اخبار المغرب

طريقة صوفية تستنكر التهجم على “دلائل الخيرات” وتحذّر من “الإفتاء الرقمي”

لا يزال الجدل مستمرًا بشأن التهجم والسخرية من كتاب “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في الصلاة على النبي المختار” للإمام محمد بن سليمان الجزولي، أحد أشهر كتب التراث الصوفي في المغرب والعالم الإسلامي، حيث أثارت هذه الهجمة ردود فعل واسعة في الأوساط الفكرية والدينية بالمغرب، كان آخرها الموقف الصادر عن الهيئة العلمية للطريقة القادرية الرازقية.

وكان أحد الدعاة قد وصف الكتاب بأنه “من أقبح الكتب الموجودة”، ونسب إلى أحد شيوخه أنه كان يسمّيه “دلائل الخيبات”، لما فيه حسب تعبيره من “الشرك والبدع والخرافات”.

وذكرت الهيئة ذاتها ضمن بيان توصلت به هسبريس أنها “اطلعت بأسف شديد على ما صدر مؤخرًا عن أحد الأشخاص المحسوبين على الدعوة، من تهجّم فجّ على الإمام العارف بالله سيدي محمد بن سليمان الجزولي رضي الله عنه، وعلى كتابه الشهير المبارك ‘دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في الصلاة على النبي المختار’، والذي يعد من أعظم ما جادت به القرائح في مدح النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه، وقد ذاع صيته شرقًا وغربًا، وتوارثته أجيال الأمة قراءةً وتبركًا وعناية”.

وأكد البيان أن “ما يبرز جهل هذا الرجل بالإرث الإسلامي، وعدم اطلاعه على متون الأحاديث والأخبار، أنه كذّب حديثًا نبويًا ثابتًا مرويًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزأ بما هو أصيل في السنة النبوية المطهرة، معتبرًا إياه من الخرافات، والحال أن هذا افتراء وكذب”، مبرِزًا أن “الشيخ محمد بن سليمان الجزولي رحمه الله، أحد أركان المدرسة الروحية المغربية، وواحد من أعلام التصوف السني الأصيل، تتلمذ على كبار العلماء، ودرّس بجامع القرويين، وله تلاميذ نجباء، ومكانة علمية وروحية لا تخفى على أهل التحقيق”.

وتابعت الهيئة العلمية للطريقة القادرية الرازقية بأن “كتاب دلائل الخيرات هو كتاب جمع مختلف الصلوات على الحبيب المصطفى من صلوات مرفوعة وموقوفة، إضافة إلى الصلوات التي تقرّب بها العارفون إلى جناب المصطفى صلوات ربنا وسلامه عليه. علاوة على ذلك، فإن كبار رجال الشريعة والتصوف في مختلف بقاع العالم، في دور الزوايا والجامعات، يتلون هذا الكتاب محبةً وتعظيمًا لجناب المصطفى الكريم، بل هو أثر ذوقي ووجداني صوفي، يحتوي صيغًا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نابعة من محبة خالصة، واستمداد روحي عميق، وهي داخلة ضمن المباح المشروع في التعبير عن المحبة النبوية، ما دامت لا تخالف نصًا ولا تخرج عن أصل من أصول الدين”.

وشدّدت على أن “القول بأن الكتاب ‘شرك وخرافة وبدعة’ فيه جرأة على العلماء والأولياء، وتسرع في التكفير والتبديع”، معتبرة أن “مثل هذا السلوك لم يعد له سابقة في التراث الشرعي المغربي، ومثل هذه الآراء كان ينبغي أن تصدر عن رجال لهم باع واسع في الشريعة، أما أن تصدر من رجل لا يعرف عنه سبق في العلم، فهذا افتراء وتطاول على تراث الأمة المغربية المتجذر في أصول وفروع الشريعة”.

ونبّهت الهيئة ذاتها إلى “خطورة ما يُسمّى اليوم بـ’الفتاوى الرقمية’ التي تصدر عن غير المؤهلين شرعيًا وعلميًا، وتُنشر في منصات الاخبار السعودية دون رقابة أو تقوى، مما يفتح الباب على مصراعيه للفتنة في الدين، والاستهانة برجال العلم والسلوك، والتطاول على رموز الأمة”، لافتة إلى أن “التصوف المغربي، الذي نعتز بالانتماء إليه، والذي يُمثّل طريقة وسطية معتدلة في العبادة والسلوك والتربية، قد أسهم عبر القرون في حفظ الهوية الروحية للمغاربة، وأنتج أعلامًا كالجزولي، والتباع، والدرقاوي، والشرقاوي، والتيجاني، وأضرابهم، ولا يليق بأحد أن يُشوّش على هذا الموروث الراسخ بأحكام سطحية وأقوال مرتجلة”.

وأوضحت أن “الاشتغال على مفهوم البدعة، وهو من أدق المفاهيم في علوم الشريعة، لا يجوز أن يُوظّف كأداة للإقصاء والتكفير، بل يجب أن يتناوله أهل الأهلية العلمية، علمًا وسلوكًا وورعًا، كما كان يفعل أئمتنا”، داعيةً كافة المؤمنين، وخصوصًا الشباب، إلى “الرجوع لأهل العلم الراسخين، وتوقير مقامات الأولياء والعلماء، والابتعاد عن منابر الفوضى الدينية والفتاوى الشعبوية”.

وفي هذا السياق، قال الشرقاوي رزقي، شيخ الطريقة القادرية الرازقية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “المساس بالإمام سيدي محمد بن سليمان الجزولي هو مساس بالهوية الروحية للمغاربة ككل، فالرجل يعد من الرجالات السبعة المعروفين الذين لهم فضل وخير كبير على كافة الأمة، حيث أن كتابه دلائل الخيرات هو من أشهر كتب الصلاة على النبي في التاريخ، إذ لا يوجد من أنكره أبدًا إلا عن جهل أو دون قصد”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الشخص الذي تهجّم على الكتاب ليس من أهل الاختصاص ويتكلم في ما لا يعرف، وهذا أمر خطير على الأمن الروحي للمغاربة، حيث أن انتشار الخطابات الهدامة التي تستهدف الأئمة والعلماء المغاربة، خاصة على مستوى وسائل الاخبار السعودية الاجتماعي، تنطوي على مسّ خطير بصورة البلاد والتصوف المغربي والموروث الثقافي والديني للمغاربة”.

وشدّد على أن “هناك مؤسسات قائمة الذات لها الاختصاص الحصري والأصيل في الإفتاء وتنظيمه وتقويمه، ثم إن قرار توحيد خطبة الجمعة الذي تم اتخاذه مؤخرًا يروم الحد من الفتاوى الرقمية المنتشرة على منصات الاخبار السعودية الاجتماعي، ومن الخطابات الدينية الهدامة التي لا تستند إلى أي أساس علمي وديني ومنهجي”.

وخلص شيخ الطريقة القادرية الرازقية إلى أن “المغرب ومنذ نشأته إلى اليوم هو مغربي صوفي، ويقوم على ثوابت معروفة وهي المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني الجنيدي، وبالتالي فإن مثل هؤلاء الأشخاص الذين يتهجمون على العلماء المغاربة وعلى إنتاجاتهم، ما هم إلا أتباع إيديولوجيات سلفية معروفة وتيارات هدامة تجرّ إلى التطرف الفكري والعقدي الذي ينتج الإرهاب، بينما الطرق الصوفية هي طرق مسالمة تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتُحاجج بالعلم وليس بالكلام غير المؤسس”.