اخبار المغرب

أحمد الجيراري يهجر هندسة الاتصالات لتعزيز التنمية بأداء المقاولات

يعترف أحمد الجيراري بحصوله على عناية رسمية مغربية مكنته من شق طريقه الدراسي، والمهني أيضا في وقت لاحق، بناء على الخدمات المختلفة التي أتاحت التعلم بصفة تلميذ الداخلي خلال الطورين الإعدادي والثانوي، زيادة على استفادته من منحة مالية أفلحت في تغطية جزء غير يسير من حاجيات تكوينه الجامعي خارج التراب الوطني.

كما يرى المغربي نفسه، الخبير في هندسة الاتصالات أساسا، وأيضا شؤون التنمية الناتجة عن تشجيع المقاولات الصغرى في مرحلة موالية، أن انطلاق التجربة الخاصة به من حيز قروي بسيط في جهة سوس، وتطورها بمراكمة الخبرة في كل من فرنسا وكندا، على شطرين، تلهمه كي يلتزم بالمساهمة في إبراز وجه مشرف للانتماء إلى المغرب، من جهة، والتفكير في جعل خلاصات مساره تساند جهود التنمية بالوطن الأم مستقبلا، من جهة ثانية.

الرياضيات والاتصالات

رأى أحمد بن بوزيد الجيراري النور في قبيلة ‘’اولاد جرار’’، على بعد كيلومترات قليلة من جنوب مدينة تزنيت، ليكبر في أحضان سوس وينهل صغيرا من منظومة قيم البيئة الثقافية القروية المتصلة بفضاء الواحات، ثم انطلق في التعلم بمدرسة ولي العهد الأمير سيدي محمد، التي صارت لاحقا تحمل اسم الملك محمد السادس.

ويقول أحمد: “الوصول إلى الطور الإعدادي أملى الانتقال إلى مدينة تزنيت من أجل الالتحاق بإعدادية الأمير مولاي رشيد، وبعدها صرت منتميا إلى أول فوج لشعبة العلوم الرياضية بثانوية المسيرة الخضراء في المدينة نفسها، ثم اخترت التوجه إلى الأقسام التحضيرية للمدارس العليا المتخصصة في العلوم الهندسية، بعدما حصلت على شهادة الباكالوريا سنة 1984”.

استفاد أحمد الجيراري من منحة مغربية تتيح له مواصلة التعليم خارج المملكة، وقد تخطى فترة الأقسام التحضيرية في مدينة ‘’دُووِي’’ بالشمال الفرنسي، ضمن ثانوية حاملة اسم ‘’ألبير شاتلي’’، وبعدها استكمل مسار التخرج مهندسا في الاتصالات بباريس، وصولا إلى قراره سنة 1994 إطلاق تجربة بديلة في كندا.

النفور من فرنسا

حضر أحمد الجيراري مجموعة من الوقائع التي خلفت الاستياء الحاد من السياسة العامة الفرنسية في علاقتها بتدبير قضايا الهجرة، وبعدها أضحى مستاء من العيش على أرض تتجلى فيها العنصرية ضمن جميع المعاملات ذات الصلة بالإدارة، ليفتح مرحلة البحث عن بلد استقبال بديل يتيح السير نحو المجتمع باحترام للإنسانية وتقدير للكفاءات.

وعن هذا التحول المفصلي يورد المغربي نفسه: “لقد كان نفورا حادا بلغ الأوج عند النظر إلى ازدحامات أمام مرافق إدارية مخصصة لتجديد رخص الإقامة المؤقتة للوافدين على العاصمة الفرنسية باريس. وبما أن ذهني شديد الإيمان بأن الأرض واسعة، لم يتقبل التعسفات المتكررة، وصرت منخرطا في البحث عن وجهة فيها ترحيب بالهجرة”.

التقط الجيراري نصيحة من أحد أصدقائه بالتوجه إلى كبيك في كندا، كي يشرع في البحث ضمن هذا الخيار، وبعدما جمع معلومات دقيقة عن المنظومة المجتمعية المبنية على الاختلاف في هذه البلاد الأمريكية الشمالية، إضافة إلى بيانات قادرة على جعله يبصم على انطلاقة ثانية لمساره الوظيفي، انتقل أحمد إلى مونتريال بحلول سنة 1994.

المقاولات بدل الاتصالات

نأى المولود في أولاد جرار عن هندسة الاتصالات كي يخبر العمل في مجال التطوير والتنمية بكبيك، مركزا على ربط الرهانات الاقتصادية بالقدرات الجهوية، فكانت البداية من خلال مؤسسات تشجع الاشتغالات المقاولاتية من أجل الوصول إلى الأهداف التنمية، وما يعنيه ذلك من ضرورة التواجد إلى جانب فئات قادرة على إرساء المشاريع وأخرى مستفيدة من خلق فرص العمل.

في المرحلة الموالية، تموقع أحمد بن بوزيد الجيراري ضمن قسم التنمية الاجتماعية وتعدد الثقافات في المجلس الجهوي بمونتريال، بصلاحيات مرتبطة بميادين الهجرة ودعم قدرات النساء والتشجيع على الدراسة، إلى جانب التشغيل والأمن الغذائي. وتتركز المهام على التوسط بين الوزارات وإدارات الجهة لضمان الالتقائية في الخطوات العملية لتطبيق السياسات العمومية.

وواصل المنتمي إلى صف مغاربة كبيك التطور ليتولى مسؤولية قسم سياسة التشغيل في المقاولات بالغرفة التجارية مونتريال الكبرى، وهي الثانية من حيث الحجم على صعيد كندا بأكملها؛ وبعدها صار أحمد الجيراري مدير شبكة ‘’ميكرو أونتروبروندر’’، المتخصصة في تمويل ومواكبة المقاولات الصغرى على صعيد 17 مقاطعة في كبيك، ولها شراكات مع السلطة الفيدرالية الكندية أيضا، وتتدخل بدعم من عدة مؤسسات بنكية واثقة في أدائها.

مساهمات مع الجالية

يتوفر المتخرج في هندسة الاتصالات من فرنسا على رصيد جيد في العمل الجمعوي منذ استقراره على التراب الكندي، ومن بين التجارب جميعها يفتخر بالاشتغال الذي كان يتم على مستوى ‘’مدرسة واحد وعشرين’’ في ارتباط بالمغرب، خاصة إنشاء مكتبات للتلاميذ في مؤسسات تعليمية عدة بأزمور، والحرص على تجهيزها لدعم التمدرس.

ويقول أحمد في هذا السياق: “سعيد بخدمة عدد من أفراد الجالية من خلال التواجد في مجموعة من الاشتغالات، وبمعية ثلة من أبناء الوطن الذين كانوا يقتطعون من وقتهم الشيء الكثير كي يحاولوا التوجه بثقة وقوة نحو المستقبل، وعدد وافر من هذه المبادرات كان يتم على مستوى الفدرالية المغربية بكندا، وهي غير قائمة في الفترة الحالية”.

كما يشدد الجيراري على أن تواجده في المجلس الجهوي بمونتريال، رغم تركيزه على تحقيق نتائج جيدة في الإدارة والتدبير، لم تمنعه من تحفيز عدة أشخاص من ذوي الأصل المغربي على ولوج الأداءات المقاولاتية، والحصول على امتيازات مادية تشجع على النجاح، ومحاولة المساهمة في تمكين الجالية المغربية من نسيج استثماري قادر على التحول إلى شبكة مصالح إن توفرت الرغبة.

إلى مبعث الفخر

يحتل المغرب موقعا إستراتيجيا في تفكير أحمد الجيراري ضمن ما يمكن أن يقوم به بعد الحصول على التقاعد، عقب سنوات قليلة تتبقى له في الالتزامات المهنية التي يتولى الوفاء بها حاليا، ومن أجل ذلك يحرص على مواكبة الأخبار التي تخص الوطن الأم أولا بأول، ويجمع المؤشرات التي تبقيه متحفزا لمحاولة إفادة المملكة بالخبرات والمعارف التي راكمها على مدى العقود الماضية.

ولا يتردد المستقر في كندا منذ 30 سنة في إعلان المغرب متقدما بوتيرة تنمية مهمة نحو المستقبل، وأن البلد يتوفر على شروط الازدهار في المستقبل القريب، خاصة أن ذلك يحتاج أمة مفتخرة بانتمائها ومعتزة بإنجازات أبنائها، ويضيف: “ذلك ما حدث عند مشاركة المنتخب المغربي لكرة القدم في كأس العالم بقطر؛ لقد انبعثت طاقة إيجابية تخدم التنمية برفعة معنوية عالية”.

“جلت كثيرا حتى صرت أعرف قيمة بلدي بين بقية البلدان، وما نملكه في التاريخ والجغرافيا والتراث والتقاليد يجعلنا شعبا فوق العادة، لهذا أريد أن أرد دين وطني الأم الذي احتضنني في فترة الدراسة على التراب، وصرف لي منحة للتكوين في الخارج، وأنخرط حاليا في تجربة السفراء الاقتصاديين الجهويين مع مركز الاستثمار في سوس، بغرض الانفتاح على رجال الأعمال بكندا، لكني أريد القيام بالمزيد مستقبلا”، يزيد الجيراري.

الجيل الجديد للهجرة

يبقى أحمد بن بوزيد الجيراري مؤمنا بأن الأرض واسعة جدا حتى تجعل من الجميع ناجحين وفقا للقدرات التي يحوزونها، لكنه يوصي المقبلين على الهجرة حديثا بتنمية الثقة في أنفسهم حتى يحرصوا على سقي الطموحات الجارفة، يوما بعد آخر، حتى تبلغ أقصى حد وتتيح معانقة الأحلام المرسومة بعناية بالغة.

ويعتبر الخبير المقاولاتي عينه أن الشريحة المغربية الشابة تتحصل على تربية مجتمعية تمكنها من قضاء مآربها باستعمال ما هو متاح أمامها، بغض النظر عن المكان الذي تستقر فيه، وهذا ما يجعل شباب المغرب الراغب في الاستقرار خارج الوطن قادرا على التأقلم مع أي بيئة يوضع فيها مستقبلا، وتحقيق ما يبتغي بقدر معقول من الجهود الموجهة بذكاء.

“المغاربة مشهود لهم بالعظمة عبر العالم، وهذا يتيح لأبناء المغرب الهجرة مرفوعي الرأس إلى أي وجهة يشاؤون التواجد فيها. أما الاندماج في بيئة الاستقبال بكيفية موفقة فإنها تحتاج توفر الرغبة في العيش هناك، أولا، ثم مراكمة الكفاءة مع الحرص على تعلم اللغة، دون الوقوع في فخ الانسلاخ عن الهوية الأصلية”، يختم أحمد الجيراري.