها باعتبارها أسمى تعبير عن إرادة الأمة، إذ تدفع هذه الأصوات المتحجرة في اتجاه إقصاء كل ما هو نتاج خالص للأرض المغربية، مقابل محاولة صناعة سرديات تصور المغرب وكأنه كيان نشأ خارج جذوره الأصيلة، في محاولة غير علمية لبناء وعي مبني على الإخفاء المتعمد لمكون أساسي في الهوية المغربية الأصيلة”.
عداء أجنبي
في سياق ذي صلة اعتبر رشيد بوهدوز، عضو المجلس الوطني للأصالة والمعاصرة والمنسق الوطني لـ”أكراو من أجل الأمازيغية”، أن “السكوت عن حالة ‘الانفلات العدائي’ التي يجسدها المدعو أحمد وايحمان لم يعد ممكنًا، فبعد مراجعة تصريحاته وكتاباته الأخيرة يتضح أننا لسنا أمام ‘فاعل حقوقي’ أو ‘مناهض للتطبيع’، بل أمام مشروع فتنة متنقل يهدد الأمن القومي والاجتماعي للمملكة”.
وزاد بوهدوز أن “ما تضمنه مقاله الأخير يمثل انزلاقًا خطيرًا وتجاوزًا لكل الحدود، حيث لم نعد أمام مجرد ‘رأي شارد’، بل نحن أمام وثيقة جنائية مكتملة الأركان، وصك إدانة ذاتية وقعه صاحبه بمداد الحقد، معلنًا فيه الحرب على الدولة المغربية ومؤسساتها السيادية، وعلى كرامة الشعب المغربي وهويته الأصيلة”.
وشدد المصرح لهسبريس على أن “سر هذا السعار العدائي تجاه الأمازيغية لا يتعلق بشخص واحد فحسب، بل يعكس أزمة وجودية عميقة تعيشها بعض التيارات المحسوبة على الصف الإسلامي واليساري الراديكالي؛ فهذه التيارات، التي تستورد إيديولوجياتها من المشرق أو الغرب، ترى في عودة المغاربة إلى هويتهم الأصلية تهديدًا لمشاريعها المستوردة”، مبرزًا أن “هذه الشيطنة الممنهجة لا تنفصل عن مشهد سياسي عرف منذ الاستقلال بروز تنظيمات ظل ولاؤها التام للمشرق، تختلف فقط في عواصم الولاء؛ سواء اليسار المرتبط بالبعث والناصرية، أو الإسلاميون بشقهم السلفي والإخواني”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “هؤلاء كرسوا وضعًا شاذًا يعتبر المغرب مجرد ‘تابع’، وهنا جاءت الحركة الأمازيغية كردّ طبيعي وتصحيحي مؤسس لهوية مغربية مستقلة”، مشيرًا إلى أن “نزع الشرعية عن مكون أصيل من هوية المغاربة، وادعاء خضوعه لأجندة اختراق صهيوني، هو مساس بالسيادة الوطنية، وتشكيك في استقلالية القرارات الكبرى للدولة، ومحاولة يائسة لتسفيه مسار المصالحة الوطنية التي قادها جلالة الملك محمد السادس، ورغم ذلك سيظل المغرب بتاريخه العريق وهويته الأصيلة، والأمازيغية برعايتها الملكية ونضالات أبنائها الشرفاء، صخرة تتحطم عليها كل مؤامرات ‘سماسرة الإيديولوجيا’ المستوردة وعقد النقص تجاه الأجنبي”.
