كوريا الشمالية تطلق «صاروخاً بالستياً غير محدد»

الإرهاب قضية يمكن أن تزعزع استقرار الوضع الاستراتيجي بين باكستان والهند بشكل كبير، ويرى خبراء عسكريون إقليميون ودوليون أن أي هجوم يُسقط عدداً كبيراً من الضحايا في المستقبل قد يُشعل أزمة عسكرية أخرى في المنطقة. ولم يحتج جنوب آسيا على مدار تاريخه إلى قيادة ذات رؤية ثاقبة أكثر مما يحتاج إليه الآن لمجابهة التحديات الجيوسياسية والاستراتيجية التي تنتظره.
واليوم، تسير باكستان والهند في مسارات استراتيجية وعسكرية خطيرة، وتحتاج المنطقة إلى قيادة يمكنها أن تسمو فوق مستوى السياسات الانتخابية المحلية، وتأثيرها على التصورات والمواقف والسياسات لتأخذ في الاعتبار بدلاً من ذلك، الاتجاهات الاستراتيجية والعسكرية الخطرة التي تحدد العلاقات بين الثنائي النووي في جنوب آسيا. ويعتقد خبراء عسكريون أن وسائل الإعلام لا تناقش هذه الاتجاهات العسكرية والاستراتيجية، وأن هذه الاتجاهات ليست جزءاً من الخطاب السياسي المعتاد. ومع ذلك، فإن هذه الاتجاهات تبدو مرئية لجميع المراقبين اليقظين، وهي جزء لا يتجزأ من بيئتنا الاستراتيجية.
القيادتان السياسيتان في البلدين متخاصمتان في خضمّ بيئة متوترة
ومن المفارقات أن القيادتين السياسيتين في البلدين متخاصمتان في خضمّ هذه البيئة الاستراتيجية المتوترة، على الرغم من حقيقة أننا لم نحتج قط إلى اتصالات سياسية منتظمة بين البلدين أكثر مما نحتاج إليه الآن.
بعد التفجيرات النووية في مايو (أيار) 1998 مباشرةً، جاء الأميركيون يهرولون إلى كل من إسلام آباد ونيودلهي لإقناع القيادتين بالعمل على الحفاظ على اتصالات سياسية منتظمة بينهما.
نصائح لدى الأميركيين من تجربة الحرب الباردة
وجاء الأميركيون وفي جعبتهم نصائح من تجربة الحرب الباردة حول كيفية الحفاظ على الخطوط الساخنة على المستويات الفنية والبيروقراطية والسياسية للإبقاء على فاعلية علاقة الردع النووي. كان الأميركيون واضحين في أنه من الضروري للغاية الحفاظ على علاقات شخصية متزنة إلى حد ما بين القادة السياسيين في باكستان والهند لخلق بيئة استراتيجية مستقرة في منطقة جنوب آسيا. ولطالما تحدث الدبلوماسيون الأميركيون في إسلام آباد ونيودلهي خلال السنوات التي أعقبت التفجيرات النووية مباشرةً عن الحاجة إلى إقامة علاقات شخصية دافئة ووثيقة، وكان الود بين رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف، ونظيره الهندي أتال بيهاري فاجبايي، نتاج جهود كبار الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الأميركية.
ولو قفزنا سريعاً إلى يوليو (تموز) 2023، سنجد أن البيئة الاستراتيجية أكثر خطورة مما كانت عليه في السنوات التي أعقبت التفجيرات النووية مباشرة.
ومنذ ذلك الحين، بتنا نشهد صراعات عسكرية مباشرة في المرتفعات الجبلية في كارجيل، واشتعلت مواجهة استمرت عشرة أشهر بين جيشي البلدين عام 2002 مباشرة بعد الاعتداءات الإرهابية على البرلمان الهندي في ديسمبر (كانون الأول) 2001.
كانت المواجهة العسكرية محبطة عسكرياً للهنود، واستغرق الأمر 3 أسابيع لتعبئة تشكيلاتهم الهجومية والوصول إلى المناطق القريبة من الحدود الدولية. كان هذا الوقت الذي استخدمه الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون للضغط على الحكومة الهندية للتراجع عن معاقبة باكستان لدورها المزعوم في الهجوم على البرلمان الهندي. ثمة تطوران مهمان في المجال الاستراتيجي جعلا جنوب آسيا مكاناً خطيراً للغاية: أولاً، راودت الجيش الهندي فكرة شن حرب محدودة لمعاقبة باكستان عسكرياً، دون المستوى الذي قد يدفع الأخيرة لاستخدام أسلحتها النووية. حتى اليوم، لم تعلن باكستان عقيدتها النووية، لكن يسود اعتقاد بأن باكستان لن تضطر إلى استخدام خيارها النووي إلا إذا كان وجودها كدولة ذات سيادة مستقلة على المحكّ. وفي مواجهة تهديد الإرهاب العابر للحدود، راودت الجيش الهندي فكرة معاقبة باكستان بتدمير جزء من أصولها العسكرية، لكن بدرجة لا تدفعها إلى استخدام الأسلحة النووية. لتسهيل هذا المفهوم المحدود للحرب، طوَّر الجيش الهندي «عقيدة البداية الباردة» في ضوء تجربته المحبطة في المواجهة العسكرية عام 2001 عندما احتاج جيشه إلى ثلاثة أسابيع مرهقة لإتمام التعبئة.
وتسهل «عقيدة البداية الباردة» وضع تشكيلات الهجوم الهندية -أصول القوات البرية والجوية- بالقرب من الحدود الدولية. وعلى الجانب الآخر، توصلت باكستان إلى ردها الخاص على عقيدة البداية الباردة: الأسلحة النووية التكتيكية وأنظمة التوصيل. يدعي بعض المحللين الباكستانيين أن هذه الأسلحة النووية التكتيكية وأنظمة التوصيل، التي تم اختبارها مراراً وتكراراً من باكستان، باتت جزءاً من خطط الحرب العسكرية الباكستانية. ويعني هذا أن أي تشكيل مدرع هندي يدخل الأراضي الباكستانية سيُسحق بمساعدة الأسلحة النووية التكتيكية.
والقصة لم تنتهِ هنا، حسب الخبراء، إذ إن هناك مسؤولين هنود يدّعون أن أي استخدام للأسلحة النووية التكتيكية ضد القوات المسلحة الهندية، حتى خارج الأراضي الهندية، سيلقى رداً انتقامياً نووياً هائلاً، ما يعني بعبارة أخرى، حرباً نووية شاملة.
ومع ذلك، نجد أن كل ما سبق ليس جزءاً من الخطاب السياسي المعتاد في الهند أو باكستان. تصدرت الأسلحة النووية التكتيكية وأنظمة إيصالها عناوين الصحف في باكستان طيلة عام 2013، لكن تداعياتها العسكرية بالكاد نوقشت في وسائل الإعلام. وقد نفت الحكومة الهندية مراراً وتكراراً وجود أي خطة باسم «البداية الباردة». لكنّ قواتها البرية والجوية تُجري مناورات عسكرية بصفة سنوية منذ عام 2002 للتحقق من الدروس المستفادة من التجربة المحبطة للمواجهة العسكرية عام 2002 التي تجلّت في عقيدة البداية الباردة. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى تحويل اشتباكات عسكرية خاملة إلى صراع عسكري مباشر هو هجوم إرهابي عبر الحدود من أيٍّ من الجماعات الإرهابية التي توجد بكثرة في المنطقة.
وهناك خبراء نوويون محليون ودوليون يعتقدون أنه يجب على الحكومتين الباكستانية والهندية تكريس بعض الوقت والجهد لمنع الاعتداءات الإرهابية المستقبلية في المنطقة التي يمكن أن تؤدي إلى نشوب صراع عسكري، بدلاً من إنفاق الملايين على تطوير الأسلحة النووية التكتيكية وأنظمة إيصالها. ومن شأن سن سياسة مشتركة لمكافحة الإرهاب أن تخدم هدف تحقيق الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة بشكل أكثر فاعلية بكثير عن مفهوم الردع النووي الذي عفا عليه الزمن.
وهذا هو السبب في الدعوة إلى وجود قيادة سياسية ذات رؤية في باكستان والهند. والأسبوع الماضي، تبادل رئيسا الوزراء الهندي والباكستاني الهجوم بقوة، وإن كان بأسلوب غير مباشر، على سلوك دولة كل منهما بشأن قضية الإرهاب في أثناء كلمتيهما خلال قمة افتراضية لمنظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية تضم في عضويتها الصين، وروسيا، والهند، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وباكستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان وأخيراً انضمت إليها إيران. تشكل المنظمة حالياً أكبر كتلة إقليمية في العالم من حيث النطاق الجغرافي والسكان.
وطلب رئيس الوزراء الهندي من رؤساء دول المنطقة إدانة تلك الدول التي تدعم الإرهاب العابر للحدود. وقال إن عدم إدانة مثل هذه الدول يرقى إلى مستوى ازدواجية المعايير. صحيح أنه لم يذكر اسم باكستان صراحةً، لكن إشارته كانت واضحة.
المأساة في هذا الوضع برمّته أنه لم تعد هناك جهة خارجية تهتم حقاً بالاستقرار الاستراتيجي في جنوب آسيا، فالأميركيون مشغولون بدعم الجيش الهندي كقوة موازنة لقوة الصين العسكرية الصاعدة. والسؤال: هل أدار الأميركيون ظهورهم لجنوب آسيا؟ ليس حقيقياً، لكن تصورهم للمنطقة قد تغير، فبدلاً من التقريب بين باكستان والهند، يبدو أنهم أصبحوا أكثر اهتماماً ببذل الجهود لخدمة مصالحهم الاستراتيجية من خلال إشراك الهند في نادي الحلفاء الغربيين لمواجهة الصين.
من جهته، يسعى رئيس الوزراء الباكستاني لعمل دعاية مكثفة لسخريته من رئيس الوزراء الهندي خلال القمة الافتراضية لـ«منظمة شنغهاي للتعاون» كلما اقتربت باكستان من الانتخابات البرلمانية العامة، ويلعب رئيس الوزراء الهندي أيضاً لعبة السياسات الانتخابية. لذلك، لا يزال الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة هشاً.