مسقعة باذنجان

تزوجها رغماً عنها، كان الحب عندها الحياة، وعنده كان استحواذاً؛ لا يرى للمراة حقوقاً ولا مشاعر؛ فكان من الطبيعي أن تؤول علاقة كهذه إلى الطلاق الذي رأت فيه الحرية والخلاص، ولم يكن عنده أكثر من جولة في معركة، يعيد بعدها الكرّة ليستعيدها ثانية، وحين تتزوج ممن أحبت لم يكن لديه حل إلا التخلص من زوجها الجديد بما ينسجم مع فكره السادي؛ ليصل إلى هدفه بكل الوسائل وإن كانت القتل.
نقيضان هما رجل لا يرى في المراة إلا متاعاً أو قطعة ديكور تزين البيت أو يتباهى بها أمام مجتمع برجوازي زائف، وامرأة رقيقة حالمة تذوب ألماً حين تخسر لوحة تحبها في مزاد، أما الحبيب أو الزوج المأمول فكان فناناً تشكيلياً يعمل حلاقاً، في إشارة إلى فساد مجتمع لا يرى للجمال مكاناً، رقة الحبيب المامول هي صنو المرأة الرقيقة الذي ترى في نبله توأم نفسها الذي سيحررها من إسار زوج جاف لم تر معه إلا الشقاء.
استطاع الزوج السادي أن يستعيدها ثانية بعد أن قتل الزوج الحبيب، فصنعت له الطبق المفضل لديه: (مسقعة الباذنجان)، وإذ يأمرها بأن تأكل منه كعادة المرتاب الذي لا يأمن شيئاً، ولا حتى أقرب الناس إليه أمام دهشة المشاهد تأكل الزوجة من الطعام قبله لتموت معه وبالسم ذاته؛ لتترك السؤال كبيراً: ما الذي يدفع امرأة إلى أن تموت في سبيل أن تقتل رجلاً كرهته على الرغم من رقتها ووداعتها إإلى هذا الحد كان بشعاً؟ أم إلى هذا الحد كانت عاشقة للآخر؟ أم إلى هذا الحد هي قسوة الواقع الذي يدور بعجلات من فولاذ دون أن ينتظر أولئك الذين عشقوا الحياة؛ لكنهم لم يتحملوا البشاعة التي تحيق بهم؟
كانت تلك قصة فيلم (موعد على العشاء) الذي كنت اهجس به؛ ذلك الفيلم العذب لسعاد حسني (نوال) وحسين فهمي (عزت) واحمد زكي (رشدي)، فيلم تتحدث فيه الكلمة والحوارات الرقيقة، وموسيقى البيانو الحزين، ومشاهد دالة معبرة ظهرت فيها نوال من خلف القضبان كمعادل موضوعي لسجن الحياة التي تتوق إلى الخلاص منها إلى فضاءات أرحب.
محمد خان مخرج الفيلم قال عنه:
” …. أتناول في هذا الفيلم موضوع الحرية الشخصية للمرأة، وأصل إلى الخلاصة التالية: إن المرأة عندنا لن تتحرر أبداً للأسف، لأنها لكي تصبح حرة فعليها أن تحطم المجتمع وأن تحطم نفسها” … تذكرت بأسى المجد كيف يغيب، والنجم كيف يأفل حين تذكرت سعاد أخت القمر التي تصادف ذكرى رحيلها الحادية عشرة هذه الأيام.