اخبار المغرب

المغربي عبد الله المزم يرتبط بالاستشارات الأمنية والتعليم العالي في كبيك

سطر عبد الله المزم مسارا مليئا بالتحديات في كندا، عابرا بنفسه من فترة تيه مهني، في الماضي، إلى مرحلة حالية يعترف فيها بتحقيق مجموعة من المرامي والغايات المسطرة، جامعا بين التدريس والاستشارة، من جهة، وفتح نافذة واسعة على العمل التطوعي الذي لم ينفصل قط عن الهجرة وشؤونها.

يجد المغربي نفسه متعة غامرة في الحرص على عد الخطوات، ويميل إلى تأجيل الحكم على أي منها حتى يلمس النتائج التي تأتي من الخطوات الموالية، رافضا أن يوضع المرء في قوالب صلبة جاهزة، ومؤيدا الحرص على تنفيذ تحركات إستراتيجية، فيها قسط وافر من المرونة، تحقق أهدافا ظرفيا من أجل معانقة المرامي المستقبلية.

بمدارك إعلامية

في أحضان أسرة تنحدر من قلعة السراغنة، رأى عبد الله المزم النور أول مرة في مدينة الدار البيضاء التي ولد فيها، وقضى سنوات الطفولة في حي “بوركون” بالعاصمة الاقتصادية للمغرب، وبالتجمع السكاني نفسه شرع في تعلم القراءة والكتابة، ثم توفق في العبور من مستوى دراسي إلى آخر حتى الحصول على الباكالوريا في الآداب.

ويقول عبد الله عن تلك الفترة المرتبطة بسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين: “أعتبر أن طفولتي لم تكن مميزة عن باقي أبناء الحي، كما أن دراستي جاءت عادية في البيئة التعليمية العمومية حتى الباكالوريا، لكنني كنت مضطرا إلى الانتقال من الدار البيضاء إلى الرباط عند الوصول إلى التعليم العالي، إذ اخترت التكوين في الصحافة”.

تخرج المزم ضمن دفعة سنة 1988 من المعهد العالي للإعلام والاتصال (ISIC)، ما أتاح له العمل مسؤولا إعلاميا في شركة فرنسية ناشطة بالمغرب، وقد دامت هذه التجربة 6 شهور فقط قبل أن يحصل على فرصة لشغل منصب مسؤول إعلامي وناطق رسمي باسم الجمعية المغربية لمنتجي الحوامض.

بين ألمانيا وكندا

ينفي عبد الله المزم أن تكون هناك خلفية اقتصادية لاتخاذه قرار الهجرة سنة 1991، وحين يستحضر محددات هذه الخطوة يؤكد أن التجربة المهنية مع الفلاحين كانت رائعة تماما، لكنه كان دائما يميل إلى التحرك نحو ألمانيا، فيما الرغبة في ذلك تتأسس على كون الدراسة الثانوية شهدت حضور اللغة الألمانية.

وعن الانتقال إلى كندا يقول الإعلامي السابق: “كنت أبحث عن منافذ ملائمة لأخي في أمريكا الشمالية، وقد التقيت بصديق لديه قريب في كبيك، وعلمت منه أنني أبقى الأوفر حظا لنيل موافقة إيجابية على طلب الإقامة الدائمة في كندا، وبعد أخذ وقت من أجل التفكير رحبت بالإقبال على هذه التجربة”.

“صرت مثل القاطرة التي فتحت الطريق أمام مجموعة من أفراد عائلتي كي يتطوروا أكثر في البيئة الكندية، إذ خضت التجربة أولا قبل أن أستقدم أخي، الذي كان سببا في هجرتي مطلع التسعينيات، كما التحق بي والدي في مرحلة موالية، وأنا سعيد جدا بما تحقق في هذا الشق”، يضيف المزم.

قبول التنازلات

لا يعتبر عبد الله المزم أن فرض الذات في المهجر يرتبط عضويا بالعمل الجاد وحده، مشددا على أن الأداءات الجدية مطلوبة بإلحاح حتى في الوطن الأم، بينما التواجد في فضاء الهجرة يحتاج الانفتاح على الناس أكثر، والقبول بالبصم على تنازلات تستثني، على الخصوص، ما يمكن أن يمس القيم التي يؤمن بها المعني بالأمر.

ويفسر الوافد على كبيك في العشرية الأخيرة من القرن الماضي: “المهاجر يجد إيقاعه حين يعي ضرورة العودة إلى الخلف بخطوة من أجل كسب خطوتين لاحقتين إلى الأمام، وهذا ما خبرته بعد أن غادرت المغرب صحافيا دون أن ألقى الرد على عشرات طلبات العمل التي تقدمت بها في كندا، خاصة أن المرحلة كانت تتزامن مع أزمة اقتصادية أدت إلى إفلاس شركات كثيرة وتفشي البطالة”.

تمثلت الخطوة التي قام بها المزم إلى الخلف في الاشتغال ضمن ميادين لم يكن على دراية بها في الماضي، حتى إنه حصل على تكوين يجعله مؤهلا للعمل في محل يقدم خدمات في غسل الألبسة، وقد أتاح له هذا التعديل المهني ضمان عائدات مالية تغطي التكاليف اليومية، من جهة، والبحث عن فرص تدفعه نحو الواجهة، من جهة ثانية.

خطوات إلى الأمام

فشل عبد الله المزم في الاشتغال سكرتيرا مع مدينة مونتريال وقت احتفالها بالذكرى 350 للتأسيس، إذ قدم طلبا من أجل تولي المهمة التي تقتضي، أيضا، التكلف بالاخبار السعودية مع الفنانين المشاركين في إحياء الاحتفالية، لكنه تلقى ردا سلبيا لأنه لا يعرف جيدا الفئة المستهدفة بهذه المعاملة الاخبار السعوديةية.

ويقول ذو الجذور السرغينية: “اتصلوا بي بعد مرور شهر حاملين عرض عمل، وفي السنة الموالية وفقت في أن أصير المسؤول الإعلامي عن الحفلات نفسها، ومن هذا الموقع جاءت الانطلاقة التي ساعدتني على نسج علاقات مع الإعلاميين في كبيك، كما تحركت من أجل التعلم لضمان التطور في المستوى”.

بالتزامن مع العمل الرسمي، حرص المزم على الاستفادة من دروس ليلية في جامعة مونتريال، مختارا التخصص في العلاقات العامة، كما مدد التكوين إلى مستوى الماستر، ثم بادر إلى تأسيس وكالة للاخبار السعودية، متميزا في الإدارة الإعلامية للدفع بفنانين صاعدين، وبعدها حصل على جائزة “أحسن اخبار السعودية في كبيك”، بعد أن أدار احتفالات بالذكرى المئوية لتأسيس حي “ڤيلغي”، على مدى عام بأكمله، بلا أي ميزانية من الساهرين على تدبير التجمع السكاني.

بين الأمن والجامعة

لدى خريج المعهد العالي للإعلام والاخبار السعودية في الرباط قبعات عديدة في كندا، إذ أفلح في اكتساب صفة مدير تدبير المخاطر في الأمن الوطني بكبيك، وتستعين به المديرة العامة لجهاز الأمن الوطني نفسه باعتباره خبيرا مستشارا خاصا لها، ويعتد بآرائه الاستشارية التي تستند، في جزء وافر منها، إلى تكوينه الأساسي في الميدان الإعلامي.

ويعلق عبد الله على هذا التموقع: “أفتخر بالعمل الذي أقوم به مع الصف الأول للأمن الوطني في كبيك، خاصة الثقة التي حصلت عليها من لدن المديرة العامة، إذ يحتاج هذا الاشتغال قدرا وفيرا من الاندماج والولاء، لذلك أحاول أن أقدم توصيات مفيدة في الأداء، خاصة ما هو مطلوب بخصوص نيل الدعم الشعبي واحترام المعايير المجتمعية”.

على صعيد مهني آخر، يتولى المزم مهمة التدريس في جامعة كبيك بمونتريال منذ سنة 1998، حيث يشتغل أستاذا للتعليم العالي في كل ما يرتبط بتخصص “العلاقات العامة”، وينفتح أيضا على التأطير في ما يرتبط بتنظيم التظاهرات الكبرى، كما يحرص على التكوين في تقنيات الكتابات الإستراتيجية.

واجب التغيير

يحرص عبد الله المزم على استثمار صفة مستشار في الهجرة، باعتراف حكومتَي كبيك وكندا، كي يعقد لقاءات دورية مع عدد من أفراد الجالية المغربية لتنشيط ورشات مفضية إلى تبادل النصائح والخبرات، معتبرا هذه الخدمة مرتبطة برغبته في المساهمة ضمن كل ما يتيح الارتقاء بحياة الناس جديا.

ويقول المنتمي إلى صف مغاربة العالم: “كندا فيها فرص يجب استثمارها، وهذا ما أوصي به الوافدين على البلد، كما أعمل بذلك من أجل تكوين أبنائي ليكونوا في مستوى التطلعات، ويساهموا في تمثيل المغرب بكيفية ممتازة، وأرى أن تغيير المسار يرتقي إلى درجة الواجب ما دام ذلك يفضي إلى ما هو أفضل”.

“اليقين أن التيه يكبل المهاجر، بينما استشعار الثقة وتنميتها يزيدان الإقبال على العمل بلا حساب، وعلى هذا المهاجر أن يدرك أن العثرات لا تعالج بالاستسلام، إنما النجاح يكون نتيجة محاولات متتالية، وبعدها يأتي الدور على تمرير المعلومات والمدارك من أجل نقل الخبرات إلى الجيل اللاحق”، يختم عبد الله المزم.