حزب الله و”إسرائيل”.. شتاء ساخن حقيقي أم مجرد مناورة؟
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، البدء بمناورة مفاجئة أطلق عليها “الشتاء الساخن 2” على الحدود الشمالية مع لبنان، التي تهدف إلى فحص جاهزية قوات “الجيش” الإسرائيلي على الحدود الشمالية لمواجهة سيناريوهات العمليات على الساحة الشمالية، مع التشديد على جاهزية النظام اللوجستي والتعاون بين وحدات الذراع البرية، إضافة إلى التدريب على الدمج التكاملي بين جميع الوحدات في أثناء المعركة.
وشارك في المناورة 8 آلاف جندي نظامي، إضافة إلى استدعاء 5 آلاف جندي احتياط من بضع وحدات مختلفة.
مع أن الناطق باسم “الجيش” الإسرائيلي أكد أن هذه المناورة تأتي في إطار خطة “الجيش” التدريبية لعام 2022، وقد تقرر إجراؤها سابقاً، إلا أن الإعلام الإسرائيلي حاول ربط المناورة بتصاعد التوتر بين “إسرائيل” وحزب الله في ضوء التقارير الإعلامية التي تناولها الإعلام الإسرائيلي، وأفادت بأن إيران تحاول تهريب أسلحة عبر رحلات مدنية على متن طائرات إيرانية إلى مطار بيروت، بعد تدشين خط طيران مباشر بين بيروت وطهران، وما رافق ذلك من أصوات تهديد إسرائيلية بقصف مطار بيروت إن حدث ذلك، ما يطرح تساؤلاً حول إمكانية ذهاب “إسرائيل” إلى حرب على حزب الله في هذا التوقيت؟
هناك بضعة عوامل سياسية إسرائيلية داخلية تجعل من خلق حالة خوف جماعية داخل المجتمع الصهيوني مصلحة إسرائيلية عليا في ظل حالة الاستقطاب والتشرذم الصهيوني الداخلي، في ضوء نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وما جرى الاتفاق عليه من خطوط عامة للحكومة المقبلة، بما تحمله من تغيرات جوهرية لهوية وطبيعة “إسرائيل”، وهو ما ترفضه شرائح عديدة ووازنة داخل الكيان الصهيوني وخارجه، لذلك فإن تضخيم خطر خارجي مثل تهديد حزب الله، يمكن أن يساهم في إبطاء الانكسارات والشروخ المجتمعية والسياسية في “إسرائيل”، أو الدفع نحو تأليف حكومة وحدة وطنية صهيونية.
خلق حالة الخوف الجمعي إسرائيلياً تختلف عن الذهاب إلى حرب فعلية على حزب الله، لأسباب عدة، أهمها:
أولاً: سيكون تأثير الدمار الناتج عن الحرب على الجبهة الداخلية الإسرائيلية في ظل هذه الانقسامات والتصدعات أكثر سلبية، وبخاصة في ظل حكومة إسرائيلية توزع أموال الدولة على الفئات التي لا تتحمل أعباء الخدمة العسكرية، ولا تدفع تكاليف فاتورة الحرب، وغير قادرة على سد الفجوة بين الحديث الإسرائيلي الدائم عن تعاظم امتلاك حزب الله أسلحة هجومية، وعدم وجود رد دفاعي أساسي للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وبالتالي ستصبح الحرب عاملاً إضافياً لتوسيع الشروخ والتشققات المجتمعية داخل “إسرائيل” لا العكس، في ضوء ما تتوقّعه المؤسسة العسكرية من دمار ستحدثه أي حرب على حزب الله على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، نقطة الضعف الإسرائيلية الأساسية.
ثانياً: “الجيش” الإسرائيلي، وعلى الرغم من تدريبه الدائم على الحرب في جميع الجبهات في وقت واحد، إلا أنه حريص دوماً على ألا يحارب على جبهتين في آن واحد، وهنا تجدر الإشارة إلى الأوضاع الملتهبة على الجبهة الفلسطينية، وبخاصة تنامي المقاومة في الضفة الغربية، المرجّح ازدياد وتيرتها ودخول فئات شعبية وجغرافية أوسع دائرة المواجهة مع “إسرائيل”، خصوصاً مع تأليف الحكومة الإسرائيلية المرتقبة لتهويد وضم الضفة الغربية والقدس، والتنكيل بالفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1948.
أضف إلى ذلك أن لدى “الجيش” الإسرائيلي تقديرات استخبارية، قوامها أن حدوث أي فعل إسرائيلي في القدس أو الضفة الغربية سيجعل من السهل إدخال قطاع غزة إلى دائرة المواجهة العسكرية، وهو ما صرح به وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، وتؤكده المناورة العسكرية في فرقة غزة، التي تهدف إلى رفع مستوى كفاءة الفرقة وجاهزيتها، في التوقيت نفسه لمناورة “الشتاء الساخن2”. وفي الحصيلة نجد أن من الصعوبة بمكان أن يقرر “الجيش” الإسرائيلي مهاجمة حزب الله في الشمال، وجبهة الضفة الغربية مشتعلة، وتقضّ مضاجع جيشه ومستوطنيه وتستنزف نصف جيشه هناك.
ثالثاً: قصف “إسرائيل” مطار بيروت أو حتى مواقع لحزب الله أو حتى قوافل داخل الأراضي اللبنانية، يعني كسر قواعد الاشتباك بين الطرفين منذ حرب تموز/يوليو 2006، وبالتالي اندلاع حرب مفتوحة أمام حزب الله بما تحمله من تبعات عسكرية وسياسية واقتصادية على الإقليم والمنظومة الدولية برمتها لا أحد يمكن تحديد نتائجها، وبخاصة بعد تنفس أوروبا والأمريكان الصعداء في ضوء انتهاء أزمة حقل غاز “كاريش” بالتوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل”.
أضف إلى ذلك أن تنامي العلاقات الروسية الإيرانية، واقترابها من التحالف العسكري، سيشكل عاملاً إضافياً يردع الإسرائيلي عن الذهاب في عملية عسكرية على حزب الله في الأراضي اللبنانية، تؤدي إلى حرب من السهل جداً أن تتدحرج إلى حرب إقليمية، وتجبر دول المنطقة جميعاً على توضيح موقفها واصطفافاتها السياسية من دون أي ضبابية.
وهنا، من المهم الإشارة إلى التقارب السعودي الصيني من جهة، وحالة التوتر بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، ما يبرّز معضلة هشاشة “اتفاقيات أبراهام” التطبيعية إذا ما وضعت تحت اختبار التحالفات العسكرية بين “إسرائيل” ودول التطبيع في ظل حرب إقليمية.
بقراءةٍ كلية للمعطيات السابقة، نجد أن “إسرائيل” أقرب إلى التهديد والمناورة من خلال سياسة الذهاب إلى الهاوية، ولكن من دون إمكانية السقوط فيها؛ فالحرب على حزب الله في الجبهة الشمالية واضح أنها ليست خياراً منطقياً في ظل المخاطر الكبيرة على “إسرائيل”، وخصوصاً أن إستراتيجية المعركة بين الحربين ذات البعد الأمني والعمليات العسكرية التي لا تترك أثراً على فاعلها، يمكن أن تكون الحل الأفضل والأقل تكلفة إسرائيلياً.