اخبار فلسطين

فلسطين: الطوفان والدولة شبكة قدس الإخبارية

لماذا تلوح بريطانيا بالإعتراف بالدولة الفلسطينية اليوم ..؟ وعن أي دولة يدور الحديث ؟ اعتراف بدولة غير قابلة للرسم على الخرائط وفاقدة لأي مقوم من مقومات الحياة . هو اعتراف بدولة مشوهة يأتي من باب رفع العتب الجماهيري الذي بدأ يتململ في الشارع الغربي ويحمل حكوماته مسؤولية تاريخية عما يجري من صراع. فالشارع الاوروبي بشعارات ” الحرية لفلسطين من النهر الى البحر ” تقدم حتى على الخطاب الفلسطيني الرسمي و العربي عموما الذي ظل حبيس حل الدولتين .

وأعاد الصراع لبداياته الأولى كصراع تحرري،. بل إن هذا الشارع بات قادراً على كسر تابو الإتهام بمعاداة السامية بعد أن استطاع التمييز بين اليهودية كدين والصهيونية كأيديولجية إستعمارية. وهذا نتيجة مباشرة لمشاركة اليهود الرافضين للصهيونية واحتلال فلسطين في التضامن مع غزة وإعلاء صوتهم كتيار يهودي رافض للصهيونية ورافض لتمثيل إسرائيل لليهود في العالم . 

ولأن النظام الحاكم في أوروبا هو إمتداد لنفس النظام العنصري الإستعماري الذي تسبب في كل ما نحن فيه منذ أكثر من 100 عام . وهو ذاته الحاضن لفكرة إسرائيل كقاعدة أوروبية متقدمة في الشرق . وبعد كل هذا التطور في الوعي الجمعي الاوروبي . فقد بدأ  هذا النظام يستشعر الخطر على نفسه وعلى مشروعه الإستعماري الصهيوني، حيث في أوروبا ومثلها في أمريكا صعد جيل جديد أكثر موضوعية من الأنظمة. وأكثر تقدمية بما يخص قضايا العدالة والمساواة.

 هذا الجيل الذي قُمع في الجامعات في بداية الحراك التضامني مع غزة وهو الجيل الذي لم تتوقف مظاهراته وفعالياته في كل العواصم الأوروبية .  وهو الجيل الذي سيحكم بلاده بعد عشر سنوات أو أكثر قليلاً .

في ما مضى كان شرطاً لسياسيي أوروبا وأمريكا الحجيج إلى إسرائيل وأن ينالوا الرضى منها ليكونوا رجال دولة، وكان التقييم للسياسي هو درجة إندماجه مع المشروع الصهيوني . حيث لم يكن بالإمكان لسياسي أن يتقدم في مناصب الدولة دون أن يضع مصالح إسرائيل في مقدمة أولوياته باعتبارها الضحية الساميّة التي يجب الحفاظ عليها وحمايتها كونها كما تم تصويرها في الغرب”  الديمقراطية المتقدمة في صحراء الشرق المتوحش” .  

ولكن بعد أكتوبر وكل ما تم مشاهدته من إجرام، تغيرت الصورة ولم يعد بالإمكان أن تحافظ أنظمة الإستعمار الأوروبية على سياستها بما يخص إسرائيل أمام جمهورها نفسه . والذي بدأ يطالب بقطع الحبل السري معها .. ففي الغرب يهاجَم الساسة بسبب دعمهم لإسرائيل . وتقاطع الشركات الداعمة لها. ويتم مهاجمة  شركات الأسلحة الممولة لها.

وأهم المطالب التي رفعها المتظاهرون في أوروبا هو وقف إتفاقية الشراكة الأوروبية معها.. فاستشعرت الأنظمة الإستعمارية الحاضنة لإسرائيل بالخطر المستقبلي عليها . ليخرج وزير خارجية بريطانيا ديفيد لامي ويعلن “أن هذه الخطوة تأتي لأن إسرائيل ستواجه خطراً استراتيجياً إن لم تعترف بالدولة الفلسطينية “. 

 وبهذا فإن حكومة الإستعمار الأولى تُقْدم على هذه الخطوة حمايةً لإسرائيل وليس باعتبارها حقاً فلسطينياً ثابتاً.

ففي بريطانيا أعلن المناضل جيرمي كوربن المناصر لفلسطين عن تشكيل حزب سياسي كبديل للحزبين التقليديين( العمال والمحافظين ).  وخلال 72 ساعة فقط تقدم للإنتساب إليه أكثر من نصف مليون بريطاني..  كذلك في أمريكا الأكثر التحاما باسرائيل.  الواقع آخذ بالتغير . فنسبة المتعاطفين مع فلسطين بين الشباب في آخر الاستطلاعات 33% مقابل 14 % متعاطفون مع إسرائيل. وهذه دلالة على مستقبل سيء لإسرائيل لم تكن يوماً تتوقعه.

أما الجامعات التي كانت دوماً ترفد النظام السياسي والإقتصادي بأهم قادته فقد شهدت تطوراً نوعياً . حيث نشأ وعي سياسي واخلاقي جديد بكل ما يخص إسرائيل وصورتها.

وبذلك فإن النظام الرسمي في الغرب بات أمام تناقض في خطابه الليبرالي والانساني الذي ينادي به (ورأيناه في الصراع الأوكراني الروسي) . وبين ممارسته لهذا الخطاب فيما يعنى بالقضية الفلسطينية . وعلاقته بإسرائيل كدولة أدانتها أهم المحاكم الدولية التي أنتجها هذا النظام نفسه . 

هذا الواقع الجديد في أوروبا هو ما وصلها كنتيجة لطوفان غزة . والذي زعزع كل البنى الثقافية التي أقيمت عليها منظومة الخطاب الليبرالي في أوروبا والغرب عموما.

هذا الطوفان الذي كان بمثابة جهاز كاشف الكذب لكل  خطاب يدعي الإنسانية . وكان الميزان بين القول والأفعال .. فقد عرّى كل مدعي الحرية عندما وضعهم أمام معادلة الدم والجوع الغزي الذي يصر على إنتزاع الحياة رغم كل وسائل الإبادة الممارسة على الهواء مباشرة.

كل هذا كان نتيجة طبيعية لطوفان غزة الذي لولاه لما اجبرت أعتى حكومات الإستعمار أن تعلن أنها ستعترف بدولة فلسطينية .. فقبل الطوفان لم يكن طرح الموضوع لديها ممكناً.  بل انها كانت تبذل جهدها لإحباط أي إمكانية لحدوثه . 

ولولا صمود رجال الطوفان الذين خذلهم الأقربون لما كان بالإمكان أن نرى كل هذه التحولات .. 

فصبر وصمود غزة كشعب ومقاومة رغم كل الألم والمعاناة كان الصخرة الذي ستقاوم عليها أي خطوة لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني. حيث لطالما ماطل النظام الإستعماري على مدى هذه الحرب كي لا يصل لهذا الموقف. وأعطى الفرصة لإسرائيل كي تحقق نصرها . بل ساندها بتمويل السلاح والاستخبار والغطاءالسياسي، آملاً أن تخضع غزة ولكن دون جدوى .. إبتز القطاع وقيادته بلقمة العيش وحبة الدواء واستخدم أدواته من أنظمة العرب الرجعية.

ومارس كل ما يمكنه لتخضع غزة كي لا يجبر على أن يقف ستارمر وماكرون في موقف المطالب بالإعتراف بالدولة الفلسطينية.. والإعتراف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير.. 

فسلام لغزة بعدد حبات رمالها وقطرات دمائها ودمعات ثكالاها وأيتامها .. سلام لغزة بعدد رصاصها واوجاعها وتصميمها وصبرها .. واعتذار لها بحجم خذلاننا وجبننا وضعفنا .