في “حوار قدس”.. باحث يحذر من مخاطر محدقة بالأقصى: “لا يجوز أن يدافع عن مقدّس الأمة سبعة أفراد فقط”
فلسطين المحتلة خاص قُدس الإخبارية: أكد باحث فلسطيني على أن الجماعات الاستيطانية تعمل على سياسة “إحلال ديني”، في المسجد الأقصى المبارك، وتسعى في المرحلة الحالية على تقاسمه تمهيداً لتهويده والسيطرة عليه بشكل كامل.
وشدد الباحث في شؤون القدس المحتلة والمسجد الأقصى، زياد ابحيص، في لقاء مع برنامج “حوار قدس” على وجوب التحرك للدفاع عن المسجد في سياسة تعمَ كل الأمة العربية والإسلامية، وقال: “لا يجوز أن يدافع عن مقدّس الأمة سبعة أفراد فقط”.
ماذا حققت جماعات الاستيطان هذا الموسم؟
وعن الواقع الذي فرضته الجماعات الاستيطانية، خلال موسم “الأعياد اليهودية” الحالي، اعتبر أن الإجراءات التي نفذتها “جماعات الهيكل” من خلال نفخ البوق، وإدخال القرابين النباتية، والسيطرة على السوق في محيط الأقصى وتحويله إلى ما يشبه “كنيس مفتوح”، وفرض “سيطرة صوتية توراتية” على امتداد الساحات، أسوأ حالة منذ احتلال المسجد.
وأشار إلى أن جنود الاحتلال مضوا في خطوة إضافية لفرض “التقسيم الزماني” من خلال منع المصلين من دخول المسجد الأقصى، حتى الساعة الثالثة عصراً، باستثناء بعض المصلين كبار السن، من سكان البلدة القديمة في القدس المحتلة.
وتابع: هذه الإنجازات ليست دائمة وما يحصل هذا العام قد يمنع في عام مقبل، يجب أن يكون المسجد الأقصى في قلب اهتمامات الفصائل الفلسطينية والحركات الإسلامية في العالم.
وحول المختلف في موسم “الأعياد اليهودية” الحالي، في سياق العدوان على الأقصى، أوضح: عدوان هذا العام بدأ من حيث انتهى عدوان 2022، الذي انتهى بإدخال القرابين النباتية واستعراض الطقوس، ما كان ذروة العيد الماضي كان بداية العيد الحالي، الفارق أن اليمين الصهيوني و”جماعات الهيكل” ترى أنها أمام فرصة تاريخية بعد أن صعدت في حكومة الاحتلال، وبالنسبة لها ما قد يتحقق اليوم ربما لن يتحقق في المستقبل.
وأضاف: تتعامل هذه الجماعات مع حكومة نتنياهو نافذة تاريخية للعمل على جبهة المسجد الأقصى، والاستيطان، وطرد الفلسطينيين وتحويل المشروع الصهيوني من قومي علماني إلى قومي ديني خلاصي يحاول التحول إلى “مملكة الرب”.
الأقصى مركزاً للصراع
ويرى ابحيص أن تهويد الأقصى والسيطرة عليه يمثل “أجندة مركزية لدى الاحتلال”، وتابع: تيار “الصهيونية الدينية” الذي أصبح التيار القائد في المجتمع الصهيوني، يرى أن مشروع “التصفية” يبدأ من المسجد الأقصى، مشروع سموتريتش للتصفية ينطلق من “إنهاء الأمل”، وهذا يأتي من خلال القضاء على المقدس، لذلك التركيز في المسجد الأقصى أكثر من الاستيطان، وبالتالي يرى أن حسم هوية الأقصى علامة على نجاح الخطة.
وأكد أن مواجهة هذه السياسة هي إعطاء قضية المسجد الأقصى مركزية “عقدة الصراع” في فكر وسلوك الأحزاب الفلسطينية والعربية والإسلامية المساندة للقضية.
وذكر أن الجماعات الاستيطانية تخطط في “عيد الأنوار”، الذي يحل في شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، و”عيد المساخر” الذي يتقاطع مع رمضان، لتحويلها إلى مواسم مركزية للاقتحامات في المسجد الأقصى، وأضاف: كل شهرين سنكون أمام مواجهة في الأقصى، يجب استنهاض الرباط والمواجهة، يجب منع الاستفراد بالمسجد، رأينا قبل يومين سبعة أفراد فقط يدافعون عنه، واعتقل الاحتلال ثلاثة منهم واعتدى على آخرين، ثم أبعدهم عن البلدة القديمة.
وقال: المواجهة يجب أن لا تقتصر على ساحة المسجد الأقصى، ولم نر مواجهة سوى على السلك الزائل شرق غزة، نحتاج إلى تعدد الساحات وحتى في المحيط العربي والإسلامي، الذي كان أشبه للموات ولم نشاهد سوى ردات فعل خجولة وبسيطة.
وعن المطلوب شعبياً في المواجهة، أوضح: يجب أن يتحول الرباط إلى ثقافة شعبية فلسطينية، يجب أن نضمن أن يبقى المسجد مسجداً، كل من يشد الرحال من الضفة الذي لم يسبق لهم ربما زيارته من قبل أن لا يتعاملوا معه ب “الخلاص الفردي”، ويرى أن من يواجه قد ينغص عليه، بل بفلسفة “الرباط” والإقامة على الحق رغم المكاره، وأمامنا أبو بكر الشيمي الشيخ المسن الذي يحضر من عكا يومياً ويعرف أنه مبعد وقد يتعرض للاعتداء والاعتقال، لكن بقي صامداً على دوره في الرباط.
وتابع: لو نفذنا مشاريع في الرباط، مثل تنظيم صلوات أسبوعية في المسجد من كل قرية، قد يتغير الحال في الأقصى، وهذا الحال ينطبق على كل منطقة يستطيع أهلها الوصول له.
أما عن “دور الفصائل”، أضاف ابحيص: جميع الأجندات دائماً تسمو على الأقصى، مثلاً جولات المصالحة تحظى بالاهتمام أكثر من المسجد، يلتفت دائماً إلى الشؤون الداخلية الفلسطينية أو العربية التي لها علاقة بالقضية أكثر من العدوان على الأقصى، الذي يقرر هويتنا ومستقبلنا.
وأكد على ضرورة الحفاظ على الأقصى باعتباره “عقدة الصراع” وخوضه بمنطق التنظيم والديمومة، وقال: لو كنا حضرنا بكامل تركيزنا لما كان الاحتلال قادراً على فرض ما يفرضه الآن، والهبات التي حصلت خلال هذه السنوات تثبت أن الفلسطينيين ومعهم المقاومة قادرة على فرض التراجع على الاحتلال، والقدس فقط هي من كانت قادرة على التوجه بنا نحو معركة شاملة، في كل مرة كنا نخوض معركة القدس كنا ندخل عنصراً جديداً في المواجهة، دخول العمليات الفردية وضرب الصواريخ عبر الحدود وتجديد الاشتباك وقدرة المقاومة على الدخول في المعركة من موقع متقدم وفرض هزيمة عليه، تحقق خلال معركة القدس، ولولا تجربة “سيف القدس” لما ظهرت بؤر المقاومة في الضفة المحتلة.
وشدد على أن أي معركة في الأقصى ستقود إلى “معركة في الداخل الصهيوني” نظراً لأن التيار القومي الصهيوني يرى أن هذه “المعركة فائضة عن الحاجة وقد تدمر الرفاه الإسرائيلي”.
التعويل على الشعوب… حراك عربي صدى لحركة فلسطينية
وقال إن التعويل على “الأمة وشعوبها” وليس على الأنظمة، وأضاف: الشعوب تعاني من آثار وأد إرادتها الذي لم يكن بعيداً عن فلسطين، لأن استعادة الأمة موقعها وإرادتها يجعل من زوال الكيان الصهيوني مسألة وقت، رغم هذه الجراح لا بد أن تعود القدس والمسجد الأقصى في صدارة الوعي وليس على الهامش، القضايا المعيشية تشكل عبء على حياة الناس لكن يجب أن لا تشكل قيمة أكبر من الحرية واستعادة دور الأمة ورباطها، والمسجد الأقصى هو من يستعيد هذا الرابط بين الأمة، نتأسف أن نرى معركة داخلية على قضايا مثل رفع الأسعار، بينما لا يحركون ساكناً بعد العدوان على الأقصى، رغم أن الحراك العربي قد يتقدم على الحراك الفلسطيني كما حصل بعد إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.
واعتبر أن العالم العربي والرسمي يتعامل مع الأقصى على “المستوى الرمزي وليس الوقائع اليومية” وأن الحراك في المنطقة يكون صدى بعد أي حراك فلسطيني، لذلك يجب “إدامة الاشتباك”، حسب وصفه، وتابع: الحراك العربي حقق إنجازات كما حصل في 2021 من خلال كسر الحدود, يجب أن لا نسلم لمقولات أن التطبيع كسر إرادة الأمة، التطبيع لا يضيف للصهاينة شيئاً لكنه يضعف الأنظمة العربية وينقل الأزمات إلى الداخل العربي والإسلامي، الاحتلال عجز عن حل أزماته كيف سيحل أزمات الدول العربية والإسلامية، نحن أمام حالة سراب ووهم يجب أن لا نسمح بأن يبقى هذا الجدار أمامنا، نحن أمام فرصة تاريخية تقول إننا قادرين على فرض تراجعات مسبوقة على الاحتلال.
أهداف الاحتلال
وعن أهداف الاحتلال في الأقصى، أوضح أن الجماعات الاستيطانية تريد فرض “الإحلال الديني”، في المسجد، من خلال “التقسيم الزماني” الذي وصل إلى حد قريب من فرض “المزامنة” بين المستوطنين والمصلين، وتابع: اقتحامات جماعية مع تزامن لها مع منع المسلمين من الوصول للمسجد الأقصى لها، خلال الاقتحامات، لم يبق سوى تقاسم المسجد زمانياً.
وأشار إلى أن مخطط “التقسيم المكاني” لم ينجح بعد المواجهة الفلسطينية التي منعت الاقتطاع المكاني في المنطقة الجنوبية الغربية ثم الساحة الشرقية، وأكد أن الاحتلال ما زال يحاول تمرير هذا المخطط.
وذكر أن الجماعات الاستيطانية تسعى إلى “تأسيس معنوي للهيكل المزعوم”، وأوضح: عندما واجه مخطط “التقسيم المكاني” صدمة هبة باب الرحمة لجأت جماعات “الهيكل” إلى فرض الطقوس التلمودية، في المسجد، من أجل إضفاء “هوية توراتية” عليه، وبالتالي فرض فكرة أن المسجد “مقدساً مشتركاً” بين كل الأطراف، وأن تأتي اقتحامات الأعياد دون الاعتراض وكأنها “سلوك طبيعي”، لذلك فالمواجهة لا تحتاج أكثر من إدامة الاشتباك، وأن يصبح الأقصى قضية الصراع ومصدر المواجهة، لذلك إذا مرت الأمور كما جرت في الأعياد الماضية فإن مشروع الجماعات الاستيطانية قد ينجح، في السابق لم يكونوا يحلموا بتمرير الطقوس التلمودية.
وتابع: يجب أن نتعامل بحزم مع هذه السياسة التدريجية من البداية لأنها كلما نجحت في خطوة تطمع في الأخرى.
وحول الحديث عن نية الجماعات الاستيطانية إدخال “حجر الهيكل المزعوم” للمسجد الأقصى، قال ابحيص: فكرة “الحجر الأساس للهيكل” اخترعها غيرشون سلمون عندما أسس جماعة “أمناء الهيكل”، وقد وقعت مجزرة المسجد الأقصى الأولى في 1990 بعد مواجهة الفلسطينيين لها، ثم تحول إدخال الحجر في ذهن هذه الجماعات إلى شكل من أشكال إثبات الحضور والاستفزاز، وهم في الحقيقة لا يحضرون الحجر فعلياً ولكن يعلنون عن ذلك كي يقولوا إنهم سيكررون المحاولة حتى لو سفكت الدماء، بهدف الترهيب وإرسال رسالة للفلسطينيين، والواقع أن قوات الاحتلال عاجزة عن ذلك وتتجنب ارتقاء شهداء في المسجد، بعد “كي الوعي” الذي تحقق عقب انتفاضة الأقصى، أن الشهيد في المسجد يعني شيئاً كبيراً في الساحة الفلسطينية.
نقطة الضعف
وكشف عن مشاريع أخرى تعمل عليها الجماعات الاستيطانية، بينها “العمل على انهيار الزاوية الجنوبية الغربية من الأقصى” في المساحة بين باب المغاربة والجامع القبلي، التي تبلغ نحو 6000 متر مربع، وتقوم على تسوية تشبه المصلى المرواني، وليس لها أبواب من المسجد أو مداخل إلا من فوهات الآبار، ولم ينفذ إعمار لها منذ 95 عاماً.
وتابع: بلدية الاحتلال سرقت صلاحيات ترميم الجدار الخارجي لهذه التسوية، وهي من تعلم فقط الواقع الإنشائي لها، وسقوط الأحجار في الأقصى القديم وفي المتحف الإسلامي يجري عن يمين التسوية ويسارها، ويشير إلى معضلة ما في المنطقة، وأبلغ الاحتلال في رمضان 2022 الأوقاف الإسلامية بمنع إدخال مركبات الوجبات من فوقها، لأنه لا يريد أن يحصل الانهيار في رمضان أو موسم مشابه.
واعتبر أن أي انهيار في المنطقة قد “يحقق للمستوطنين والاحتلال تحقيق تغيير، في حدود المسجد، وإدخال مساحة منه إلى حيز تابع لحائط البراق الذي يسيطرون عليه”.
وذكر أن الحفريات التي تجريها جمعية “إلعاد” الاستيطانية قرب التسوية وهو ما يؤكد على خطورة الواقع، في المنطقة، حسب وصفه، ويجب أن يدفع الجميع للتحرك، خاصة أنها كانت مستهدفة بمشروع “التقسيم المكاني” سابقاً.
وطالب الأوقاف الإسلامية بإرسال وفد هندسي للاطلاع على الواقع الإنشائي فيها وتصوير ما هو تحتها خاصة أنها كانت تستخدم لتخزين الماء واليوم فارغة.
وأكد على وجود مخاوف من تعرض أجزاء من المسجد الأقصى للانهيار، وقال: في لقاء سابق مع المهندس رائف نجم الذي أشرف على ترميم المسجد بالكامل، قال لي في 2009 إن المسجد في أحد أفضل حالاته الهندسية ولكن يحتاج لترميم دائم، ونقطة الضعف فيه هي الجهة الجنوبية خاصة في التسويات، والاحتلال منع الترميم في الزاوية الجنوبية الشرقية مع بداية الانتفاضة، رغم وجود تصدعات، والحمد لله نجحت الأوقاف في الترميم بعد عدة محاولات، ونحن نحتاج إلى هذه المحاولات في الزاوية الجنوبية الغربية لأنها مهددة، نحن نتحدث عن مسجد عمره 14 قرن، وهذه الزاوية لم ترمم منذ سنوات طويلة، وخاصة مع التجريف والحفريات التي تجري قربه.
وأشار إلى أن “انهيار جزء من المسجد الأقصى لا يعني انهياره كاملاً”، وأوضح: المسجد الأقصى قائم فوق تلة وقد بنيت أجزاء منه على الصخر مباشرة، مثل صحن الصخرة والقبة في الأجزاء الشمالية، نقطة الضعف هي الجهة الجنوبية التي تشمل المسجد القبلي، لأنها قائمة على تسويات كبيرة الارتفاع، وهذا السبب في أن القبلي سبعة أروقة بعد أن كان 14 رواقاً، بسبب الزلازل تقرر تخفيض عددها.