اخبار فلسطين

تصعيد مرتبط بـ”معلومة ذهبية”.. ماذا يريد الاحتلال من قصف غزة بين وقت وآخر؟

خاص قُدس الإخبارية: وضع التصعيد الإسرائيلي، أمس الأربعاء، اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي خلف أكثر من 100 شهيد وجريح، أمام اختبار هو الثالث، بعد تصعيدين سابقين منذ الوصول إلى الاتفاق الذي رعته مصر وقطر وتركيا بالإضافة للولايات المتحدة.

وكما فعل في تصعيد أكتوبر الماضي، الذي أسفر عن استشهاد 44 فلسطينيا وإصابة العشرات، تذرّع جيش الاحتلال الإسرائيلي بتعرض قواته لإطلاق نار في خانيونس، جنوب القطاع. وسرعان ما بدأ الجيش بمهاجمة مدينتي غزة وخانيونس بسلسلة من الغارات، أسفرت عن ما لا يقل عن 34 شهيدا وجرح 77 آخرين.

وبينما زعم جيش الاحتلال، أنه بدأ مهاجمة أهداف تابعة لحركة حماس، في غزة، كان الضحية مدنيون وأطفال، وعائلة كاملة مُسحت من السجل المدني، وارتكابه خرقا إضافيا في الاتفاق، باستمراره في إزاحة ما يعرف بـ”الخط الأصفر” غربا، وزيادة المساحة التي يسيطر عليها داخل قطاع غزة.

وبدا لافتا لمراقبين ومحللين، أن جيش الاحتلال بدأ ينهج سياسة واضحة في التعامل مع غزة، واعتماده على عمليات التصعيد بغارات جوية وتنفيذ اغتيالات مركزّة، كلّما تكون لديه بنك أهداف واضح “وعالي القيمة” بعد افتعاله أحداثا أمنية، تتيح له التحرك بموافقة أميركية، وبحجة نزع السلاح وإزالة “أي تهديد” لدولة الاحتلال.

من جهته، قال الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة لـ شبكة قدس الإخبارية إن الاحتلال يعمل في هذه المرحلة على تثبيت سوابق جديدة في تعامله الأمني والعسكري مع قطاع غزة، في إطار رسم مساحة أوسع للعمليات التي يريد تكريسها مستقبلا، مستفيدة من قبول أو صمت الولايات المتحدة تجاه هذا السلوك.

واعتبر أن الغطاء الأميركي هو العامل الأكثر أهمية بالنسبة لـ”إسرائيل، لأنه يمنحها شرعية غير معلنة للتحرك، ويمنح حكومة الاحتلال مكسبًا داخليًا في عام انتخابي تتصاعد فيه الحاجة لخطاب القوة واستثارة المخاوف الأمنية لحشد الأصوات.

وأوضح هلسة أن جيش الاحتلال يستخدم هذا النمط من الاستهداف كبديل عن الحرب الواسعة التي خلّفت لها انتقادات كبيرة، مشيرًا إلى أن العمليات الحالية أقل كلفة على صورتها الدولية، بل يجري ترويجها ضمن إطار “شرعية دولية” تتحدث عن نزع سلاح غزة.

وقال إن هذا الخطاب الدولي يُضعف الموقف الفلسطيني ويجعل أي رد من المقاومة وكأنه مواجهة مع المجتمع الدولي وليس فقط مع الاحتلال.

وأضاف هلسة في تصريحات لـ قُدس الإخبارية أن إسرائيل تعمل على ترسيخ واقع دائم في القطاع، وتستغل الحديث المتكرر عن نزع السلاح لخلق الذرائع التي تتيح لها مواصلة العمليات.

وبيّن هلسة أن وجود فصائل مسلحة في غزة يتيح للاحتلال الذريعة الدائمة للضرب والملاحقة والتهديد، ويمكّنها من فرض رقابة على الحركة التجارية والمواد الداخلة، وهو ما يعده الاحتلال جزءًا من استراتيجية طويلة المدى.

كما لفت إلى أن جيش الاحتلال يرفض بشكل واضح أي طرح يتعلق بتدويل الملف الأمني في غزة أو إدخال قوة دولية، لأنها لا تثق بأي جهة يمكن أن تقوم بالمهمة التي يؤديها الجيش، ولهذا تعمل دائمًا على إحباط أي فكرة من هذا النوع عبر خلق ذرائع تُظهر عجز القوى الدولية.

وأوضح هلسة أن التصور الإسرائيلي للمشهد المستقبلي يقوم على الإبقاء على مساحات واسعة من القطاع تحت السيطرة الأمنية المباشرة، ووجود إدارة فلسطينية ضعيفة داخل غزة تحت حكم حماس لكنها عاجزة عن إعادة الإعمار أو استعادة الحياة الطبيعية، إلى جانب مناطق حدودية مدمرة وشبه خالية من السكان، وهو ما يتقاطع مع تحركات جماعات استيطانية تسعى لفرض وقائع تهجير جديدة.

وختم هلسة بأن الاحتلال ترى في استمرار هذا الوضع مصلحة استراتيجية، وتراهن على أن العام الحالي سيبقى عامًا للتصعيد والأزمات، وليس عامًا للتسويات، في محاولة لإبطال أي مسار دولي قد يقيّد حركتها أو يفرض عليها انسحابًا من أي جزء من القطاع.

من جهة أخرى، قال الكاتب والمحلل السياسي علاء الريماوي إن الاحتلال يتجه إلى افتعال أحداث أمنية يتيح له تنفيذ اغتيالات مركّزة بحق شخصيات يصنفها ضمن “الأهداف عالية القيمة”، مشيرًا إلى أن الاحتلال يلجأ لهذه الأساليب كلما امتلك بنك معلومات يسمح له بتبرير العملية أمام الوسطاء.

وأوضح الريماوي لـ شبكة قدس الإخبارية أن الاحتلال “لن يتوقف عن ملاحقة أي شخصية تعتبرها ذات معيار أمني”، حتى في ظل المسار الدولي الحالي، لافتًا إلى أن حصوله على “معلومة ذهبية” في أي ساحة سيقودها إلى تحرك مباشر.

وأشار إلى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يستخدم هذا الإيقاع “لإبقاء الشارع والمؤسسة الإسرائيلية في حالة شعور بتهديد مستمر”، بما يمنع الذهاب إلى تحقيقات واسعة في إخفاقات 7 أكتوبر، ويقدّم نفسه على أنه يحقق إنجازات أمنية متواصلة.

وبشأن أثر ذلك على تثبيت وقف إطلاق النار، اعتبر الريماوي أن الأمر “مرتبط بطبيعة إدارة الفصائل الفلسطينية للمشهد، وبكيفية استغلال إسرائيل للفراغ القائم لتمييع الاتفاق، إضافة إلى دور الوسطاء الذي ما يزال معقّدًا وغير مستقر”.

وأضاف أن الاحتلال يعمل على “هندسة شكل التعاطي الإقليمي” في لبنان وسوريا وقطاع غزة، عبر عمليات اغتيال واستهداف مركزة تأتي ضمن تفاهمات غير معلنة مع الولايات المتحدة، تسمح بنمط جديد من استخدام القوة الذي لا يرقى إلى مستوى الإدانة الدولية.

ويرى الريماوي أن نجاح هذه المقاربة يعتمد على مدى قبول الأطراف الفلسطينية والعربية بهذا النموذج، إضافة إلى موقف المجموعات الفاعلة في لبنان وسوريا وغزة.

وأكد أن “مواجهة هذه السياسات ستظل معقّدة، وتتطلب ضغطًا مباشرًا على الوسطاء، وخاصة الولايات المتحدة، لوقف تثبيت قواعد اشتباك جديدة تسمح باستمرار الاغتيالات تحت الذريعة الأمنية”.