بين يقين التعود وقلق التمرد
محمد السكري مصر
هناك أيام نتحدى فيها ذواتنا ليس بغرض الانتصار عليها، بل لنكتشف ما خلف جدران الاعتياد. ذات يوم قررت أن أعيش الصراع، صراعًا داخليًا مُفتعلاً، تجربة نفسية أضع فيها ذاتي موضع المراقِب والمراقَب.
بدأت اليوم بشرب الشاي مرًا بلا سكر، كأنني أعيد تعريف اللذة بعيدًا عن الاعتياد. ومع كل رشفة، كنت أشعر أنني أخوض مواجهة صغيرة مع رغباتي المبرمجة. تجاهلت الهاتف طوال اليوم، ليس كرفض للآخرين، بل كمحاولة للتمرد على الاعتماد المفرط على مصادر السعادة السطحية، وعلى التعلق بعالم افتراضي يغذي احتياجاتنا دون أن يرويها حقًا.
ابتعدت عن التفكير في موضوعات محددة، واختبأت من ذكريات تلاحقني.
بدأت الأصوات الداخلية ترتفع من خلف أسوار الصمت ، كما لو أنني أفسحت لها المجال لتتحدث دون قيود. تلك الأصوات التي كنت أهرب منها غالبًا بصخب الحياة. وعندما تحدثت أخيرًا، رفعت صوتي عن عمد، رغم أن الصوت العالي يزعجني دائمًا. أردت أن أفهم لماذا يستفزني الصوت العالي في الآخرين؟ هل هو التوتر الذي يحمله، أم شيئا آخر
قررت أن أتخلى عن اللغة الفصحى التي تمثل لي ملاذًا فكريًا، ولجأت إلى كلمات بسيطة. بدا وكأن الأفكار تتضاءل حين تُسجن في تعبير سطحي. شعرت وكأنني أقتل عمقًا في داخلي. أما الأسوأ فهو أنني تبنيت آراءً تتناقض تمامًا مع قناعاتي، كنت أجرب الكذب الواعي على نفسي. فتساءلت: هل خداع الذات أهون من خداع الآخرين؟
كل خطوة بدت وكأنها معركة صغيرة بين قوة الوعي وسلطة اللاوعي، بين ما أريده حقًا وما أفرضه على نفسي. كنت أريد أن أتحرر من عاداتي، لكنني شعرت أنني أغرق في محاولة عبثية لاستكشاف جوانب خفية من ذاتي.
وفي نهاية اليوم، عندما ذهبت إلى الفراش، تركت النور مضاءً، تحديًا لتعودي على النوم في الظلام . كان النور ساطعًا بشكل مزعج، لكنني أردت اختبار حدود احتمالي .
كان اليوم أشبه بتمرين على الانفصال عن ذاتي وعن عاداتي . بحثت عن مرآة لا تعكس صورتي الحقيقية، بل صورة تخيلية لما أظن أنني قد أكونه. وبينما أغمضت عيني، تساءلت: هل نعرف ذواتنا حقًا، أم أننا نصنع صورة لها ونصدقها لأننا لا نريد أن نرى صورة غيرها ؟