اخبار السعودية

المقامرة التركية تفشل – أخبار السعودية

كما توقعنا على هذا المنبر الأغر فإن الاندفاعة التركية وصلت إلى خواتيمها، بعد أن اشترط النظام السوري على تركيا أن عودة المياه إلى مجاريها يتطلب انسحاباً كاملاً للقوات التركية من كامل الأراضي السورية ووقف دعم ما أسماه الإرهاب وهو يقصد المعارضة السورية. كانت ردة فعل النظام مستفزة وأثارت غضب الجانب التركي فعمد إلى القيام بهجمات مدفعية أدت إلى مقتل عدد من ضباط النظام وعلى أكثر من جبهة. هناك الكثير من الأسباب التي تجعل استجابة النظام للمبادرة التركية غاية في الصعوبة إذا لم تكن مستحيلة، أولها أن النظام لا يمتلك قراره وهو رهن هذا القرار بالأطراف الداعمة له أي روسيا وطهران، وخطوة التطبيع بين أنقرة ودمشق كانت خطوة روسية بعيداً عن طهران وبالتالي أوجد ذلك هامشاً للمناورة مكّن النظام من رفضها. المسألة الثانية أن أي اتفاق بين تركيا يفترض أن النظام لديه القدرة والرغبة لتطبيق هذا الاتفاق، فعلى سبيل المثال تريد تركيا أن يقاتل النظام قسد (قوات سوريا الديمقراطية) نيابة عنها وهذا أمر يفوق قدرة النظام وخصوصاً مع الغطاء الأمريكي للمليشيات الكردية، المسألة الثانية تريد أنقرة إعادة اللاجئين وهذا يفترض وضعاً أمنياً واقتصادياً متماسكاً، وهذا ما لا يستطيع النظام القيام به، لأن ذلك يتطلب حلاً سياسياً وإجراءات لبناء الثقة وتخفيف القبضة الأمنية، والمنظومة الأمنية العسكرية هي الضامن لبقاء النظام بحد ذاته، فكيف يريد الجانب التركي تفكيك هذه المنظومة.

أن تقوم تركيا بتطبيع علاقاتها مع دول الجوار فهذا بحد ذاته أمر إيجابي، لكن في إدارتها للملف السوري بدا أنها تضرب خبط عشواء، لا توجد استراتيجية واضحة تحرك السياسة الخارجية التركية اتجاه هذا الملف، وبدا أن الهدف تحقيق انتصار ولو كان شكلياً دون إدراك بأن الوضع أكثر تعقيداً في دولة أصبحت مرتعاً للقوات الأجنبية (الأمريكية والروسية والإيرانية والتركية)، وبالتالي تغيير قواعد اللعبة والانقلاب على اتفاقات آستانة التي شاركت تركيا نفسها في صياغتها أمر مستبعد على الأقل في الأمد المنظور، وإذا كانت السياسة فن الممكن فإن الأوضاع السورية من غير الممكن أن تتغير قريباً، بل إن واشنطن قطعت الطريق على أي تطبيع مع النظام عندما أصدرت (قانون الكبتاغون) وحولت منظومة القيادة السورية إلى مجرد عصابة ملاحقة دولياً وأي طرف يتعامل معها سوف يعاني من عقوبات تأتي استكمالاً للعقوبات القائمة سابقاً وفق قانون (قيصر) والأيام القادمة ستكون حبلى بالكثير من التطورات لمحاربة تهريب المخدرات ومزيد من التعاون الدولي في هذا المجال.

المشكلة في تركيا هي تجيير أي قضية مهما بدت معقدة لصالح مكاسب انتخابية يأمل الرئيس أردوغان الحصول عليها في انتخابات الرئاسية التي ستقام في الصيف المقبل، حتى لو كان هذا التجيير يأتي على حساب إحراج صانع القرار التركي ويستهين بما يفترض أنه مصالح تركيا العليا. هذه المقامرة لم تكن الأولى ولا نعتقد أنها ستكون الأخيرة بالنظر إلى النهج العام للسياسة التركية.