اخبار فلسطين

“إبادة التعليم” في قطاع غزة .. ماذا حلّ للجامعات الفلسطينية خلال عام؟

غزة خاص قدس الإخبارية: منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حملت الغارات الثقيلة والمجازر الدموية رسالة واحدة من حكومة الاحتلال، مفادها تدمير كافة مناحي الحياة في القطاع لدفع الفلسطينيين نحو التهجير..

لم تكن الغارات المدمرة التي شنها سلاح جو الاحتلال تستهدف السكان فقط وتفتك بهم بمجازر وصل عدد ضحاياها المئات، بل استهدفت كل ما كان ملاذاً أو مصدراً إنسانياً أو تعليمياً لهم، وكأن حملةً انتقامية لم يسبق لها مثيل قد شُنت على قطاع غزة في مثل هذه الأيام قبل عامٍ كامل.

كانت الجامعات الفلسطينية هي أول ما بدأ تدميره في حرب الإبادة بموازاة تدمير المنازل والأبراج السكنية في القطاع، فيما أوضحت عمليات تدمير الجامعات والتي تم توثيقها بشكلٍ مرئي، الحقد الإسرائيلي الشديد على منظومة التعليم في القطاع، وكأن انتقاماً إضافياً ارتكبه جيش الاحتلال ضد المؤسسات التعليمية، نوضح في هذه المادة المصير الذي لحق بالجامعات الفلسطينية في قطاع غزة، ونستذكر مع عددٍ من طلبتها واقعها وحالتها قبل حرب الإبادة.

الجامعة الإسلامية… تحريض ثم تدمير

كانت الجامعة الإسلامية في قطاع غزة، أولى الجامعات التي سعى لتدميرها جيش الاحتلال الإسرائيلي، واتبع بذلك محورين، تمثل المحور الأول بشن دعايةٍ إعلامية تحريضية ضخمة ضدها تحت مصطلح “معقل للإرهاب” والنشر الإعلامي الإسرائيلي حول “دراسة قادة ومهندسين المقاومة فيها”، ثم قصفها بشكلٍ مكثف في رابع أيام الحرب بتاريخ 11 تشرين أول/أكتوبر 2023.

في حينها نشر الناطق باسم جيش الاحتلال “أفخاي أدرعي” تغريدةً على موقع إكس “تويتر”، تفاخر به بتدمير الجامعة باعتبارها “معقلاً للقوة العسكرية والسياسية لحماس” على حد زعمه، فيما استهدفت طائرات الاحتلال مباني ومرافق الجامعة بغارات مدمرة، هدمتها بشكلٍ كلي، واشتعال النيران بالمباني القائمة فيها، ثم استكمل جيش الاحتلال تدميرها خلال توغله غرب مدينة غزة في شهر تموز الماضي.

تستذكر يسرى الحاطي رحلتها الدراسية في الجامعة الإسلامية بين عامي 2019 2023، في حديث خاص لـ”شبكة قدس” قالت فيه: لم تكون الجامعة بالمكان العادي أبداً  أنا أقول أن عند أول خطوة أضعها  في الجامعة أدخل مدينة أخرى مليئة بالثقافة والحضارة ..طالبات كُثر يحملن من الاختلاف الكثير، ترى القطاع كله داخل محاضرة، وجدت فيها خير من علمني وزرع في داخلي القيم المعنوية قبل التعليم بحد ذاته”.

وعن المكانة العلمية والأكاديمية للجامعة، تقول الحاطي: في قطاع غزة تقريباً لايوجد مؤسسة أو مدرسة أو مستشفى تخلو من موظف حصل على شهادته في الجامعة الإسلامية، نحن نرى ونعلم في قطاع غزة قدرة الجامعة العلمية والأكاديمية والمهنية ولا تخفى على من يرى الواقع العلمي في القطاع”.

وأكدت الحاطي أن الجامعة “عملت على تقوية علاقتها الخارجية بشكل كبير، وسعت في إكساب طلبتها الخبرة وإطلاعهم على العالم الخارجي في المستوى المهني والأكاديمي من حيث فكرة تبادل الطلاب مع جامعات مختلفة حول العالم”. 

وتضيف: إضافة لاهتمامها بطاقمها التدريسي بشكل كبير، والسعي لاستقطاب الكفاءات العلمية والأكاديمية، لتكون ضمن الهيئة التدريسية، وانعكس ذلك بشكلٍ جلي على طلبة الجامعة وخريجيها، إضافةً لاحتضانها المتفوقين من طلبتها وتطوير أبحاثهم العلمية، وإضافة لاهتمامها الواسع بالمجال الرياضي.

وعن المكتبة، أبرز معالم الجامعة وأغناها على الإطلاق، حسب تعبيرها، قالت الحاطي:  الجامعة خصصت مبنى  ضخم كامل نسميه مبنى المكتبة المركزية وهو أكبر  مكتبة على مستوى قطاع غزة، وفيه كتب لا تجدها إلا في الجامعة الإسلامية، وكانت مرجعاً علمياً للطلبة من كافة الجامعات للحصول على مصادر علمية لأبحاثهم، وخاصة طلبة الدراسات العليا.

واستكملت حديثها: المكتبة وفرت لنا مرجعية علمية ضخمة فخلال أبحاثنا في المرحلة الجامعية لم أكن بحاجة لكتب ومصادر من خارجها فكنت أكتفي بالكم الكبير الذي ألقاه فيها، واحتوائها على الكتب باللغتين العربية والإنجليزية”.

وأضافت يسرى أن الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، وخاصة الطلبة يعيشون “حالة خوف من فقدان الجامعة”، وتابعت: خاصة مع نظام التعليم الالكتروني وحرصها على عدم ترك الطالب بالرغم من معرفتنا جميعاً بخسارتها كل شيء، حتى أنها في الشهور الماضية خسرت صفحتها الإلكترونية كاملة ولكنها كانت في حذر سابقاً من هذا واستطاعت استرداد كامل معلوماتها.

وخلال السنوات الماضية، سعت الجامعة الإسلامية جاهدة لإثبات نفسها على مستوى الوطن العربي وعلى المستوى العالمي  أيضاً  حاصلة على 15 اعتراف وعضوية بينها من الأمم المتحدة.

جامعة الأزهر… ذكريات بين الأجمل والأقسى

بعد أيام من قصف الاحتلال لمباني الجامعة الإسلامية، طال عدوان الاحتلال جامعة الأزهر في منطقة المغراقة جنوب قطاع غزة، من خلال قصفها بغاراتٍ عنيفة لا تقل ضراوةً.

وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، شنت طائرات الاحتلال غارات جوية شملت مبنى الجامعة، وأدى القصف إلى إصابة المباني بأضرار جسيمة ودمار كبير في مرافقها.

ولحقت أضرار كبيرة بمباني كليات الحرم الغربي، ومنها مكتبة الجامعة المركزية وكلية طب الأسنان، بما فيها من عيادات ومختبرات، وكليتي التربية والآداب والعلوم الإنسانية، وكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، وقاعة حيفا الكبرى وقاعة عكا الكبرى وقاعة الشيخ محمد عواد، ومعهد المياه والبيئة بما يحتوي عليه من مختبرات وقاعات دراسية.

وخلال الاجتياح الإسرائيلي لمنطقة المغراقة، فجرت قوات الاحتلال مباني كليات الطب والهندسة والزراعة، والمباني الإدارية للجامعة.

تقول فرح غربية، خريجة جامعة الأزهر تخصص قانون، إن مرحلة دراستها الجامعية في جامعة الأزهر، كانت المرحلة الأبرز والأجمل في حياتها، في حين ذكرت لـ”شبكة قدس” في حديث خاص، إن “استرجاع الذكريات وتفاصيل الحياة الجامعية تلازمها”، في حين تحولت هذه الذكريات إلى “مأساة” عند مشاهدتها لتفجير جنود الاحتلال لمباني الجامعة، التي عاشت فرح فيها وتلقت بها تعليمها الجامعي لسنواتٍ عدة.

وعن ما ساهمته جامعة الأزهر بصقل شخصيتها، تقول فرح: علمتني الجامعة أن مهما كانت ظروف الإنسان المادية صعبة، ومهما حرم من الرفاهيات، في ظل حصار خانق، فإن ذلك يعلمه بإصرارٍ على مقاومة الظروف الصعبة، ومحاولة التغلب عليها باستمرار وعدم الاستسلام. 

أما النظام التعليمي في جامعة الأزهر، فأكدت فرح بأنه كان على “درجة من التميز والقوة

، بشكل مفيد للطلبة بمختلف التخصصات وعلى نطاقٍ واسع”، وأكدت أن الأزهر “تميزت بكادرها التعليمي الذي أثر بشكلٍ إيجابي وكبير على الطلاب والخريجين منها، فضلاً عن سعي الكادر “التعليمي على تحفيز الطلبة، والسعي لإخراج أفضل ما لديهم بشكلٍ دائم.

أما عن مكتبة الجامعة، فتصفها غريبة بــ”المكان العلمي الضم الذي ضم المؤلفات المتنوعة من مختلف المجالات والعلوم الطبيعية والإنسانية والشرعية”، قبل أن يحرقها جنود الاحتلال ويدمروا ما فيها من كتب وذخائر علمية.

جامعة فلسطين… جارة البحر وحقد الغزاة

على بُعد 1 كم عن شاطئ البحر، وفي مدينة الزهراء وسط قطاع غزة، كانت تتربع هناك جامعة فلسطين، الجامعة الفلسطينية الحديثة إذا ما قورنت بجامعتي الأقصى والأزهر، ورغم حداثتها سجلت إنجازات عالية من خلال تطوير كلياتها وتخصصاتها، ثم ارتباطها بعدد من الجامعات العربية والدولية كجامعة فالنسيا بإسبانيا.

وكمصير أخواتها، تعرضت جامعة فلسطين لغارات مكثفة خلال شهر كانون أول/ديسمبر 2023 ما أدى لتدمير أجزاء منها، ثم استكمل التدمير والحرق بعد توغل جيش الاحتلال في منطقتها.

تتحدث الطالبة في جامعة فلسطين، تخصص حقوق، نادين الدهشان، عن جامعتها التي باتت أثراً بعد عين بعد تدميرها في حرب الإبادة، ومنعها الاحتلال من استكمال التعليم فيها، أن أكثر ما يميز الجامعة هو “الاستقرار والهدوء، فضلاً عن المرافق والخدمات العلمية المتقدمة والمتطورة التي كانت تقدمها للطلبة”.

وتستكمل نادين حديثها بقولها: كانت النظام التعليمي بالجامعة هو الأروع والأكثر تطوراً وخاصة في الجانب التقني والعملي، كوجود المختبرات المتقدمة لكلية الطب والتخصصات الصحية والطبية، وحتى لتخصصات العلوم الإنسانية، كوجود مبنى المحكمة الصورية لتخصص القانون، والكثير من المرافق المتقدم”.

وكما دمر جيش الاحتلال مدينة الزهراء بأكملها، دمر مباني جامعة فلسطين بالكامل مع إحراقها، وأظهرت المشاهد المصورة تلذذا من جانب جنود الاحتلال في إحراق مباني الجامعة بعد قصفها من الجو.

وبعد تدمير الجامعة، أكدت نادين على إصرارها الكبير بمواصلة تعليمها في ظل الحرب والسعي لنيلها شهادات عليا، وقالت: من باب الانتماء لجامعتي الأم وللشعب الفلسطيني بقطاع غزة، ومن أجل أفراد عائلتي الشهداء، سأسعى جاهدة لاستكمال ذلك بكل أمل.

حرب على التعليم

وخلال الحرب على قطاع غزة، دمر جيش الاحتلال 12 جامعة فلسطينية بشكلٍ جزئي أو كلي، فضلاً عن عدد كبير من المدارس في سياق عملية متكاملة لتدمير قطاع التعليم وتحويل أجيال كاملة في غزة إلى “جهلة”، بالتعبير الإسرائيلي الصريح..

ولم يقف الاستهداف عند هذا الحد، بل وصل إلى استهداف الأكاديميين وحملة الشهادات العليا وأصحاب العقول العلمية، فقد قتل الاحتلال المئات من دكاترة وأساتذة الجامعات بشكلٍ متعمد ضمن المجازر الدموية المستمرة حتى يومنا.