اخبار المغرب

فراغ العطلة الصيفية يربك الأطفال وينهك التوازن النفسي للأسر المغربية

تتحوّل العطلة الصيفية في عدد من الأسر المغربية من فرصة للراحة واستعادة التوازن النفسي إلى مصدر للضغط والانفعالات اليومية بسبب غياب النظام، الذي تفرضه الحياة المدرسية طيلة السنة الدراسية، وامتداد أوقات الفراغ دون تخطيط مُسبق، مما يؤثر سلبًا على مزاج الأطفال وسلوكياتهم، ويُفضي إلى مظاهر من “الشغب الصيفي” والسلوكيات الاندفاعية.

توتر الصيف

هشام العفو، متخصص نفساني ورئيس رابطة متخصصي الصحة النفسية والعقلية بالمغرب، قال إن “العطلة الصيفية تمثل فرصة ذهبية لاستراحة الأبناء والآباء على حد سواء، إلا أن فراغ الوقت والغياب شبه التام للهيكلة اليومية قد يتحولان إلى مصدر ضغط نفسي وسلوكي داخل الأسرة، فيشكو كثير من الأهالي من “شغب” الأبناء وتوتر العلاقات أثناء العطلة، مما يستدعي فهمًا سيكوتربويًا دقيقًا للوضعيات، ومن ثمّ تقديم حلول واقعية وواعية، وهذا ما يدفعنا كمتخصصين إلى العمل على دراسة وفهم وتشخيص هذا الواقع ومحاولة توجيه الأسر”.

وأوضح العفو، في تصريح لهسبريس، أن “كثيرا من الأسر قد تواجه خلال العطلة الصيفية تحدّياً مزدوجاً بين رغبة الأطفال في التسلية المطلقة ونقص الهيكلة اليومية التي اعتادوا عليها في المدرسة، مما يفضي إلى شعورهم بالملل والفراغ الذهني، وهذا الفراغ إذا لم يتم التحكم فيه بتنظيم مسبق، يتسلل إلى نفوسهم ويؤدي إلى سلوكيات فوضوية تُسمّى “شغب الصيف””، مشيرا إلى أن “الصراعات الصغيرة والشكاوى تكثر في هذه الفترة، سواء من قبل أولياء الأمور أو الأطفال أنفسهم”.

وتابع قائلا: “من الناحية السيكوتربوية، يمكن تفسير هذه الظاهرة بانعدام المحفّزات التعلمية والأنشطة الهادفة، إضافة إلى الإفراط في استخدام الشاشات الإلكترونية، التي ترفع مستوى التوتّر وتقلّل فرص التفاعل الأسري، ومع تراكم هذه الممارسات تصبح العلاقات داخل البيت أكثر هشاشة، حيث يقوم الأهل بدور الضابط والموجّه، في الوقت الذي تغلب فيه حساسية الأطفال تجاه الملل على قدرتهم على التعبير الإيجابي عن حاجاتهم، بينما يشعر الآباء والأمهات بالذنب والعجز أمام سلوك التجاوز المستمر، الأمر الذي يفاقم الضغط النفسي على الجميع”.

ولتفادي تحول العطلة الصيفية إلى مصدر توتر دائم، وجّه رئيس رابطة متخصصي الصحة النفسية والعقلية بالمغرب الأسر إلى “وضع خطة يومية مرنة يساهم فيها الأبناء بأنفسهم في تحديد أنشطتها، وهو ما يسمى “التدبير التفاعلي”، حيث تُقسّم فترات اليوم إلى برامج للتعلم الخفيف كالقراءة أو المشروعات العلمية المنزلية الصغرى، وأخرى للأنشطة البدنية كالسباحة أو ركوب الدراجة، وعمل يدوي أو فني يُعبّرون من خلاله عن إبداعهم”.

وأكد العفو على أهمية “تخصيص أوقات للعائلة تلتقي فيها مكونات الأسرة في حوار مفتوح حول ما حقّقوه وما يشعرون به بعيداً عن النقد واللوم”، و”إشراك الأطفال في إعداد قائمة بالوجبات الصحية أو تنظيم رحلة يومية بسيطة على تعزيز شعورهم بالمسؤولية وتخفيف الميل إلى التصرف العشوائي”.

وأضاف “إذا بدا على البعض أي توجّس أو اندفاع عدواني مفرط، فحينذاك يُستحسن الاستعانة بمتخصص نفساني تربوي لفهم خلفيات تلك السلوكيات وتقديم أدوات ضبط ذاتي أكثر نضجاً، وذلك بمزيج من التخطيط المشترك والاخبار السعودية الفعّال لكي تتحول العطلة من وقت فراغ جامد إلى فرصة لبناء مهارات جديدة وتقوية الروابط الأسرية بدلاً من أن تكون حقل توتر دائم”.

تخطيط ضروري

ندى الفضل، أخصائية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “العطلة الصيفية تُفترض أن تكون فرصة للراحة والتقارب الأسري، لكنها تتحول في الكثير من البيوت إلى ساحة صراعات يومية بسبب شغب الأطفال أو فرط نشاطهم داخل البيت، ومصدر ضغط نفسي للآباء، خاصة حين يشعرون بأنهم مطالبون بملء وقت الفراغ لأبنائهم دون دعم خارجي، كما قد تتحوّل إلى بيئة مولّدة للتوتر، حيث تتأثر العلاقة بين الأزواج، وبين الوالدين والأبناء بسبب الاستنزاف العاطفي والانفعالي اليومي”.

وأبرزت المتحدثة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الفراغ الطويل وغير الموجّه قد يُنتج آثارًا مثل العدوانية أو العناد عند الأطفال، وشعورهم بالملل والضيق، مما قد يدفعهم نحو سلوكيات مزعجة”، إضافة إلى الاحتراق النفسي عند الوالدين نتيجة الضغط المستمر، خاصة في غياب الدعم أو التخطيط الجيد”.

ولمواجهة شغب الأبناء وآثار الفراغ الصيفي نصحت الفضل الأسر بـ”بناء روتين يومي مرن، وليس بالضرورة أن يكون صارمًا، بل يوازن بين اللعب والقراءة والأنشطة العائلية والنوم”، لافتة إلى أن “الطفل عندما يعرف ماذا سيفعل في يومه سيقل سلوكه الفوضوي”، مؤكدة في الوقت ذاته أهمية “إشراك الأطفال في اختيار الأنشطة من خلال طرح سؤال: ما النشاط الذي تحب أن تجربه هذا الأسبوع؟ لأن إشراكهم يجعلهم أكثر التزامًا ويُقلّل التذمر”.

كما شددت على أهمية “تنويع الأنشطة المنزلية، وتعزيزها بأنشطة فنية كالرسم والطين والكرتون، وبالألعاب الفكرية البازل والذاكرة والكلمات المتقاطعة، والأنشطة البدنية كالرقص والتمارين الخفيفة وحركات اليوغا للأطفال”، مع ضرورة “الخروج المنتظم من البيت في إطار نزهات خفيفة إلى الحدائق العامة أو زيارة الأهل أو الذهاب إلى المكتبة…”.

ونصحت الفضل الوالدين بـ”إدماج الطفل في المهام الأسرية عبر ألعاب مثل “مَن يُنظّف غرفته أسرع؟” أو “الشيف الصغير” لأن ذلك يُنمّي حس المسؤولية ويُشعر الطفل بأهميته”، مع ضرورة “ترك مساحة شخصية للآباء لأن من المهمّ أن يحظى الأبوان ببعض الوقت الخاص لتجديد طاقتهما النفسية، وتخفيف الضغط عنهما”، و”تخصيص حوالي 15 دقيقة من التأمل أو القراءة أو التنفس العميق لأنها تُحدِث فرقًا”.

ومن النصائح التي قدمتها الفضل “طلب المساعدة عند الحاجة، سواء عبر تسجيل الطفل في نشاط صيفي (مخيم، ناد…)، أو استشارة مختص نفسي إذا ظهرت علامات إجهاد أو سلوك غير طبيعي متكرر”، منبهة إلى أهمية “إشراك الأب في تنظيم الوقت”، ولافتة إلى أنه “غالبًا ما يقع العبء على الأم، في حين يبقى من الضروري تشاركُ الأدوار بين أفراد العائلة”.