اخبار المغرب

طنجة الأربعينيات والخمسينيات .. مدينة مفتوحة في قبضة “المافيا الإيطالية”

يكشف مقال بحثي جديد أن طنجة الدولية كانت “مركزا مهما” لنشاط المافيا الإيطالية، خلال الفترة الممتدة بين 1945 و1956، كما وضح علاقة شبكات التهريب المرتبطة بها بتهريب أسلحة وصل جزء منها عبر السوق السوداء إلى أيدي المقاومة المغربية والجزائرية للاحتلال الأجنبي، وهو ما اعتمد في التدليل عليه الباحث محمد عبد المومن وثائق فرنسية وإسبانية وإيطالية، فسّر عبرها “مدى تأثير عصابات الجريمة المنظمة على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب وجواره القريب خلال السنوات الأخيرة من عمر الحماية”.

دراسة الباحث محمد عبد المومن، التي نشرها أحد أعداد “دورية كان التاريخية”، تفسر هذا الواقع الماضي بطنجة، لما كان لها وضع دولي قبل استقلال المغرب، بـ”الفوضى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وغياب الرقابة، والتواطؤ بين شبكات الجريمة وبعض العناصر الأمنية والجمركية”.

ويردف الباحث ذاته: “النتائج المترتبة على الحرب الأهلية الإسبانية والحرب العالمية الثانية وفرت بيئة مناسبة ليس فقط لظهور عصابات متمرسة بالجريمة المنظمة، بل لجعل المغرب، وخاصة مدينة طنجة، محورا مهما لنشاط المافيا الإيطالية، حيث وفرت لها معبرا مهما نحو إسبانيا وأمريكا. وقد ساعد على ذلك الموقع الممتاز للمدينة، إضافة إلى توفرها على ميناء نشيط ونظام إدارة فريد من نوعه”.

ويوضح المقال كيف أدى “تعامل بعض أعضاء المافيا الإيطالية” مع تجار ورجال أعمال مستقرين في المغرب، وخاصة في طنجة، إلى “انعكاسات خطيرة على مستوى السياسة والاقتصاد والأمن، تجاوز تأثيرها المغرب ليشمل دول الجوار، وخصوصا إسبانيا والجزائر”.

ويبين الباحث أن “من معيقات البحث في حضور ونشاط عصابات الجريمة المنظمة بالمغرب خلال فترة الحماية كون القسم الأكبر من نشاط هذه العصابات كان يمارس في دول أخرى، فيما شكل المغرب ومدينة طنجة تحديدا ساحة من ساحات عديدة نشطت فيها تلك العصابات”، وزاد: “بالإضافة إلى ذلك فإن الطابع السري الذي يميز أنشطة عصابات الجريمة المنظمة حال دون الإحاطة بجوانب كثيرة من هذا الموضوع، خصوصا في ما يتعلق بطبيعة العلاقات بين العصابات التي كانت تنشط في الخارج ومن كانوا يتعاملون معها في الداخل، إلى جانب المصالح المشتركة بين المستويات التنظيمية المختلفة لهذه الشبكات الإجرامية”.

وتكشف الدراسة أن “عددا من الإيطاليين، خصوصا من صقلية ونابولي، والفرنسيين، خصوصا من كورسيكا، كانت لهم علاقات وثيقة بالمغرب، خصوصا على مستوى التهريب الدولي، إذ هربوا إلى المملكة وعبرها كميات هائلة من السلع، بما فيها الأسلحة والمخدرات والسجائر”.

وتابع المقال: “لقد وفر رجال الأعمال المنتسبون للمافيا الإيطالية الدعم المالي واللوجستي، وشبكة علاقاتهم الاقتصادية والسياسية، لضمان انسيابية عمليات التهريب عبر البحر الأبيض المتوسط؛ كما ساعدوا في تبييض الأموال التي جرى تحصيلها من هذه الأنشطة، ما جعلهم عنصرا فاعلا في تكامل المصالح بين الداخل والخارج”.

ومن بين المتورطين في هذه الشبكات “تجار جملة” زاوجوا بين “الأنشطة القانونية، وخصوصا التصدير والاستيراد وتجارة الجملة، والارتباط بالمافيا بسبب سيطرتها على خطوط التموين”. وتورط كذلك “حمّالون” لعبوا “دورا محوريا في أنشطة الجريمة المنظمة؛ إذ كان يقع على عاتقهم نقل السلع والأموال من مكان إلى آخر ضمن شبكات التهريب”، وفق المصدر ذاته.

ومن بين السلع المهربة إلى طنجة وعبرها “الأسلحة”، إذ “لعبت مخلفات الحرب العالمية الثانية من الأسلحة الخفيفة دورا بارزا في تسليح حركات المقاومين في المغرب، والجزائر، وعدد من الدول الأخرى”؛ وهي أدوات شملت “بنادق، ومسدسات، وقنابل يدوية، شكلت أداة فعالة في شن عمليات ضد القوات الاستعمارية، إذ كانت سهلة الحمل والاستخدام، ما جعلها ملائمة لحرب العصابات”.

وتكشف الدراسة أن “طنجة لم تكن سوى محطة في رحلة طويلة للأسلحة التي هربتها عصابات المافيا الإيطالية، فحسب تقارير فرنسية كانت تلك الأسلحة تنقل إلى المنطقة الفرنسية، ومنها صوب الجزائر، التي انفجرت بها ثورة مسلحة سنة 1945، سرعان ما تحولت إلى حرب تحريرية طاحنة”، مردفة: “حسب الوثائق نفسها فإن المسدسات كانت توجه إلى مدن المنطقة الفرنسية، في حين أن الرشاشات كانت تنقل صوب الجزائر”.