توفي في الستين من عمره.. اكتشاف أول تسلسل كامل للجينوم البشري من مصر القديمة لرجل عاش قبل 4800 عام
منى غنيم
نشر في:
الإثنين 7 يوليه 2025 – 1:47 م
| آخر تحديث:
الإثنين 7 يوليه 2025 – 1:47 م
نجح مجموعة من الباحثين في إنتاج أول تسلسل كامل للجينوم البشري استُخرج من أسنان رجل من قدماء المصريين عاش في الفترة التي شُيّدت فيها أقدم الأهرامات، وذلك بعد مرور أربعين عامًا على أول محاولة لاستخراج الحمض النووي من إحدى المومياوات الفرعونية.
وتعود هذه البقايا إلى الفترة ما بين 4800 و4500 عام مضت، التي تتزامن مع عصر الدولة القديمة “عصر الأهرامات”، كما تشير هذه البقايا إلى أصول وراثية مشابهة بسكان شمال إفريقيا القدماء، بالإضافة إلى بعض الأصول الوراثية من الشرق الأوسط، بحسب مجلة نيتشر العلمية.
فيما وصف أستاذ علم الوراثة السكانية بكلية الطب في جامعة هارفارد في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، دايفيد رايش، هذا الاكتشاف: “إنه أمر بالغ الأهمية ومثير للغاية”، مضيفًا: “كنا نأمل منذ زمن طويل أن نحصل على أول حمض نووي قديم من المومياوات الفرعونية”.
يذكر أن المختبرات البحثية لطالما سعت إلى استخراج الحمض النووي من بقايا المصريين القدماء؛ إذ أعلن عالم الوراثة التطورية، سفانتي بابو، عام 1985، عن أول تسلسلات حمض نووي قديم تُستخلص من أي إنسان، حيث تمكن من الحصول على بضعة آلاف من دقائق الحمض النووي من مومياء طفل مصري يعود عمره إلى 2400 عام.
يشار إلى أن “بابو”، الذي نال جائزة نوبل عام 2022، أدرك لاحقًا أن هذه التسلسلات كانت ملوثة بالحمض النووي الحديث، لكن في عام 2017، تمكّن فريق بحثي من الحصول على بيانات محدودة من جينومات ثلاث مومياوات مصرية تعود إلى فترة بين 3600 و2000 عام مضت.
وأشار المتخصص في علم الوراثة القديمة بمعهد فرانسيس كريك في لندن وأحد القائمين على الدراسة المنشورة في مجلة (نيتشر)، بونتوس سكوجلوند، عبر مؤتمر صحفي خاص بالكشف، إلى أن المناخ الحار في شمال إفريقيا يُسرّع من تحلل الحمض النووي، وربما تُساهم عملية التحنيط في تسريع هذا التحلل أيضًا: “يبدو أن الجثث المحنطة ليست أفضل وسيلة للحفاظ على الحمض النووي”.
وتعود البقايا التي درسها فريق “سكوجلوند”، إلى فترة سبقت انتشار التحنيط على نطاق واسع؛ إذ دُفن هذا الشخص في وعاء خزفي، وهو ما يدل على مكانة اجتماعية مرموقة لكنها ليست من طبقة النخبة، إذ عُثر على هذه البقايا في موقع أثري يُعرف باسم “نويرات” يقع على بعد 265 كيلومترًا جنوب القاهرة بمحاذاة نهر النيل.
واكتُشفت الأسنان والعظام عام 1902، خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر، وتم التبرع بها لاحقًا إلى مؤسسات علمية في مدينة ليفربول بالمملكة المتحدة، حيث لا تزال محفوظة حتى اليوم، رغم تعرضها للقصف الألماني خلال الحرب العالمية الثانية.
وبيّن “سكوجلوند”، أن توقعاته لم تكن مرتفعة عند استخراج الحمض النووي من عدة أسنان تعود إلى هذا المصري القديم من “نويرات”، إلا أن المفاجأة كانت أن عينتين من تلك الأسنان قد احتوت على كمية كافية من الحمض النووي القديم الأصيل، مما أتاح للفريق إنتاج تسلسل كامل للجينوم، كما أظهرت تحاليل الكروموسوم “Y”، أن البقايا تعود لرجل.
وأوضحت النتائج أن معظم حمضه النووي يشبه الحمض النووي للمزارعين الأوائل الذين عاشوا في شمال إفريقيا خلال العصر الحجري الحديث قبل نحو 6000 عام، في حين أن بقية حمضه النووي يشبه إلى حد كبير حمض سكان بلاد ما بين النهرين، وهي منطقة تاريخية في الشرق الأوسط كانت موطنًا للحضارة السومرية القديمة، وشهدت ظهور بعض أقدم أنظمة الكتابة.
ولا يُعرف بعد ما إذا كان هذا يعني وجود صلة وراثية مباشرة بين سكان بلاد ما بين النهرين وسكان مصر القديمة- وهو ما تلمح إليه أيضًا أوجه التشابه في بعض القطع الأثرية الثقافية- أم أن أصول الرجل القادمة من بلاد ما بين النهرين وصلت عبر شعوب أخرى لم تُؤخذ منها عينات حتى الآن، بحسب ما أوضحه الباحثون.
وكشفت بقية عظام الرجل المصري القديم عن مزيد من التفاصيل حول حياته؛ إذ تشير دلائل الإصابة بالتهاب المفاصل وهشاشة العظام إلى أنه تُوفي في سن متقدمة بالنسبة لعصره، ربما في الستينيات من عمره.
كما دلت علامات أخرى على عظامه على حياة شاقة مليئة بالعمل البدني المضني والجلوس المنحني فوق أسطح صلبة.
واستنادًا إلى هذه المؤشرات، بالإضافة إلى الصور التي وُجدت في مقابر أخرى من نفس الحقبة، رجّح أستاذ علم الأحياء الأثري في جامعة “جون مورز” في ليفربول وأحد المشاركين في الدراسة، جويل إيريش، خلال المؤتمر الصحفي، أن الرجل – على الأغلب – قد عمل في صناعة الفخار.
وفي هذا السياق، صرّح عالم الوراثة في المركز القومي للبحوث بالقاهرة، يحيى جاد: “إن نشر مجموعة بيانات لجينوم كامل يعود لمصري قديم يُعد إنجازًا كبيرًا في مجال علم الوراثة الجزيئية للمصريات”.
كما أشاد بالباحثين لعرضهم الواضح لمصدر البقايا، ولكنه لفت إلى أن هذه البيانات مستمدة من فرد واحد فقط، وقد لا تعبر تعبيرًا كاملًا عن التركيبة الجينية لمصر القديمة، التي كانت على الأرجح بوتقة تنصهر فيها أصول متعددة ومختلفة.
ويتطلع العلماء إلى الحصول على مزيد من البيانات الجينية من بقايا المصريين القدماء، وربما حتى من إحدى المومياوات، ومع التقدم في تقنيات علم الجينومات القديمة وتطوير القدرات البحثية المحلية- حيث يُشرف “جاد” على مختبر للحمض النووي القديم في المتحف القومي للحضارة المصرية بالقاهرة- يأمل الباحثون ألا يستغرق الأمر 40 عامًا أخرى لتحقيق ذلك.
وعبر صفحته على “الفيسبوك”، أشاد الكاتب والمفكر والطبيب المصري ، الدكتور محمد أبو الغار ، بهذا البحث المهم الذي قال إنه يؤكد أن قدماء المصريين هم أجدادنا.
وأضاف أن البحث استطاع اكتشاف الجين الوراثي والـ DNAفي الأسنان المستخرجة من فك مومياء عمرها 4700 عام- أي من عمر الهرم الأكبر تقريبًا- حيث ثبت أن الجينات مماثلة لسكان مصر في شمال إفريقيا.
كما أشار “أبو الغار” إلى أن هناك دراسات كثيرة أجريت على المصريين المعاصرين، وثبت أن مكون أساسي من جيناتهم من الفراعنة، وقال إن في الوجه البحري الجينات تكون مخلوطة بشدة، بينما في الصعيد أكثر نقاءًا، وفي أقباط الصعيد الجينات 100٪ من قدماء المصريين.