هوامش على عملية القدس المحتلة

شابان من قرى شمال غرب القدس سطرا متن هذا اليوم مع أشقائهم في جباليا ومع مسيّرات اليمن العنيدة… كتب الشهيدان تاريخاً، وكل ما سيقال ويكتب عنه من تحليل وقراءة إنما هو هامش عليه، يستمد أهميته منه، ولأن حدثاً مثل هذا بالغ الأهمية فإنه يستحق أن تسطر له هوامش:
أولاً: جاءت العملية صبيحة تهديدات من نتنياهو وترامب بتصعيد جريمة الإبادة لمحاولة محو مدينة غزة وتهجير أهلها بالقوة أو قتل الآلاف منهم في سبيل تحقيق ذلك، وبعد ساعات من تهديد وزير حرب الاحتلال بعاصفة يحملها هذا اليوم.
جاءت عملية القدس والاشتباك في جباليا والمسيرات من اليمن لتضرب في عصب هذه الحرب، حرب الإبادة والتصفية، لتقول بأن التصفية وَهم وأن الحسم سراب مهما تعالى الإجرام والقتل والتدمير، وأن أفق المقاومة سيبقى يتجدد ويضرب في مقتل من حيث يظن الاحتلال أنه ماضٍ في إغلاقه وفي قتل روح المقاومة…
بالنظر للحرب كصراع إرادات فإن هذا اليوم كان فارقاً في تجديد إرادة المواجهة، وإفهام المحتل برسائل الدم بأنه لم يتمكن من فرض إرادته رغم عامين من الإبادة و108 أعوام من الصراع.
ثانياً: وقعت العملية على مفترق مستوطنة “راموت”، وبجانب موقف حافلاتها المقام فوق أراضي بلدة لفتا المهجرة، في منطقة تنتمي إلى مركز مدينة القدس وتشكل عصب تقاطع لخطوط مواصلات مركز القدس وشمالها، وعلى مسافة 170 متراً شمال “الخط الأخضر” الذي يفصل شطر القدس الغربي المحتل عام 1948 عن شطرها الشرقي المحتل عام 1967، لتؤكد أن مركز العاصمة الموهومة ما زال غير آمن رغم كل ما حصل.
ثالثاً: الموقع الذي حصلت فيه العملية هو ذاته الذي نفذ فيه الشهيد حسين قراقع عمليته في 1022023 والتي اعترف الاحتلال فيها بمقتل مستوطن وجرح 4، والذي نفذت فيه عملية التفجير المزدوجة في 23112022 التي نفذها الأسير المقدسي إسلام فروخ حيث انفجرت إحدى القنبلتين في مفترق راموت وأدت إلى ثلاثة إصابات بين المستوطنين، كما أنه قريب من موقع تنفيذ الشقيقين المقدسيين مراد وإبراهيم نمر عمليتهما في 30112023 والتي أدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين وجرح 11، ما يجعلها رابع عملية في الموقع ذاته خلال السنوات الثلاثة الماضية.
رابعاً: جاء منفذا هذه العملية البطولية من قرى شمال غرب القدس، من قطنّة والقبيبة تحديداً، وهي القرى التي طوقها الاحتلال بالجدار من كل الجهات، وحاول خنقها وإجبارها على ربط ما تبقى من حياتها برام الله، ومنع أهلها من دخول القدس. جاء محمد طه ومثنى عمرو ليقولا بأن هذه القرى رغم كل هذا العزل والتطويق ما تزال جزءاً من كتابة حاضر القدس ومستقبلها.
خامساً: تستلهم هذه العملية في تنفيذها أسلوب عملية الشهيد بهاء عليان ورفيقه الأسير المحرر في صفقة طوفان الأحرار مطلع هذا العام بلال أبو غانم، حيث صعدا في 13102015 الحافلة رقم 78 القادمة من مستوطنة الطالبية الشرقية في جبل المكبر مستخدمين سلاحاً واحداً وسكيناً، وأدت إلى قتل 3 مستوطنين وجرح 11 في حينه، وشكلت عمليتهما ذروة من ذروات هبّة السكاكين رداً على العدوان على المسجد الأقصى وحرائره ومرابطيه.
سادساً: عادة ما كانت مثل هذه العمليات الناجحة والمؤثرة تشكل إلهاماً وبداية لموجة من العمليات المشابهة، خصوصاً وأنها تأتي قريبة من موسم العدوان الأعتى على المسجد الأقصى والذي سيبدأ بعد أسبوعين في 239 ويستمر حتى 14102025.
أخيراً، فإن ما لحق عملية اليوم من إدانات رسمية عربية يعبر عن تحالفٍ عميق مع الصهيونية، فموقع تنفيذ العملية هو أراضٍ محتلة لا خلاف في تعريفها، يرفض القانون الدولي إجراءات ضمها للكيان الصهيوني بموجب عشرات القرارات، ونقلُ السكان إليها وتأسيس المنشآت المدنية للمستوطنين فيها هو جريمة حرب موصوفة حتى بمعايير الغرب ذاته بموجب اتفاقية جنيف.
إن هذه الإدانة حين تصف هؤلاء المستوطنين المعتدين كمدنيين تحمل اعترافاً ضمنياً بضم القدس، وبأن مستوطنيها قد باتوا في عين النظام الرسمي العربي وقيادة السلطة الفلسطينية “مواطنين شرعيين” تعتبرهم “مدنيين” يحرم قتلهم، وهو موقف متطور في تحالفه مع الصهيونية عن بعض قوى الاتحاد الأوروبي.