إجازة رقمية.. هل نستطيع قضاء يوم بلا شاشات؟

رنا عادل وسلمي محمد مراد
نشر في:
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 – 2:16 م
| آخر تحديث:
الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 – 2:18 م
في وقتٍ باتت فيه الهواتف الذكية جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية، وأصبحت الشاشات رفيقًا دائمًا في العمل والدراسة والتواصل والترفيه، تبدو فكرة قضاء يوم كامل بلا أي جهاز إلكتروني مهمة شبه مستحيلة.
ورغم انتشار مبادرات “الديتوكس الرقمي” عالميًا، لكن أعلنت الدكتورة منى الحديدي، أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام وعضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، عن مبادرة “يوم بلا شاشات” لتشجيع الجمهور على اختبار الانفصال المؤقت عن التكنولوجيا.
وبينما يتعامل البعض مع الفكرة باعتبارها رفاهية صعبة التنفيذ، قد تحمل التجربة في تفاصيلها ما هو أعمق من مجرد إطفاء الهاتف.
خطوة أولى أصعب مما تبدو
لذا قررت خوض التجربة بنفسي الجمعة الماضية، يوم الإجازة الأسبوعية وهو الوحيد المناسب للانفصال عن الهاتف وأعباء العمل والدراسة والتضحية ببعض التنبيهات والإشعارات المهمة.
وبمجرد بدء التجربة تبينت النتيجة الأولى أن كل شيء في حياتي المهنية والأكاديمية أصبح متشابكًا مع تقنيات تسترعى انتباهي طوال الوقت.
فمع دقات الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، أغلقت هاتفي تمامًا، لم أكتفِ بوضعه على الوضع الصامت أو وضع الطيران، بل أطفأته تمامًا، وكأني أغلق نافذتي علي العالم.
وفي الساعات الأولى لم يكن الشعور مريحًا، بل أقرب إلى فقدان شيء أساسي، إذ كنت أشعر بأن العالم يتحرك دون علمي، وأن هناك ما يفوتني.
يوم بلا شاشات.. ماذا يفعل بنا؟
مع مرور الساعات بدأت ملامح يوم مختلف تظهر، نومٌ هادئ بلا صداع، وجه أقل إجهادًا، وإحساس عام بالراحة رغم قصر التجربة.
والأهم من ذلك، أن اليوم حمل حالة من الهدوء العائلي المفقود منذ فترة، حيث تمكنت من قضاء أوقات مطولة مع الأسرة، إعداد الطعام، مشاركة الأعمال المنزلية، اللعب مع الأطفال، وأحاديث ممتدة بلا مقاطعات ولا إشعارات.
وللمرة الأولى منذ وقت طويل نمت دون أن يكون الهاتف آخر ما ألمسه قبل النوم، وشعرت بأنني استعدت قيمة بعض اللحظات البسيطة.
ورغم قِصر مدة الغياب، فوجئت في اليوم التالي باتصالات عديدة من أصدقائي، فاختفائي المفاجئ خلق لديهم قلقًا حقيقيًا، والبعض تواصل مع أسرتي للاطمئنان عليّ، وكأن المجتمع أصبح يقيس الاطمئنان بعدد مرات الظهور الإلكتروني.
هل كنت سأكمل التجربة لولا الالتزام؟
الحقيقة: ربما لا، فرغم كل الجوانب الإيجابية، ظل هناك خوف داخلي من فوات شيء مهم، ولولا ارتباط التجربة بعملي وبالرغبة في استكمالها كجزء من تقرير مهني، كنت سأضغط زر التشغيل في منتصف اليوم وأنهي التجربة.
تعليق خبير
وفي تصريحات خاصة لـ “الشروق” توضح الدكتورة جيهان النمرسي، أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر، أن الشاشات وخاصة الهواتف الذكية، غيرت شكل التواصل داخل الأسر بشكل واضح، حيث أدى انشغال الأفراد بأجهزتهم إلى تراجع الحوار المباشر وتقليل جودة التفاعل الإنساني، ما خلق عزلة صغيرة داخل المنزل رغم وجوده المادي.
وتشير إلى أن المساحات المشتركة لم تختفِ ماديًا، لكنها فقدت وظيفتها كمساحات للتفاعل الحقيقي، فالغرف وصالات المنزل باتت أماكن يلتفت فيها الجميع للشاشات بدلًا من بعضهم البعض.
وعلى المستوى الاجتماعي الأوسع تقول الدكتورة جيهان، إن الصداقات الرقمية تزيد من فرص تبادل الأفكار والمعرفة، لكنها تفتقد أحيانًا للحميمية والقرب الجسدي، ما يقلل من عمق العلاقات.
كما تحذر من حالة “اللاوعي الرقمي”، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تؤثر على سلوكنا وعاداتنا دون وعي كامل، ما يستدعي تطوير الوعي الرقمي والقدرة على التحكم في استخدام الأجهزة.
ورغم ذلك، تؤكد أن مبادرات قصيرة مثل تجربة “يوم بلا شاشات” قد تكون نافذة لإعادة التواصل الحقيقي، وتعيد تذكير الأفراد بقيم إنسانية تم نسيانها تحت وطأة السرعة الرقمية.
وتختتم حديثها أن ما ينقص الأجيال الجديدة هو بناء “ثقافة تربوية رقمية”، تجمع بين الأسرة والمدرسة، لتعليم الأطفال استخدام التكنولوجيا بشكل مسئول وإبداعي دون فقدان المهارات والقيم الإنسانية.
