بين الدور الضحية والزعيم المحارب.. نتنياهو في ميزان السياسة الإسرائيلية
يواجه كيان الاحتلال أزمة قيادة تتجلى في تفرد شخص بنيامين نتنياهو، الذي يتصدر الساحة السياسية الإسرائيلية كأحد الشخصيات الأكثر إثارة للجدل، يتسم نتنياهو بقدرة فريدة على التأقلم مع التغيرات السريعة في المشهد السياسي، مما جعله يحتل موقعًا مميزًا في السياسة الإسرائيلية لعقود.
في هذا المقال، سنستعرض كيف استطاع نتنياهو أن يلعب دور الضحية، ويقدم نفسه كخبير في مكافحة الإرهاب، ويستغل الظروف الإقليمية لتعزيز موقفه السياسي، مع استعراض بعض الأمثلة والتي يمكن للقارئ استحضار العشرات منها.
دور الضحية
أحد الأساليب التي يعتمد عليها نتنياهو في تعزيز مكانته هو تقديم نفسه كضحية دائمة للضغوط والانتقادات من التيار اليساري في كيان الاحتلال، لقد صور نفسه على أنه يتعرض لحملات تشويه ومؤامرات من المعارضة اليسارية.
وهو ما بات واضحًا خلال حادثة إطلاق النار على دونالد ترامب، حيث أشار إلى أن الإعلام والسياسيين اليساريين يحاولون تحطيمه كما فعلوا مع ترامب. استخدام نتنياهو لدور الضحية يكسبه تعاطف الكثيرين ويعزز من قاعدته الشعبية، حيث يصور نفسه على أنه الشخص الذي يقف وحيدًا في مواجهة التيارات المعادية له.
خبير في الإرهاب
يعزز نتنياهو مكانته كقائد لا غنى عنه من خلال تقديم نفسه كخبير في مكافحة الإرهاب. وقد استند في ذلك إلى رئاسته السابقة لمركز يونتان لمكافحة الإرهاب، حيث حاول إظهار نفسه على أنه صاحب معرفة واسعة وخبرة طويلة في هذا المجال.
هذا الادعاء ساعده في تقديم نفسه كخيار مثالي لحماية الاحتلال من التهديدات وجعل منه حليفًا مهمًا للغرب في مواجهة “الإرهاب الإسلامي” كما وصفه.
قائد في مواجهة الإرهاب الإسلامي
يقدم نتنياهو نفسه كرأس الحربة في مواجهة “الإرهاب الإسلامي” كما يطلق عليه، حيث يسعى إلى تعزيز دوره كلاعب رئيسي في التحالفات الدولية لمكافحة الإرهاب.
ويقوم بذلك من خلال خطاباته وتصريحاته، الذي يحاول من خلالها إظهار كيان الاحتلال تحت قيادته كدولة تتصدى للإرهاب ليس فقط لحماية نفسها، بل نيابة عن العالم الغربي بأسره، هذا التصور يمنحه مكانة متميزة على الساحة الدولية ويعزز من شرعيته كقائد يحظى بدعم عالمي.
استغلال الظروف الإقليمية
يتقن نتنياهو استغلال الظروف الإقليمية لصالحه، سواء كانت تتعلق بالأوضاع الأمنية أو السياسية. فعلى سبيل المثال، استغل حادثة مجدل شمس لتنفيذ اغتيالات في طهران ولبنان، كما استغل ضعف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على تلك المناطق، وقدرته على اقتناص الفرص واستغلال الأحداث تمكنه من تحقيق مكاسب سياسية وأمنية تدعم بقاءه في السلطة.
البراغماتية وكسب الوقت
يعتبر نتنياهو براغماتيًا من الطراز الأول، حيث يفضل كسب الوقت وتأجيل القرارات الحساسة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية، وظهر ذلك جليًا في تعامله مع صفقة تبادل الأسرى، حيث مارس المماطلة ووضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق نهائي، هذه الاستراتيجية تمكنه من الحفاظ على خياراته مفتوحة وضمان استمراره في الحرب صمام الأمان لحكومته حتى الان.
الأيديولوجية والغرور
بالإضافة إلى براغماتيته، يعتبر نتنياهو رجل أيديولوجي يحمل قناعاته الشخصية بقوة. يقود مشروع اليمين الشعبوي للاحتلال، ويتعامل مع ذاته كأنه شخصية تاريخية ذات دور محوري في إنقاذ الأمة اليهودية. يظهر غروره في تعامله مع الآخرين وثقته الزائدة في قدراته القيادية، مما يجعله يسعى لتحقيق أهدافه الأيديولوجية مهما كلفه الأمر.
في الختام، يمثل بنيامين نتنياهو نموذجًا للقائد الذي استطاع البقاء في السلطة بفضل خداعه السياسي وقدرته على استغلال الظروف لصالحه.
ورغم الأزمات التي تواجهها إسرائيل في ظل قيادته، فإنه يظل شخصية محورية في المشهد السياسي بفضل استراتيجياته الفعالة في تقديم نفسه كضحية وخبير في الإرهاب، واستغلاله الفرص لتعزيز موقفه القيادي. يبقى السؤال الأهم: هل ستستمر هذه الاستراتيجيات في دعم مكانة نتنياهو في المستقبل، أم أن التغيرات السياسية ستفرض واقعًا جديدًا؟