استهداف القيادات الفلسطينية في لبنان.. ما الذي يريده الاحتلال من الفصائل هناك؟
خاص شبكة قدس الإخبارية: أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس اليوم الاثنين، عن استشهاد قائدها في لبنان وعضو قيادتها في الخارج، الشهيد فتح شريف أبو الأمين، مع زوجته وابنيه، بغارة جوية إسرائيلية استهدفته بمنزله في مخيم “البص” جنوب لبنان.
وقالت حماس في بيان لها “بكل معاني الصبر والفخر والاعتزاز، ننعى إلى جماهير شعبنا الفلسطيني، وأمتنا العربية والإسلامية، الشهيد القائد فتح شريف أبو الأمين قائد حركة المقاومة الإسلامية حماس في لبنان وعضو قيادة الحركة في الخارج شهيدا على طريق القدس، وفي ظلال ملحمة طوفان الأقصى، وزوجته المربية الشهيدة أمية إبراهيم عبد الحميد، وابنيه الشهيد أمين والشهيدة وفاء”.
بالتزامن مع ذلك، شن طيران الاحتلال غارة جوية على منطقة الكولا في بيروت، ما أدى لاستشهاد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين محمد عبد العال، وعماد عودة عضو الدائرة العسكرية في الجبهة، وعبد الرحمن عبد العال، وفق ما اكدته الشعبية في بيانٍ لها.
تأتي هذه الاغتيالات ضمن حوداث اغتيالٍ مشابهة نفذها الاحتلال واستهدف بها قياداتٍ وعناصر من فصائل المقاومة الفلسطينية في لبنان، منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/أكتوبر، فما أبرز هذه الاغتيالات، ولماذا يستهدف الاحتلال الشخصيات الفلسطينية في لبنان، وهل عادت مخيمات لبنان للمشاركة في المشهد المقاوم بعد عقود من الانقطاع؟
محالاوت النهوض في ظل الإنهاك
منذ أن بدأت معركة طوفان الأقصى قبل نحو عام، افتُتحت مرحلةً جديدة أمام المخيمات الفلسطينية في لبنان، تتيح لشبابها المشاركة في مقاومة الاحتلال، بعد محاولات مريرة من استعادة فاعلية تلك المخيمات، ونقلها إلى واقع جديد من العمل الوطني تحفزه دماء الشهداء، وذلك بعد أن غابت مخيمات اللجوء الفلسطينية عن المشهد لسنواتٍ طويلة، وأُنهكت بالخلافات الداخلية منذ منتصف الثمانينات حتى قُبيل الطوفان بأسابيع قليلة، وبمحاولات السلطة الفلسطينيّة فرض سطوتها عليها وإخضاعها لبرنامجها.
وفي الواقع لم تنقطع محاولات الفصائل الفلسطينية المقاومة من إنقاذ مخيمات لبنان واستحضارها في البرنامج الطبيعي للقضية الفلسطينية وهي المقاومة المسلحة، ويمكن القول أن هذه المحاولات بدأت في سنوات التسعينيات بعد الهدوء النسبي الذي شهده لبنان في أعقاب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية.
إضافةً إلى ذلك ساهمت المنعطفات البارزة التي مرت بها الفصائل الفلسطينية في محاولة إنعاش المخيمات، كحادثة إبعاد مرج الزهور وبقاء عددٍ من كوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي داخل لبنان، والتوجه إلى المخيمات الفلسطينية وتوضيح الوقائع الجديدة التي عاشتها الأراضي الفلسطينية المحتلة كالانتفاضة الأولى (1987 1993)، وبدايات المقاومة المسلحة في قطاع غزة والضفة الغربية.
واستمرت هذه التحولات بشكلٍ بطيء لكنها استفادت من تطوراتٍ جديدة كتحرير جنوب لبنان عام 2000 وتوطيد العلاقة بين حزب الله والفصائل الفلسطينية كافة دون استثناء، في حين تنبه الاحتلال إلى هذا الأمر بين عامين 2008 2009، ووضح ذلك بتصريحات صحفية شملت توقعاتٍ عن استفادة حركة حماس من علاقتها بحزب الله وإنشاء جناح عسكريٍ لها في لبنان، غير أن انعدام وجود أدلة واضحة تثبت ذلك، تلاشت هذه التوقعات في سيل الأحداث المتتابعة آنذاك.
في أعقاب ذلك، حاولات الأجهزة الاستخبارتية الإسرائيلية ملاحقة أي نشاط فلسطيني مقاوم داخل لبنان، فاغتالت الأخوين محمود (أبو حمزة) ونضال المجذوب وسط مدينة صيدا اللبنانية في أيار/مايو 2006، وكان أبو حمزة المسؤول العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في لبنان، وتعرّض قبل ذلك لأربع محاولات اغتيال بحسب مصدرٍ في الجهاد الإسلامي.
وفي عام 2009، وقع انفجار في مركزٍ لحركة حماس بالضاحية الجنوبية لبيروت، استشهد على إثره شابان فلسطينيان من مخيم برج الشمالي للاجئيين هما باسل جمعة وحسن الحداد، فيما لم تُذكر تفاصيل وحيثيات الحدث فيما بعد.
وخلال تلك السنوات لم تنقطع النشاطات والفعاليات الاجتماعية والوطنية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة فتح من المخيمات، وفق استحضارٍ دائم للقضية الفلسطينية وللتذكير بالوطن السليب الذي ينحدر منه سكان هذه المخيمات بعد تهجيرهم من أرضهم.
خلال عامي 2014 2015 وبعد انتهاء معركة العصف المأكول في غزة، عاد الحديث عن وجود قوة عسكرية لكتائب القسام في لبنان للانتشار عبر الإعلام العبري استناداً على توقعات الاحتلال حول حاجة المقاومة لإنشاء قوة لها ونشر العمل المقاوم خارج قطاع غزة، وفي كانون أول/ديسمبر 2016 ظهر عدد من عناصر القسام مُسلحين بالبنادق في مهرجان ذكرى إنطلاقة حماس بمخيم عين الحلوة جنوب صيدا، كان هذا الظهور الأول لعناصر كتائب القسام في لبنان.
طوفان الأقصى.. نشاط واغتيالات
منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى أعلن حزب الله والفصائل المقاومة في لبنان (كتائب القسام، سرايا القدس، قوات الفجر) دخولهم المعركة إلى جانب المقاومة في قطاع غزة، ومنذ الأيام الأولى تبنت كتائب القسام رشقات صاروخية أطلقتها صوب المستوطنات الشمالية ومواقع جيش الاحتلال على الحدود مع فلسطين المحتلة، إضافة لمحاولة مجموعة من سرايا القدس تنفيذ عملية تسللٍ داخل الأراضي الفلسطينية عبر الحدود انتهت باستشهاد اثنين منهم، إضافة لاستشهاد 3 من مقاتلين القسام في واقعةٍ مُشابهة.
في 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2023 اغتال الاحتلال الشهيد القائد في كتائب القسام خليل الخراز من مخيم الرشيدية للاجئين برفقة 3 شهداء لبنانيين، وقالت كتائب القسام في بيانها إنّ الشهيد “عمل في دعم وإسناد المقاومة في الداخل والخارج وكانت له بصمته الجهادية في الميدان”.
ومن شهداء القسّام أيضاً الشهيدان محمد عزام ووليد الحسنين، من مخيم المية ومية، استشهدا في شهر كانون الثاني/يناير، إضافةً لشهداء قضوا في عملية اغتيال الشهيد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسيّ لـ”حماس”، في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهم الشهيد سمير فندي “أبو عامر” ابن مخيم الرشيدية وقائد كتائب القسّام في الخارج، والشهيد أحمد حمود ابن مخيم برج الشمالي، والشهيد محمد الريس من مخيم شاتيلا، مع الشهيد فواز الأقرع الذي ينحدر من بلدة قبلان جنوب شرق نابلس، وهو أسير محرر وأحد مبعدي مرج الزهور.
في 21 آب/أغسطس الماضي، قصفت طائرات الاحتلال سيارةً في منطقة الفيلات بمدينة صيدا اللبنانية، لتُسفر الغارة عن استشهاد القائد في حركة فتح خليل المقدح، جاء الاغتيال ليكون الثاني في منطقة صيدا لقياديات فلسطينية، وذلك بعد اغتيال القيادي في حركة حماس سامر الحاج باستهداف سيارته أيضًا عند مدخل الحسبة أحد مداخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا.
يُعد خليل المقدح من القائد الأبرز في كتائب شهداء الأقصى في مخيمات لبنان، وعميد متقاعد من حركة فتح، بينما أكد مصدر خاص لـ”شبكة قدس” أن المقدح كان مسؤولاً عن تمويل بعض مجموعات كتائب الأقصى في الضفة الغربية وتوجيه عملياتها، ما يعكس حجم البعد الذي حمله النشاط الفلسطيني المقاوم في لبنان وامتداده للضفة الغربية.
وعلى ضوء هذا النشاط يسعى جيش الاحتلال الإسرائيلي لتفريغ المخيمات الفلسطينية في لبنان من القيادات المؤثرة والمقاوِمة، في إطار حربه المجنونة التي يسعى بها لحماية كيانه من شبح المقاومة المستمرة على عدة ساحات، أهمها ساحة مخيمات اللجوء في لبنان.