بعد العقوبات الجديدة… الصهيونية الدينية تبدأ بتطبيق برنامجها: “تفكيك السلطة” وضم الضفة
الضفة المحتلة خاص قُدس الإخبارية: شيء يشبه “الدفع إلى الحائط”، هكذا يمكن وصف سياسة دولة الاحتلال في السنوات الأخيرة نحو السلطة الفلسطينية بعد سلسلة “العقوبات” التي فرضتها عليها، خاصة في الشق الاقتصادي، الذي يمثل تجريفاً مستمراً لمعنى وشرعية “وجود السلطة”، في ظل تراكم ملفات أخرى ساهمت في هذا المسار في ظل “الإحباط الشعبي”، وحالة المقاومة المتصاعدة في الشهور الماضية.
يوم أمس، صادقت حكومة الاحتلال على سلسلة عقوبات بعد توجه السلطة الفلسطينية نحو محكمة العدل الدولية لإصدار قرار استشاري حول الاحتلال في أراضي 1967، تتمحور حول: فرض عقوبات على قيادات السلطة من خلال سحب التصاريح وغيرها، وشق آخر يتعلق بمصادرة أموال من الضرائب الفلسطينية، والمسار الثالث يدور حول منع البناء الفلسطيني في مناطق “C” في الضفة المحتلة.
في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ذكر وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة أن دولة الاحتلال تحتجز منذ 3 سنوات أكثر من ملياري دولار من أموال الضرائب الفلسطيني، وهو ما يزيد من مخاطر انهيار الاقتصاد الفلسطيني، في ظل تقلص المساعدات الدولية التي كانت تحصل عليها السلطة، منذ تأسيسها، وهو ما أثر مع عوامل أخرى على نسبة صرف رواتب الموظفين التي تشكل عموداً فقرياً في الاقتصاد الفلسطيني في الضفة المحتلة وقطاع غزة.
سلسلة قرارات مصادرة أموال الضرائب الفلسطينية، منذ سنوات، دفعت السلطة الفلسطينية نحو وقائع لا تقل حرجاً عن بعضها، بين هل تختار قرار المواجهة مع الاحتلال رداً على سعي الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة على تجريدها من “شرعيتها”، بعد أن لم تعد عملية الحديث عن “حل الدولتين” لها واقعية على الأرض، أو التصالح مع هذا الوضع في ظل الاستنزاف الدائم لسلطتها وقدرتها على الإيفاء بالمطالب الحياتية والاقتصادية.
في حزيران/ يونيو 2020 قررت السلطة الفلسطينية وقف استلام أموال المقاصة، احتجاجاً على السرقات الإسرائيلية، تزامناً مع إعلان الرئيس محمود عباس عن الانسحاب من الاتفاقيات ووقف التنسيق الأمني، قبل أن يعلن وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ بعد شهور عن العودة عن هذه القرارات، بعد رسالة استلمها من منسق حكومة الاحتلال تقول إن الأخيرة “ملتزمة بالاتفاقيات”، وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات في الشارع الفلسطيني حول جدية السلطة في التصدي للسياسات الإسرائيلية.
تأثير العقوبات: ضم الضفة
المختص في الشؤون الإسرائيلية، عصمت منصور، يرى أن أخطر أبعاد العقوبات التي أعلنتها حكومة الاحتلال هي في الشق الاقتصادي ومنع البناء الفلسطيني في مناطق “C” في الضفة المحتلة.
العقوبات الاقتصادية التي قد تزيد من ضعف السلطة الفلسطينية، يرافقها مخطط آخر لرئيس حزب “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش” لضم الضفة المحتلة، وهو ما سيعززه قرار منع البناء الفلسطيني في مناطق “C”، يؤكد منصور، في حديثه مع “شبكة قدس”.
قبل إعلان الحكومة الجديدة في دولة الاحتلال كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن اتفاقيات بين نتنياهو وقادة “الصهيونية الدينية” لضم الضفة المحتلة رسمياً لما تسمى “السيادة الإسرائيلية”، وهذا يعزز من قراءة هذه العقوبات في أبعاد أكثر شمولية لدفع الفلسطينيين في الضفة نحو الحصار في مناطق “أ”.
منصور يبدي مخاوف من أن تكون العقوبات هذه المرة تعبير عن “مرحلة جديدة” في التعامل مع القضية الفلسطينية، تختلف عن الحكومات السابقة التي لم يكن لتيار “الصهيونية الدينية” سيطرة على الوزارات السيادية كما الآن.
الباحث في الشؤون الإسرائيلية وأستاذ الإعلام، أحمد رفيق عوض، يشدد على أن هذه العقوبات تعزز مسار ضم الضفة المحتلة أو على الأقل مناطق “C”، وهو ما يريده سموتريتش وأقطاب التيار “الصهيوني الديني”، ويشدد على أنها تطبيق عملي لبرنامج أقطاب “الصهيونية الدينية” الذي حققت من خلاله تقدماً في انتخابات “الكنيست”.
وأضاف: سياسات هذه الحكومات لن تمنع السلطة من الاستمرار في خطوة التوجه نحو محكمة العدل الدولية، ويجب أن لا تمنعها، ويجب أن تستمر في هذا المسار.
هل تدفع الحكومة الجديدة نحو استبدال السلطة؟
قبل أيام من إعلان الائتلاف الحكومي الجديد في دولة الاحتلال، حذر رئيس أركان جيش الاحتلال السابق غادي آيزنكوت من أن إجراءات الحكومة قد تدفع نحو “انهيار السلطة الفلسطينية” وهو ما يزيد من المخاطر الأمنية على قوة الاحتلال في الضفة، وهو ما يعزز تحذيرات أخرى من جانب الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية لنتنياهو من خطورة الواقع في الضفة.
ويشير عصمت منصور إلى أن “إلغاء السلطة” هو هدف معلن من جانب وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، وسموتريتش الذي تولى منصب وزير المالية وحصل على صلاحيات تتعلق بعمل وزارة الجيش في الضفة، إذ يطالبان بدفع الفلسطينيين نحو مناطق “A” ومحاربة وجودهم في مناطق “C” والسماح لهم بنوع من “الإدارة الذاتية”، منزوعة الصلاحيات السياسية أو الأمنية.
السؤال المركزي من وجهة نظر منصور في هذه المرحلة، هو “هل تنجح إسرائيل في تطبيق هذا البرنامج؟”، ويرى أن هذه المرحلة تعبر عن تحولات “عميقة” في العلاقات بين المستويات السياسية والأمنية الإسرائيلي في النظرة إلى مختلف الملفات، بينها الملف الفلسطيني والعلاقة مع السلطة، ومنع انهيار الاقتصاد الفلسطيني من خلال حزمة “التسهيلات” وغيرها، التي تحمل أبعاداً أمنية هدفها إدامة حالة “الهدوء”، حسب توصيف هذه المؤسسة.
السؤال الآخر المطروح هو هل تحافظ المؤسسة الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال على سياساتها القديمة، في التخفيف من آثار هذه العقوبات بهدف “منع انفجار الأوضاع الأمنية”، أم أن سيطرة سموتريتش على صلاحيات مختلفة في الجيش قد يجعل هذا الخيار صعباً؟ يقول منصور.
الدكتور أحمد رفيق عوض اعتبر في اللقاء مع “شبكة قدس”، أن سرقة مزيد من الأموال من الضرائب الفلسطينية هو خطوة أولى نحو “إسقاط السلطة” و”إحراجها” أمام جمهورها، من خلال دفعها إلى “التسول” وشل حركتها عن طريق سحب التصاريح وبطاقات “VIP”، حسب وصفه.
برنامج سموتريتش الذي أعلنه في عام 2017، يقول عوض، كان “واضحاً” في مسألة تفكيك السلطة والمطالبة بحصار الفلسطينيين في مناطق “A” وإقامة انتخابات بلدية/ مناطقية لهم في المدن الرئيسية، وهو ما يتفق كما يقول مع تصريحات ممثل دولة الاحتلال في الأمم المتحدة، جلعاد أردان، الذي وصف السلطة بأنها “عدو” لدولة “إسرائيل”، وحذر عوض السلطة من “خطورة هذه التصريحات والمخططات” التي قد تدفع نحو “تفكيكها” أو “هدمها بسرعة” من خلال استدراج الشعب الفلسطيني إلى “الاشتباك الداخلي”.
وعن التباينات بين الأجهزة الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال مع المستويات السياسية حول هذه العقوبات، قال عوض إن وجهة نظر معينة قد تنتصر مع الزمن أو أن الطرفين قد يتفقا على “زمن” لتنفيذ هذه المخططات، لذلك فمدار الأمور قد يكون معلقاً على “زمن التنفيذ”.
ما المطلوب فلسطينياً؟
السؤال المركزي في هذه الحالة هو عن “المطلوب فلسطينياً” لمواجهة مخططات الاحتلال، ويرى الدكتور أحمد رفيق عوض أن على الجميع استعادة الوحدة الوطنية وإجراء المصالحة بين السلطة وحماس والجهاد الإسلامي وأقطاب الحالة السياسية الأخرى.
وطالب عوض في مواجهة محاولات حكومة الاحتلال “الفاشية” للقضاء على وجود الشعب الفلسطيني بإعادة التفكير وتفكيك العلاقة مع الاحتلال.
وأكد أن المطوب هو “رد سياسي” وآخر “ميداني”، وقال: الميدان أمام الشعب الفلسطيني كي يرد.