وداعا جوليا.. نجاح جماهيري لأول فيلم سوداني يعرض تجاريا في مصر

وكالة أنباء العالم العربي
نشر في:
الإثنين 20 نوفمبر 2023 – 6:37 م
| آخر تحديث:
الإثنين 20 نوفمبر 2023 – 6:37 م
أصبح تجمع بعض أفراد الجالية السودانية في مصر أمام دار عرض سينما مترو بوسط القاهرة مشهدا مألوفا للمارة الذين يطالعون أفيشات الفيلم السوداني (وداعا جوليا) وهي تتصدر واجهة أحد أشهر دور العرض السينمائي في مصر وأقدمها على الإطلاق.
وفيلم (وداعا جوليا) الذي كتبه وأخرجه السوداني محمد كردفاني هو أول فيلم سوداني يُعرض في دار العرض التي تأسست في مصر عام 1933 ثم اشترتها شركة (مترو غولدوين ماير) وغيرت اسمها من إمباير إلى سينما مترو عام 1940 لتصبح أحد معالم شارع طلعت حرب الشهير في وسط العاصمة.
ويرى سينمائيون وخبراء في شؤون السودان أن استمرار عرض الفيلم لنحو أربعة أسابيع متواصلة في 15 صالة عرض بين القاهرة والإسكندرية يكشف بوضوح عن تفاعل سوق التوزيع السينمائي مع التزايد الواضح في أعداد السودانيين الذين وفدوا لمصر بعد اندلاع الصراع المسلح في بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 أبريل نيسان الماضي.
ولا توجد إحصائيات رسمية تفصيلية صادرة من مصر عن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين، لكن المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة تقدر إجمالي عدد السودانيين المقيمين في مصر بنحو أربعة ملايين سوداني، يتمركز نحو 56% منهم في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ودمياط والدقهلية.
وتقول الصحفية أسماء الحسيني نائبة رئيس تحرير صحيفة الأهرام في مصر والخبيرة في الملف السوداني “أعداد السودانيين في مصر تقترب من ستة ملايين سوداني، حوالي 40 في المئة منهم يعملون في وظائف ثابتة، وأغلب هؤلاء من الشباب في عمر الثلاثين”.
وتضيف أن جمهور الفيلم في غالبيته من الشباب، كما أن موضوعه يعزز مخاوف السودانيين من استمرار الحرب وتنامي صور التمزق والانفصال.
* حصاد الجوائز
فاز فيلم (وداعا جوليا) بالعديد من الجوائز العالمية والمحلية، ونال يوم الجمعة الماضي جائزتين ضمن فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان الفيلم المسلم الدولي في تورنتو بكندا، إذ فاز بجائزة التفوق وجائزة أفضل تمثيل لبطلته إيمان يوسف.
فاز الفيلم أيضا بجائزة الجمهور في مهرجان موسترا السينما العربية والمتوسطية في قطالونيا بإسبانيا، ليصبح في رصيد الفيلم أكثر من 15جائزة دولية كانت آخرها جائزة أفضل فيلم التي نالها في النسخة الثالثة والعشرين من مهرجان بلفاست السينمائي في أيرلندا الشمالية.
جاء ذلك بالتزامن مع انطلاقة الفيلم تجاريا في دور العرض الفرنسية حيث يُعرض في أكثر 50 شاشة في 21 مدينة داخل حدود الدولة الأوروبية ، ليصبح بهذا أول فيلم سوداني يُعرض تجاريا في فرنسا.
اختير الفيلم أيضا لتمثيل السينما السودانية في مهرجان كان السينمائي الدولي، وكان أول فيلم سوداني يشارك في المهرجان حيث تم عرضه في قسم (نظرة ما).
ونال الفيلم إشادات النقاد والجمهور، كما اختارته اللجنة الوطنية السودانية لتمثيل السودان رسميا في جوائز الأوسكار فئة أفضل فيلم دولي لعام 2023 بإجماع أعضاء اللجنة.
* الإقبال الجماهيري
تلعب بطولة الفيلم الممثلة والمغنية إيمان يوسف وعارضة الأزياء وملكة جمال جنوب السودان السابقة سيران رياك، ويشارك في بطولته الممثل نزار جمعة وقير دويني الذي اختارته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سفيرا للنوايا الحسنة عن منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي.
وتدور الأحداث قبيل انفصال الجنوب، حيث تتسبب منى، وهي سيدة شمالية تعيش مع زوجها أكرم، في مقتل رجل جنوبي. ولكي تخفف شعورها بالذنب تقرر تشغيل زوجته جوليا التي كانت تبحث عنه خادمة في منزلها، وتتحمل نفقات تعليم ولدها.
لكن صداقة تنشأ بين السيدتين تجعل جوليا تشجع سيدتها منى على العودة إلى الغناء، وهو أمر يغضب الزوج أكرم الذي يحاول إبعاد جوليا عن المنزل، خاصة بعد تعرفها على ناشط سياسي من الجنوبيين الساعين لطلب الثأر لمقتل زوجها.
ويرى الناقد السينمائي المصري عصام زكريا أن القيمة الفنية العالية للفيلم لا تكفي وحدها لتفسير نجاحه، ويقول “ساعد المناخ السياسي العام على استقباله بشكل جيد، كما أن انشغال السودانيين في مصر بمصيرهم ساهم في زيادة الإقبال الجماهيري”.
ويضيف “نجاح الفيلم بالنسبة لنوعية ما يقدمه من رسائل وجنسيته يعد نادر الحدوث في مصر التي اعتاد جمهورها على تقبل الأفلام الأميركية”.
ويلفت كذلك إلى أن هذا النجاح لا بد وأن يغير من حسابات سوق توزيع الأفلام غير المصرية، “فهو كاشف عن نمو شريحة جديدة من الجمهور لديها الاستعداد للمغامرة مع أفلام تتسم بالطموح، وهي شريحة تحتاج لدراسة ميدانية عن معاييرها في التلقي”.
ويرى الشاعر والسيناريست السوداني حسام هلالي أن مؤلف (وداعا جوليا) نجح في كتابة فيلم متوازن في رؤيته لحدث مهم في تاريخ السودان وهو تجربة الانفصال وتداعياته. ويقول إنه بالإضافة لهذا التوازن السياسي، هناك أيضا رغبة في مخاطبة الجمهور وإثارة اهتمامه “وبالتالي لم يقدم كردفاني عملا تجريبيا مجردا، بل راهن على تقديم عمل جماهيري ممتع دون التخلي عن الجماليات الفنية المميزة”.
ويفسر هلالي صمود الفيلم في دور العرض المصرية لنحو أربعة أسابيع بأنه يحمل إشارة دالة على تحول نوعي في قدرة الجمهور المصري على استقبال نوعية مختلفة من الأفلام، كما يشير إلى كفاءة حملات الترويج الإعلاني للفيلم على مواقع التواصل الإجتماعي والتي زاد من تأثيرها استقبال الفيلم نقديا بشكل جيد.
ويؤكد هلالي الذي تولى إدارة ندوة حول الفيلم مع انطلاق عرضه في مصر أن بقاءه في دور العرض المصرية مرتبط بالزيادة الواضحة في أعداد السودانيين الذين دخلوا مصر بعد الحرب الأخيرة.
لكنه يضيف “لا ينبغي أن ننسى أيضا أن هناك مشاركة مصرية في إنتاجه، وبالتالي هو بشكل أو بآخر يُعرض في بلد إنتاجه”.
* مخاطبة ذائقة الجمهور
يقول مخرج الفيلم ومؤلفه محمد كردفاني في رسالة كتبها لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) من نيويورك ضمن جولة ترويجية للفيلم “لدينا تجربة سابقة لعرض فيلم سوداني في مصر هو فيلم (ستموت في العشرين) لأمجد أبو العلاء في سينما (زاوية)”.
وأضاف أن فيلم (ستموت في العشرين) استمر عرضه لفترة لا بأس بها “لأنه فيلم ناجح بشهادة الجميع، ولكن بالنسبة لفيلم (وداعا جوليا)، فهي المرة الأولى التي يُعرض فيها فيلم سوداني في سينمات مصرية تجارية بهذا العدد وفي مدن مصرية مختلفة”.
ويُرجع كردفاني ذلك لعدة عوامل من بينها وجود جالية سودانية كبيرة لجأت لمصر بعد الحرب في السودان، “كما أن رحلة الفيلم منذ عرضه الأول بمهرجان كان مرورا بكارلوڤي ڤاري ولندن BFI ومهرجان شيكاغو وميل ڤالي ووارسو صنعت سمعة طيبة له ساعدت على تسويقه”.
ويشير إلى أن الفيلم نفسه مصنوع بطريقة تلائم ذائقة الجمهور العام، فبالرغم من أنه يتناول موضوعا شائكا في سياق سياسي، فإنه يحتوي على أحداث مثيرة وعوامل لها شعبية كالموسيقى وجريمة القتل والمشاكل الزوجية، وكلها عوامل ساعدت في جذب الحضور ونجاح الفيلم جماهيريا.
وتُرجح الدكتورة أماني الطويل، مستشارة مركز الأهرام للدراسات السياسية والمتخصصة في شؤون السودان، أن نجاح الفيلم جاء نتيجة تفرده في طرح واقع السودان الحقيقي “وأنه مسَّ بقدر من الرهافة قضية عدم الاندماج الوطني وصور الانقسام العرقي دون اللجوء لأشكال العنف”.
وتشير كذلك إلى أن الفيلم “يكشف الطفرة التي تشهدها السينما السودانية بعد سنوات طويلة من الركود بسبب طبيعة الحكم الديني خلال فترة الرئيس عمر البشير الذي قضى تماما على صناعة السينما هناك”.
وتضيف “خبرة السوادنيين مع الحرب جعلتهم أكثر قبولا لرسالة الفيلم، فقد أدركوا أن ما يعيشونه من ألم هو نتيجة لعدم الاندماج ورفض التعددية الإثنية والعرقية”.