اخبار فلسطين

مقترح ويتكوف: ما هو؟ وعلى ماذا وافقت حماس؟

قبل أن تعلن حركة حماس عن موافقتها على مقترح المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، “الذي يؤكد على وقف إطلاق النار الدائم في قطاع غزة”، بحسب الصيغة التي نشرتها قناة الأقصى الفضائية التابعة لحركة حماس، كان الإعلام الإسرائيلي يبث على لسان “مسؤول إسرائيلي كبير” قوله: إنّ مقترح حركة حماس “لا يمكن لأي حكومة أن تقبله”، وهو ما يعني أنّ إسرائيل كانت أمام صورة مقترح جرى إنضاجه نسبيًّا بين حركة حماس وقناة التفاوض الأميركية، وهذا بقطع النظر عن الصيغة الإسرائيلية التي جعلت هذا المقترح خاصًّا بحماس، بالرغم من كونه نتاج جلسات تفاوضية مع المفاوضين الأميركان.

بعد إعلان حماس عن موافقتها هذه، ازداد الأمر التباسًا؛ ليس فقط لأنّ التصريحات المنسوبة لمسؤولين إسرائيليين عادت لتنفي موافقة إسرائيل على المقترح، ولكن أيضًا وهذا هو الأهم لأنّ ويتكوف نفسه قال إنّ حماس أصابته بخيبة أمل، كونها لم توافق على مقترحه.

اتضح الأمر تاليًا، حينما نقل الإعلام الإسرائيلي، على لسان مسؤولين إسرائيليين، أنّ المقترح الذي وافقت عليه حماس، هو غير مقترح ويتكوف الذي وافقت عليه إسرائيل، مما يعني أنّنا إزاء مقترح طرحه ويتكوف على الطرفين، ووافقت عليه حماس بعد تعديلات أنضجتها مع القناة التفاوضية الأميركية، من خلال رجل الأعمال الأميركي من أصل فلسطيني بشارة بحبح.

يمكن الحديث إذن عن صيغ المقترحات المطروحة، وعن المغالطات التي أثارت هذا القدر من الالتباس، لا سيما في تصريحات الإسرائيليين، وفيما نُقل عن ويتكوف.

تخوض حركة حماس تجربة جديدة في المفاوضات، تُبدي فيها قدرًا كبيرًا من المرونة، وهي مهمومة بأمرين:
الأول، وقف حالة التجويع التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يواجهون إبادة جماعية متعددة الأدوات، وكبح الحملة العسكرية الجديدة، المسماة إسرائيليًّا “عربات جدعون”، والمندرجة بطبيعة الحال في سياق حرب الإبادة الجماعية القائمة أصلًا.

أما الأمر الثاني، فهو أن توفّر أيُّ صيغة تفاهمية ولو مؤقتة ضمانات معقولة لوقف الحرب نهائيًّا، وذلك بعدما كانت الحركة ترفض الصيغ الجزئية التي تستغلّها إسرائيل ومعها الولايات المتحدة لإنهاك المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، واستنزاف المقاومة الفلسطينية، وفي طليعتها حماس، بهدف تجريدها من الأسرى الإسرائيليين ثم استئناف الحرب، لتحقيق الهدف النهائي، كما قال نتنياهو مؤخرًا.

وهو هدف لا يقتصر على استعادة الأسرى وقبول حماس بتسليم سلاحها ونفي قادتها، بل يمتدّ إلى إعادة احتلال قطاع غزة، وتهجير سكانه وفق “خطة ترامب”، كما سمّاها نتنياهو.

الجديد في هذه التجربة أنها تجري مباشرة مع الأميركيين، لا مع إسرائيل عبر الوسطاء، وهو ما يضفي على المفاوضات قدرًا كبيرًا من الغموض، سواء لكونها سابقة غير معهودة، أو لأن الإدارة الأميركية، الشريك الأساسي في الحرب على غزة، لا تملك بدورها تصورًا واضحًا لإنهاء الحرب.
ويُضاف إلى ذلك التناقض داخل إدارة ترامب بين الأقطاب الصهيونية فيها، وتلك التي تدفع فعليًا نحو وقف الحرب.
وأخيرًا، لأنّ الموقف الإسرائيلي الذي سيتلقى نتائج هذه المفاوضات يُعدّ حاسمًا في كل الأحوال.

ما أمكن فهمه بخصوص الالتباس الذي حصل هو أن إسرائيل قدّمت في أبريل/ نيسان الماضي مقترحًا يقضي بهدنة مؤقتة تُفرِج فيها حماس عن 10 أسرى إسرائيليين ونصف الأسرى الأموات دفعة واحدة، وهو تعديل إسرائيلي على مقترح سابق لويتكوف، الأمر الذي لم تقبل به حماس، فقد كانت ترفض الصفقات الجزئية التي يستثمرها الإسرائيلي والأميركي في تجريد المقاومة من الأسرى الإسرائيليين ليستأنفا الحرب لاحقًا مستخدمَين أدوات إنهاك المجتمع الغزّي بالتشريد المستمرّ والإبادة والتجويع، ثمّ لأنّ هذا المقترح لم يكن يتضمن أيّ ضمانات لتوفير أسس تفاوضية لمنع استئناف الحرب.

بيد أنّ انسداد الأفق تمامًا، وانعدام أيّ موازين قوى من شأنها أن تخدم الفلسطينيين ولو نسبيًّا، مع حالة تخلٍّ دولية واضحة عن قطاع غزّة، واستمرار عمليات الإبادة والتجويع بلا أيّ إجراءات إقليمية ودولية لمنعها، حمل كل ذلك حماس على القبول بالمقترح أساسًا للتفاوض، وهو ما نجم عنه التعديل الذي وافقت عليه الحركة، والقاضي بالإفراج عن عشرة أسرى إسرائيليين على دفعتين، وذلك حتى لا تستأنف إسرائيل الحرب فور تسلّمها لأسرَاها في حال أخذتهم دفعة واحدة، مع توفير ضمانات أميركية لإجراء مفاوضات على وقف دائم للحرب أثناء فترة وقف النار المؤقتة، وبما يشمل شروط وقف النار الدائم هذا، والتي منها ما تسميه إسرائيل وأميركا “اليوم التالي للحرب”، على أن يبقى وقف إطلاق النار قائمًا ما دامت المفاوضات قائمة.

سارعت إسرائيل إلى رفض هذا التعديل قبل موافقة حماس المُعلنة عنه، وهو ما يعني أنّ حماس وافقت عليه أصلًا قبل إعلانها عن هذه الموافقة، ليأتي الإعلان العام من الحركة في محاولة منها لمنع بنيامين نتنياهو من تضليل الرأي العام، وهو بالفعل ما فعله نتنياهو عبر التصريح على لسان مسؤول كبير وصف المقترح بكونه مقترح حماس، مع أنّه نتيجة تفاوضية مع الأميركان، ولم يكن مقترحًا من الحركة.

وزاد الأمر التباسًا تنصُّل ويتكوف، عبر التصريحات التي نُسبت إليه في موقع أكسيوس، بقوله إنّ حماس خيبت أمله حينما لم توافق على مقترحه.

مع أنّه بالضرورة كان يعلم أنّ مقترحه خضع لمفاوضات طوال الأيام الماضية، وأنّه لم يُعرض على الإسرائيليين إلا بعد أن اطّلع عليه ويتكوف نفسه، وهو ما يعني أنّه عاد وتبنّى الموقف الإسرائيلي وتنصّل من مفاوضيه، إمّا لأغراض المناورة، وإمّا لتضارب المواقف داخل إدارة ترامب، وعدم حسم هذه الإدارة موقفها من الكيفية التي ينبغي أن تنتهي بها هذه الحرب، ولا سيّما أنّ التباينات بين إدارة ترامب ونتنياهو ليست على ضرورة إنجاز إسرائيل أهدافها والخروج منتصرة بما لا يحتمل الجدل، ولكن على كيفية إخراج مشهدية الانتصار، واستثمارها إقليميًّا، وعلى مبدأ الحرب الأبدية الذي تتبناه حكومة نتنياهو ولا يبدو مقنعًا لإدارة ترامب.

لا يعني ذلك أنّ الباب أُغلق عند هذه اللحظة، فبالرغم من التصريح المنسوب لويتكوف وفق موقع أكسيوس؛ فإنّ الخطوات التي تُعطي مؤشرًا باحتمال استكمال هذا الاختراق نحو اتفاق بين الطرفين لم تنعدم، فقد تواصل ويتكوف والمبعوث الأميركي للرهائن، آدم بولر، مع عائلات الأسرى الإسرائيليين، وأبديا أملهما في إمكان حدوث تطورات خلال اليومين المقبلين، وقد سبقهما إلى ذلك الرئيس الأميركي ترامب، الذي توقّع أخبارًا جيّدة بخصوص هذا الملف، وحتى بنيامين نتنياهو، وفي موقف غريب منه، أظهر رجاءه بأن تحمل الأيام القادمة أخبارًا سارّة لأهالي الأسرى الإسرائيليين.

وهو ما يشحن الموقف بمجموعة معطيات، منها أنّ إسرائيل تتصرف بمنطق تنفيذ جميع خطط الحرب القائمة، بما في ذلك “عربات جدعون”، ومن ذلك مصادقة حكومة نتنياهو على استدعاء ما يصل إلى 450 ألف جندي احتياط بموجب الأمر 8، حتى تاريخ 31 أغسطس/ آب 2025، في قرار هو الأكبر من نوعه منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية.

ولا يعني ذلك أنّ هذا التصرف الإسرائيلي ينحصر فقط في سياسة الضغط والابتزاز، ولكنه بالفعل سلوك حربي قائم ما دام الاتفاق لم يُنجز، علاوة على إرادة تأكيد القوّة والعزيمة لجميع الأطراف، بما في ذلك المجتمع الإسرائيلي، الذي يحرص نتنياهو على إثبات قوته أمامه، وبما يوفّر له الدعاية الكافية في حال وافق على أيّ اتفاق، للقول إنّه ذهب إليه من موقع قوّة.
لكنّ الأهم في ذلك كلّه أنّ هذا الحشد يأتي في سياق الحرب والإبادة أكثر ممّا يأتي في سياق المناورة التفاوضية.

الموقف، والحالة هذه، ليس متكافئًا بين إنجاز الاتفاق من عدمه، لأنّ حرب الإبادة والتجويع فقط هي الشيء الوحيد القائم والمؤكد الآن، بينما تظلّ سياسة إدارة ترامب في طور من إبداء الإشارات المتناقضة، بما يذكّر بسياسات إدارة بايدن، وهو ما يستدعي الحذر الشديد من استباق الأمور قبل أن يصبح أيّ اتفاق أمرًا قائمًا ومؤكدًا.