منوعات

خبراء بيئة: دخلنا عصر التطرف المناخي وفشل هيئة الأرصاد في التنبؤ بأمطار القاهرة ينذر بكوارث


دينا شعبان


نشر في:
الثلاثاء 1 يوليه 2025 – 5:27 م
| آخر تحديث:
الثلاثاء 1 يوليه 2025 – 5:27 م

في مشهد جوي لا يشبه ما اعتاد عليه المصريون في هذا الوقت من العام، فوجئ سكان القاهرة ومحافظات الدلتا، اليوم الثلاثاء بسقوط أمطار غزيرة بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، في ظاهرة مناخية غير مألوفة بالنسبة لفصل الصيف، ما أثار جدلاً واسعًا حول تفسير ما يحدث وقدرة الدولة على التنبؤ والاستجابة لهذه التغيرات.

– انتقادات لهيئة الأرصاد الجوية وتحذيرات من قصور المنظومة

وجَّه الخبير الدولي في شئون تغير المناخ ورئيس مجلس أمناء مؤسسة “مناخ أرضنا للتنمية المستدامة”، صابر عثمان، انتقادات حادة للهيئة العامة للأرصاد الجوية، معتبرًا أن ما حدث ليس مجرد تقصير عارض، بل يكشف عن خلل هيكلي عميق في منظومة الرصد والتحليل المناخي في مصر، محذرًا من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى كوارث يصعب مواجهتها مستقبلاً.

وقال عثمان لـ”الشروق”، إن فشل الأرصاد في التنبؤ بهذه الموجة من الأمطار ليس سهوًا تقنيًا يمكن تجاوزه، بل مؤشر على قصور خطير في أدوات الرصد، وفجوة واسعة بين واقع المناخ الحالي والآليات الرسمية لرصده والتعامل معه.

وأضاف: “تقرير الهيئة اقتصر على الإشارة إلى احتمالات ضعيفة لسقوط أمطار خفيفة على السواحل الشمالية، بينما أغفل تمامًا ذكر القاهرة الكبرى والدلتا، رغم أن هذه المناطق كانت الأكثر تأثرًا”، ذاكرا أن المواطنين والجهات التنفيذية فوجئوا بالأمطار دون أي استعدادات، وهو ما أدى إلى ارتباك واسع على الأرض.

– دعوة لمراجعة شاملة لعمل هيئة الأرصاد

وأكد أن هذه الأزمة يجب أن تكون فرصة لمراجعة شاملة لأداء الهيئة وقدراتها، قائلا إن المشكلة الأساسية تكمن في “نقص الإمكانات والتمويل”، حيث تحتاج الهيئة إلى ميزانيات كبيرة لتحديث بنيتها التكنولوجية، وتطوير برامج الحاسوب التي تعتمد عليها في النماذج المناخية، بالإضافة إلى استعادة الكفاءات البشرية المؤهلة التي هجرت العمل الحكومي بسبب تدني الأجور وضعف الحوافز.

– ضرورة تطوير التواصل مع الجمهور وبناء منظومة لإدارة الكوارث

ودعا إلى تبني أساليب تواصل جديدة مع الجمهور، قائلاً: “النشرة الجوية التقليدية بشكلها الحالي لم تعد تصلح في زمن المناخ المتطرف، ويجب تطويرها لتكون أكثر وضوحًا لعامة الناس، عبر استخدام الأكواد اللونية والرموز المفهومة، مثل إشارات المرور، لتحديد مناطق الخطر ودرجاته، بما يسمح للمواطنين باتخاذ الاحتياطات اللازمة”.

وأكد أن خسائر التغير المناخي لم تعد نظرية أو مستقبلية، بل تحدث بشكل يومي، قائلاً: “الزراعة تتأثر، والثروة الحيوانية والسمكية تتراجع، وهناك مشاكل صحية متعددة، لكننا لا نملك منظومة علمية دقيقة لرصد هذه التأثيرات، وهو ما يعوق الدولة عن المطالبة بتمويل عادل من الصناديق الدولية المخصصة للمناخ”.

وفي ختام حديثه، شدد عثمان على ضرورة بناء منظومة وطنية متكاملة لإدارة الكوارث المناخية، تضم وزارة البيئة، والمحليات، والدفاع المدني، واللجنة الوطنية لإدارة الأزمات، تعمل بتنسيق كامل لمواجهة ما وصفه بـ”الحقبة القادمة من الظواهر الجوية المتطرفة التي ستزداد شدة وتكرارًا”.

– تحولات مناخية حادة وإقليم البحر المتوسط في بؤرة الاهتمام

وفي قراءة أوسع لما يحدث، ربطت الدكتورة سوسن العوضي، خبيرة علوم البيئة والمناخ، بين هذه الظواهر المتكررة وما وصفته بـ”التحول الكبير في طبيعة المناخ العالمي”، مؤكدة أن العالم دخل بالفعل مرحلة جديدة من “التطرف المناخي” التي تتميز بظهور ظواهر حادة وغير معتادة في مواسم غير تقليدية.

وقالت العوضي، في تصريحات لـ”الشروق”، إن “ما نرصده اليوم من سقوط أمطار غزيرة بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة ليس حدثًا استثنائيًا، بل نتيجة طبيعية لعقود طويلة من الضغوط البشرية على كوكب الأرض، واختلال التوازن الطبيعي للمناخ”، مشددة على أننا لا نتعامل مع تغير تدريجي، بل مع تحولات حادة في نمط المناخ.

وأضافت: “هذه التحولات ليست مفاجئة، بل لها جذور واضحة في السنوات الأخيرة، ويمكن تتبعها من خلال ما حدث في الإسكندرية خلال فصل الخريف الماضي من سيول مفاجئة، وكذلك التأثيرات القوية لظاهرة النينو وظواهر مناخية أخرى ساهمت في تفاقم حالة عدم الاستقرار الجوي”.

وأشارت إلى أن إقليم البحر المتوسط يلعب دورًا محوريًا في رسم ملامح هذا التغير، لافتة إلى أن المنطقة تشهد اضطرابات مناخية وجيولوجية معًا، تشمل تقلبات الطقس واحتمالات لزلازل وتغيرات في القشرة الأرضية، ما يجعل الظواهر المتطرفة أكثر تعقيدًا وخطورة.

– دعوة لسياسات تأقلم مناخي وتحويل الخطاب البيئي لسياسات عامة

وحذّرت العوضي من التعامل مع هذه المؤشرات وكأنها موجات عابرة، قائلة: “إذا لم نبدأ الآن بوضع سياسات تأقلم مناخي واقعية، تشمل تخطيطًا عمرانيًا جديدًا وتحديثًا للبنية التحتية، فإننا نواجه مستقبلاً غير مستقر مناخيًا يصعب فيه التنبؤ أو المواجهة”.

واختتمت حديثها بالدعوة إلى أن يتحول الخطاب البيئي من كونه توعويًا إلى كونه جزءًا من السياسات العامة والحوكمة، معتبرة أن “الطقس أصبح شأنًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وعلى الجميع أن يتعامل معه على هذا الأساس”.