ضباط كبار لدى الاحتلال: الوضع في الضفة قد ينفجر ولن يستطيع الجيش وقتها محاصرة الأحداث

ترجمات خاصة قدس الإخبارية: تقدّم صحيفة هآرتس العبرية صورة مركبة لما يجري في الضفة الغربية، إذ تنقل عن مسؤولين أمنيين وضباط في جيش الاحتلال تقديرات تُظهر تآكل مكانة الجيش وانهيار دوره التاريخي كـ“سلطة حاكمة” في الميدان، مقابل صعود غير مسبوق للميليشيات الاستيطانية التي باتت اليوم لاعبًا مهيمنًا تُصاغ وفق رغباته سياسات الحكومة. وفي الوقت الذي ينغمس فيه المستوى السياسي لدى الاحتلال في حروب غزة ولبنان، تتعامل المؤسسة الأمنية لدى الاحتلال مع الضفة باعتبارها “الساحة الأكثر هشاشة”، وأن أي حادثة صغيرة يمكن أن تشعل انفجارًا واسعًا يتجاوز قدرة الجيش على الاحتواء.
وتفيد الصحيفة بأن كبار ضباط جيش الاحتلال يحذرون من أن إضعاف موقع الجيش في الضفة الغربية، تحت ضغط الوزراء والحاخامات وأعضاء الكنيست من اليمين الدينيالقومي، خلق فراغًا سلطويًا خطيرًا. أحد المسؤولين الأمنيين نقل للصحيفة قوله: “لا أحد يدير الضفة فعلًا. الجميع يعرف أننا على حافة الانفجار، لكن أحدًا لا يريد أن يقول كلمة واحدة”. ضباط شاركوا في تدريبات ميدانية خلال الأسبوع الماضي عبّروا عن قناعة واضحة بأن الضفة “هي الساحة الأكثر قابلية للاشتعال”، وأن هدوءها الظاهري قد ينقلب إلى مواجهة شاملة خلال ساعات إذا وقع حادث واحد خارج السيطرة.
وتتحدث الشهادات الواردة في التقرير عن حالة خوف داخل صفوف قيادات الجيش الميدانية، إذ يحجم الضباط عن الإبلاغ عن اعتداءات المستوطنين أو محاولة فرض القانون، لأن أي خطوة من هذا النوع تجعلهم هدفًا مباشرًا للميليشيات الاستيطانية التي تستمد قوتها من الدعم السياسي العلني الذي يوفّره وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وأوريت ستروك. وتكشف الصحيفة أن الحكومة لم تعقد منذ أشهر نقاشًا استراتيجيًا واحدًا حول مستقبل الضفة الغربية، رغم تزايد الاعتداءات ضد الفلسطينيين وحتى ضد جنود الجيش أنفسهم.
ويؤكد أحد الضباط أن الأشهر الأخيرة شهدت ست حالات كان يمكن أن تتحول إلى مجازر على غرار جريمة إحراق عائلة دوابشة في دوما عام 2015، لكن صمت القيادة السياسية والأمنية شجّع المستوطنين على التصعيد ومنحهم “هامش حصانة” غير مسبوق. ويظهر التقرير غياب وزير حرب الاحتلال يسرائيل كاتس عن أي دور فعلي، في الوقت الذي يدير فيه سموتريتش وستروك ملف “الإدارة المدنية” ويدفعان نحو خطوات ضمّ زاحفة بدون أي نقاش مؤسسي أو أمني جدي حول تبعاتها.
وتنقل الصحيفة عن مصدر أمني رفيع سابق انتقاده الشديد لتردد قيادة الجيش، مشيرًا إلى أن الجيش “فقد مكانته وصلاحياته كسلطة حاكمة في الضفة”، وأن كبار الضباط يخشون عرض الحقائق أمام الحكومة خشية أن يتحولوا إلى “كيس ملاكمة” في الاجتماعات السياسية. أما الضباط الذين شاركوا في التقييمات الميدانية فقد أقرّوا بأن الجيش يختبئ خلف عمليات اعتقال موضعية واقتحامات محدودة للمخيمات، بينما تغيب الخطة الكبرى: ما الذي يريده الجيش؟ وإلى أين تتجه الضفة؟ ومن يملك القرار؟
ويورد التقرير تفاصيل تُعد من أخطر المؤشرات على تفكك المنظومة العسكرية، إذ يكشف أن قائد المنطقة الوسطى اللواء آفي بلوط يتباهى أمام المستوطنين باستعداده للموافقة على إقامة نحو 120 “مزرعة زراعية” جديدة — وهي التسمية المستخدمة لإخفاء واقع البؤر الاستيطانية غير القانونية. ضباط آخرون كشفوا أن مئات هذه “المزارع” جرى ربطها بالبنى التحتية على حساب خزينة الاحتلال بمليارات الشواقل، وأن الجيش يرسل جنوده لحمايتها وإزالة أشجار الفلسطينيين لتسهيل الوصول إليها. أحد الضباط قال بمرارة: “نُكلّف بحماية بؤرة يسكنها عشرة شبان فقط، ثم نُجبر لاحقًا على تفسير سبب مقتل جندي أثناء حراسة موقع غير قانوني أساسًا”.
وفي شمال الضفة، يصف ضابط عمليات في جيش الاحتلال الوضع في مخيم طولكرم بأنه “خارج أي تصور استراتيجي”، إذ نفذ الجيش عمليات واسعة في 2024 ثم ترك المناطق دون تسليمها للسلطة الفلسطينية رغم استعداد الأخيرة لإقامة مركز شرطة وتحسين البنية التحتية ومنع زرع العبوات. بالنسبة للضباط، فإن هذا الغياب الكامل للخطة يعكس أزمة أعمق: لا أحد يعرف ما الذي سيحدث غدًا.
ويتوقف التقرير عند قضية حساسة للغاية: قرار الرئيس محمود عباس تعيين حسين الشيخ وريثًا له داخل السلطة. مصادر أمنية إسرائيلية تؤكد أن هذا القرار — ورغم خطورته على مستقبل الضفة — لم يُناقش في مجلس الوزراء المصغر ولا في هيئة الأركان. بالنسبة للاحتلال، أي رفض شعبي واسع للقرار قد يتحول إلى “حدث استراتيجي” يهدد استقرار الضفة ويعيد رسم المشهد الأمني كله.
وتنتهي هآرتس إلى خلاصة تنذر بتصعيد واسع، إذ ينقل التقرير عن أحد كبار الضباط قوله إن “عملية إرهاب قومي واحدة” — في إشارة إلى اعتداءات المستوطنين — يستشهد فيها عدة فلسطينيين قد تكفي لتحويل الضفة خلال ساعات إلى “ساحة حرب رئيسية تبتلع الجيش كله”. ورغم أن التنسيق الأمني مع السلطة ما يزال قائمًا، إلا أن ترك الميدان لميليشيات المستوطنين، مع غياب أي رؤية سياسية أو أمنية، يجعل الانفجار احتمالًا واقعيًا في كل لحظة.
