منوعات

خبز العيد والجذور

تعظيم سلام للخبز الحوراني المسافن بادئ ذي بَـدْءٍ :

ومسميات الخبز الحوراني هي مسميات الخبز الفلسطيني وعموم الريف السوري ، ويقاربه الخبز المخصص للعيد في مصر واليمن والحجاز وغيرها من عالمنا العربي :

المُـرَدَّ د ُ ،

المُطابَـق ،

او المطبقيات

او خبز العيد

والمسافن افصح هذه الأسماء ، كما أزعم ، أو أقربهــا إلى الفصيح ، والمُسـافن اسمٌ آتٍ من

من الجذر ( س ف ن ) .

تقول العرب : سفينة سَفَنت .

معنى سفن في لسان العرب السَّفْنُ القَشْر سَفَن الشيءَ يَسْفِنه سَفْناً قشره ، قال امرؤُ القيس :

فجاءَ خَفِيَّاً يَسْفِنُ الأَرضَ بَطْنُه *** تَرى التُّرْبَ منه لاصقاً كلَّ مَلْصَق .

والسفينة (الفلك) سميت بذلك لانها تسفن وجه البحر تشقه وتقشره .

سفينة زنة فعيلة بمعنى فاعلة ،

ونؤكد نحن أنَّـه من هنا جاءت تسمية خبز العيد لدى الحورانيين بالمُسافَـن اي الخبز ذو الطبقات الرقيقة والتي تبدو كأنها القشر .

والشيء بالشيء يذكر ؛ فأقول هــنا : كنا نسمي دفتر المدرسة في صفوفنا الأولى بالسفينة .

وهي رزمة أوراق كالقشور .

وهكذا كانت المشاكلة الاشتقاقية متينة وواضحة جدا بين كل من :

السفينة في البحر التي تسفن طبقاته العليا وتقشرها !

السفينة بيد التلميذ (الكشكول عند المصريين) ، وتبدو كالقشور مهيّأة للكتابة عليها .

بل كنا نسمي صدور الدجاج بالسفينة للسبب نفسه !

وكذلكم المسافن (خبز العيد) عند الحورانيين ، كان ولا يزال حتى يومنا هذا .

وفي اليمن السعيد أسعده الله دائما وجميع بلداننا يطالعنا خبز العيد تحت مسمى آخر :

الملوَّح : خبز يمني مكون من دقيق القمح وبعض الملح والماء يعجن ثم يفرد بواسطة نشاب خشبي ثم يدهن بزيت أو سمن ويلف العجين ويترك حوالي 5 دقائق ثم يفرد مرة أخرى ، ويوضع على مقلى لينضج والخلاصة هو فطير (مشلتت) يمني لكنه قليل الدهون يؤكل مع الشاي أو على عسل أو بيض أو حتى فول ، أي غموس هذا هو “المُلَـوَّح ” بتشديد وفتح الواو وهو خال ٍ من الخميرة تماما …

وفي أرض الكنانة يطالعنا الخبز المشلتت …

ولنبحث عن الجذر لهذا الخبز فلا يسعفنا الحظ إلا بصعوبة .

الجذر ( ش ل ط ) ، قال اللّيْث : أهلُ الجوْف يسموْنَ السّكينْ: الشلْطَ ، وقال في ترْكيب (ش ل ح ) : الشّلْحاَءُ السيفُ بلُغة أهلِ الشّحرِ والشلْطاءُ هي السّينُ ، وتبِعه ابن عبادٍ ، وأنكرَ ذلك الأزْهري ، قال : والشلْطةُ : السْهم الدقيقُ وجمعهاُ شلّطَ . ومثله جاء في اللسان وهو لا يقارب بحثنا .

الجذر ( ش ل ت ) : لا وجود له معجميا .

( ش ل ش ل ) : وشَلْشَلْتُ الماء أَي قَطَّرته، فهو مُشَلْشَل . وهو بعيد عن مرادنا أيضـاً .

( ش ل ت ت ) لا وجود لها .

ولكن يطالعنا الجذر ( ل ت ت ) : ومنه في الحورانية واللهجة المصرية والحجازية واليمنية قولهم ( لتَـتُّ الطحين بالماء ) أي عجنته وعملت منه العجين ، وهذا القصد تماماً .

فالخبز المشلتت أصله ( الملتَّت ) أو الملتلت ، وجاءت التسمية من لتِّ العجين بالزيت أو السمن ، وهذا ما يفعله المصريون في صناعــة الخبز المشلتت ، أو خبز العيد ، وحرف الشين في اللغات السامية يُضاف عادة لكثير من المفردات للمبالغة أو التعمّق في إيصال المعنى ، ولعله أضيف هنا لبيان مزيد طبقات العجين وبيان ما يخلط به من سمن أو زيت كثير عادة . ولنلاحظ في فقه الاشتقاق والتسمية :

لما كان الظاهر الواضح من الخبز هو عدد طبقاته جاءت التعبير بالسفائن ، ولما كان الاهتمام منصبا على طريقة الصنع جاء الملـوَّح ، والمادة الدسمة فيه قليلة ، ولما كان الاهتمام واضحا بما يخلط بالعجين ( كثرة الزيت والسمن ) ، جاءت التسمية باللتت تؤكد ذلك !

يقول امرؤ القيس :

وحَسـبُك من غِنىً شِبَعٌ ورِيُّ *** فَتَمْلأُ بيتـنـا أَقِطــاً وسَـمْـنــاً

قلنــا : سَمَنْتُ لهم الطعام أَسمُنُهُ سَمْناً، إذا لَتَتَّهُ بالسمنِ ، وهو ما نفعله بخبز العيد ، وأقرب خبزٍ إلى خبز العيد هذا عالميّــاً هو خبز ” البَـراتــا ” الهندي والمنتشر خليجيّــاً .

وقال امرؤ القيس أيضــا :

له عَجْوَةٌ مَسْـمـونَةٌ وخـمـير *** عظيمُ القَفا رِخْوُ الخواصرِ أَوْهَبَتْ

وهنا يذكرنا الشاعر بنوع آخر من خبز العيد كان العرب يصنعونه بالعجوة ( التمر اللين الناضج ) مع الخبز الفطير .

وما وجدت بلدا من عالمنا إلا وله اهتمام خاص بخبز العيد ، وهذا الاهتمام نابع من اهتمامهم بالعيد وإظهار البهجة والتوسيع على العيال في يومٍ من أيام الله وهو العيد ، أو السرور العائد . ولعلَّ الهند اليوم هي من أغنى بلدان العالم بأنواع الخبز .