اخبار المغرب

قراءة نصية في جسد الذات العرفانية

أحمد بلحاج آية وارهامالأحد 7 شتنبر 2025 – 00:03

بين ومضات الخطاب العرفاني، المُسطَّر بأحبار النور والذكر، تتجلى الذات في نصوص عبد الإله بن عرفة ككيان ينصهر فيه الحضور والغياب، والمكان واللامكان، واللغة والسر الإلهي. تظهر النصوص كأرواح معلقة بين السطور، وكأنها تهمس للقارئ بأن الذات ليست كما اعتاد أن يراها، بل هي “ذات تشهد ذاتها”، ذات تتردد على مرآة التجلي فتعود مشرقة، مضيئة، باهرة.

يصورها بن عرفة في رواياته بين لحظات الوجد والافتراق، حيث يلتقي الجسد الروحي بالجسد المادي في رقصة متناقضة من أشواق الوجود، وكأن الذات ترتدي جلدتي النور والعتمة، لا في فصل واحد، بل في قراءة متعددة الأبعاد، تحكي عن زمن الروح الذي لا يُقاس بالساعات والأيام، بل بمدى التقاء النفس بالسر.

وطوال نصوصه، يطل استدعاءٌ متكررٌ لمعاني “الكتابة بالنور”؛ فالحرف يتحول إلى طيفٍ روحي، واللغة تصبح جسراً يربط الذات بالحقائق الخفية. ليست الكتابة هنا مجرد نقل للمعرفة، بل هي فعل عبوريّ، طقسٌ تأمليٌّ يعانق الذات في مراحل متدرجة من الإحاطة الذاتية والانكسار العارف.

وفي مشاهد سردية عديدة، نجد الذات ذواتٍ متداخلة، تتعانق فيها الأصوات والتلوينات، عبر نثرٍ يعزف على أوتار إيحاءات المعنى، حيث يتكشف بُعد الكوجيطو من جديد: ليس فقط على سبيل “أفكر، إذن أنا موجود”، بل أيضاً على أساس “ارتحل في نفسك لتكتشفك”. إنها رحلة خروج وصعود وانضمام للذات إلى الوجود في أوسع معانيه، حيث تتماهى الذات مع نور الحكمة، ولا تعود قلقة أو متذبذبة.

تلك الذات لا تسير في اتجاه ثبات هوياتي، بل تتأرجح بين الأنا واللا-أنا، بين التجربة الذاتية وحدود اللغة. وهي في هذا تأخذ بُعداً ديناميكياً متحولاً، كارتجالات أمواج البحر تحت ظلال القمر، ترتفع وتنخفض مع إيقاعات الذكر وأنغام الصمت.

وبهذا الطعم، تجسد الرواية العرفانية نوعاً سردياً جديداً غنياً، يتجاوز مفاهيم السرد التقليدي، ليبرز تجارب روحية وفكرية عميقة. هذه الرواية لا تقتصر على تدوين قصة فحسب، بل هي فضاء يجتمع فيه الفناء والبقاء، والنور والظل، والذكر والسر. وفي هذا الإطار، تحتل الذات مكانة مركزية داخل النسيج الروائي العرفاني، حيث تتحول إلى كيان كوني متعدد الأبعاد، منفتح على الغيب، حارسٌ للسر الروحي.

وقد صاغ عبد الإله بن عرفة هذه التجربة بحسٍّ شاعري وفلسفي لافت، فصارت الكتابة عنده نبعاً للنور، تتنقل بين الحضور والغياب، والتجلي والتكتم، لتولّد ذاتاً جديدة لا تُختزل في إطار الذات التقليدية. وتتشابك في نسيج روايته نصوص قرآنية وصوفية، فتصبح العمل الروحي تجلياً يدمج المقولات الروحية مع خطاب سردي يتحدى الحدود الزمنية والمكانية، ويخلق وعياً روحياً كونياً.

الرواية السرد عبد الإله بن عرفة