شروط الرئيس عباس للترشح للانتخابات المحلّية: إقصاء وتفرّد

خاص شبكة قُدس: أثار قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بفرض اشتراطات مسبقة على المرشحين للانتخابات المحلية، تتضمن التوقيع على الالتزام ببرنامج منظمة التحرير والتزاماتها الدولية؛ موجة استياء واسعة في الأوساط الحقوقية والسياسية الفلسطينية. واعتبر مراقبون ومسؤولون أن هذا الشرط الذي أُضيف في اللحظات الأخيرة قبل إصدار القانون يمثل إقصاءً للمعارضة السياسية ومساسًا بالحريات الديمقراطية والقانون الأساسي الفلسطيني. وحذروا من أن القرار جاء استجابة لمطالب دولية غربية، وسيحدّ من المشاركة في الانتخابات ويفرغها من مضمونها التنافسي.
وكشف مدير مرصد العالم العربي للديمقراطية والانتخابات، عارف جفال، في تصريحات خاصة لـ“شبكة قدس”، أن مسوّدة القانون التي خاض المرصد حوارًا بشأنها مع وزارة الحكم المحلي لم تتضمن أي شرط يتعلّق بالإقرار ببرنامج منظمة التحرير والتزاماتها الدولية. موضحًا أن الوزارة تفرّدت في إعداد المسوّدة الأولى لقانون هيئات الحكم المحلي في أواخر أبريل الماضي، مشيرًا إلى أن المرصد تعامل معهم بإيجابية رغم ذلك التفرّد.
وأضاف أنهم في مؤسسات المجتمع المدني قدّموا 22 ملاحظة على المسوّدة الأولى لقانون هيئات الحكم المحلي، وأرسلوها إلى وزارة الحكم المحلي ووزارة العدل وأمانة مجلس الوزراء ومكتب الرئاسة، لكن تمّ التعاطي مع ملاحظتين فقط من أصل تلك الملاحظات. لافتًا إلى أن وزارة الحكم المحلي وصلتها آلاف الملاحظات حول القانون، إلا أنها لم تأخذ بها عند اتخاذ القرار، خاصة فيما يتعلق بالنزاهة والشفافية.
وأكد مدير المرصد أنه لم يكن في أيّ مسودّة قبل صدور القانون أي نصّ يتعلق باشتراطات الترشّح، ما يعني أن هذا الشرط أُضيف في اللحظات الأخيرة قبل إصدار القانون. واعتبر جفال أن اشتراطات الترشّح في الانتخابات المحليّة تعتبر خدمة مجانيّة للدول الغربية التي تضع شروطًا على السلطة الفلسطينية، محذرًا من خطورة هذه الاشتراطات كونها تتنافى مع مبادئ وقّعت عليها السلطة الفلسطينية في المواثيق الدولية، مثل حق المشاركة السياسية في الانتخابات، وذلك وفق المعايير الإنسانية والحقوقية الدولية.
وشدد جفّال على أن الاشتراط يمثّل سابقة وإقصاءً للمعارضة السياسية، مؤكدًا أنه لا يمكن تفصيل القانون على مقاس طرف معين لتحييد المعارضة، لأن ذلك يخالف كلّ المعايير الديمقراطية. محذرًا من أن الاشتراط سيحدّ من نسبة المشاركة في الانتخابات المحليّة المقبلة، ويلغي عنصر المنافسة بين القوائم، مشيرًا إلى أن مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في العملية الانتخابية أصبحت قيد النقاش، حتى لا تكون “مشرّعة لهذا القرار”.
وأشار إلى أن غالبية المؤسسات المدنية الفاعلة في الوطن ترفض ما جاء في القانون، وأصدرت بيانًا حول ذلك، على أمل التراجع عن جزئية الاشتراطات، معبرًا عن أمله في أن تتماشى السلطة الفلسطينية مع مطالب الإصلاحات المحليّة كما تتماشى مع المطالب الدولية، لأن الفلسطيني هو من يحدّد خطة الإصلاح الخاصة به.
من جانبه، اعتبر مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حُرّيات”، حلمي الأعرج، في حديث لـ“شبكة قدس”، أن فرض اشتراطات مسبقة على الترشح للانتخابات المحلية يُعدّ ثغرة كبيرة، ولم يرد في مسودات القانون، خصوصًا فيما يتعلق بالالتزامات الدولية لمنظمة التحرير.
وأوضح الأعرج أن منظمة التحرير تمثل حالة إجماع وطني، لكن الالتزامات المترتبة عليها تبقى موضع خلاف، كما هو في “اتفاق أوسلو المشؤوم لم توقع عليه جميع الفصائل، وكان محل معارضة واسعة”. وأضاف أن إدراج الاتفاق اليوم كشرط قبل الانتخابات يُعتبر مساسًا بالقانون الأساسي، ووثيقة الاستقلال، واتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها فلسطين عام 2014.
وشدد الأعرج على أن فلسطين بأمسّ الحاجة إلى انتخابات موحدة في الضفة وغزة، لكن هذه الاشتراطات تثير خلافًا في الأوساط الشعبية والمجتمع المدني، مطالبًا الرئيس بسحب هذا الشرط. مؤكدًا أن من حق كل فلسطيني تنطبق عليه معايير العملية الانتخابية أن يشارك فيها ديمقراطيًا، ترشيحًا وتصويتًا، سواء كان مواطنًا، أو ممثلًا لفصيل، أو عشيرة، أو قطاع اجتماعي.
وحذر الأعرج من أن القانون الحالي يستبعد طيفًا واسعًا من المجتمع الفلسطيني من المشاركة في الانتخابات المحلية، فضلًا عن أنه يمسّ حرية الانتماء السياسي، وهو ما يتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني. ولفت إلى أن المجتمع الدولي يحاول فرض إملاءات على النظام السياسي الفلسطيني تحت عنوان “تهيئة السلطة الفلسطينية” لتلعب دورًا في العملية السياسية، بما في ذلك إدارة قطاع غزة، لكن هذا الشرط غير مطلوب من السلطة.
بدوره، اعتبر نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة، في حديث لـ“شبكة قدس”، أن قرار فرض اشتراطات مسبقة على الانتخابات المحلية جاء في غير محلّه، وتحت عنوان “الإصلاح” الذي يطالب به الأمريكيون والأوروبيون، وهو ما يتعارض مع كل عمل ديمقراطي ومؤسساتي. مشيرًا إلى أن من يؤمنون اليوم ببرنامج منظمة التحرير الحالي هم أقلية، فيما الأغلبية من أبناء الشعب الفلسطيني لن تشارك في الانتخابات.
وأضاف أنه “لا يُعقل أن يُفرض التوقيع على ورقة تتضمن التزامات منظمة التحرير المرتبطة بالتسويات السياسية كشرط للترشح لانتخابات محلية، خاصة في وقت يتعرض فيه الشعب الفلسطيني للإبادة”. معتبرًا أن الخاسر الأكبر من هذا القرار هي منظمة التحرير نفسها، في حين أن غالبية الشعب الفلسطيني تقف خلف المقاومة التي دفعت أثمانًا باهظة.
ولفت خريشة إلى أن القرار يعني أن الانتخابات ستقتصر على منظمة التحرير، لتنافس نفسها وتكون الفائز والخاسر في آن واحد. محذرًا من أن القرار قد يمهّد لمخطط الاحتلال الرامي إلى تقسيم الضفة الغربية إلى سبع إمارات، عبر منع من يؤمن بتيار المقاومة من المشاركة في الانتخابات، في ظل غياب أي جهة منتخبة سوى الهيئات المحلية.
وشدّد خريشة على أن الشعب الفلسطيني يتعرض لحرب إبادة في غزة، وأن الفلسطينيين أحوج ما يكونون إلى انتخابات عامة جادة وحقيقية، طالما أن الانقسام الداخلي لم يُنهَ بعد، مؤكدًا أن صندوق الاقتراع هو الذي يحدد القيادة الفلسطينية. موضحًا أن الهيئات المحلية تقدم خدمات للجمهور، لكن الانتخابات العامة وانتخابات المجلس الوطني هي ما يحتاجه الشعب لتشكيل قيادة سياسية تقوده في ظل الظروف المصيرية الراهنة.
وفي رسالة مباشرة للرئيس عباس، قال خريشة “إن المطالب الإصلاحية الأمريكية والإسرائيلية من السلطة لن تنتهي، وسيستمرون في تكرارها بشكل دائم (…)، وإن الاستجابة لهذه المطالب تعني شطب القضية الفلسطينية، إذ لن يكون هناك فلسطيني واحد يرضى عنه الأمريكيون والإسرائيليون”.
وأشار إلى أن العالم استخدم النظام الرسمي العربي لضرب المقاومة وفصل غزة عن الضفة، واليوم يُعاد الحديث عن إصلاح السلطة الفلسطينية، وإصلاح التعليم، وغيرها من المطالب التي لن تنتهي ولن تخدم القضية الفلسطينية. وختم خريشة بالإشارة إلى تجربة سابقة مع المطالب الخارجية للإصلاحات كالتي جاء بها الجنرال الأمريكي كيث دايتون بعد عام 2000، والتي بدأت بإصلاحات أمنية واقتصادية وانتهت باغتيال الشهيد ياسر عرفات.
